أنس الشابي - تونس
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 1271
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
في حديث لفضيلة الشيخ المفتي عثمان بطيخ لإذاعة جوهرة ف م حول الأضحية والتبرع بها لفائدة مقاومة جائحة كورونا قال بأنه لا مجال لإلغاء هذه الشعيرة ولا لوجوب التبرع بها لما ذكر، ولي على موقفه هذا جملة من الملحوظات وهي التالية:
1) الحكم الشرعي للأضحية أنها سنة مؤكدة وهو ما يعني أن من قام بها يثاب ومن امتنع لا يعاقب.
2) هذه السنة المؤكدة يشترط فيها القدرة أي الاستطاعة والمتأمل في الأحكام الفقهية التي تشترط الاستطاعة يلاحظ أنها مقصورة على الأفراد فقط كما هو الحال في الحج وغيره والحال أن معناها اليوم أصبح ينصرف شئنا أو أبينا إلى المجموعة نظرا لتعقد مسالك الحياة وترابط المؤسّسات وتداخل المصالح الفردية والجماعية وتشابك العلاقات الدولية وتأثير كل ذلك على مصالح الأمة من حيث هي مجموعة أفراد مناعتهم بمناعتها وقوتهم بقوتها، والمتأمل في شعيرة الأضحية في الظروف الحالية التي يمر بها الوطن يلحظ مليا أن كلفتها باهظة على الثروة الحيوانية والفلاحية بشكل عام وهي مفسدة ما في ذلك شك وإضرار بمصالح الأمة يستوجب من المؤسسات الدينية الرسمية إعمال القاعدة الفقهية "درء المفاسد أولى من جلب المصالح" هذا إذا اعتبرنا الأضحية مصلحة، وللعلم فقد سبق للمغرب أن توقف عن أداء هذه الشعيرة في ثلاث مناسبات بأمر من الملك حفاظا على الثروة الحيوانية الوطنية.
3) ذهب المفتي إلى القول بأنه لا يجب أن تجبر الدولة الناس على التبرع بأضاحيهم لمقاومة جائحة الكورونا وهو قول يحتاج إلى شيء من الضبط ففي الفترات التي تكون فيها الأمة معرّضة لخطر داهم أو وباء استقر، وجب أن تُجَند كل القوى لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من ذلك حثّ الناس على تحويل أضاحيهم إلى ما ذكر، فالمصلحة العامة هي الأصل والتضحية بالمصلحة الخاصة أمر جائز عند الضرورة قال الشيخ محمّد الطاهر ابن عاشور في تعريفه للمصلحة العامة بأنها: "ما فيه صلاح عموم الأمة أو الجمهور ولا التفات منه إلى أحوال الأفراد إلا من حيث إنهم أجزاء من مجموع الأمة"(1) وقال كذلك: "فلو فرض أن الصلاح الفردي قد يحصل منه عند الاجتماع فساد (كما هو الحال في الحج أو في الأضحية) فإن ذلك الصلاح يذهب أدراجا ويكون كما لو هبت الرياح فأطفأت سراجا"(2) أما ابن نجيم فقد لخص المسألة كلها بتفريعاتها في قوله: "يُتَحَمَّلُ الضرر الخاص لأجل دفع الضرر العام"(3) الأمر الذي يعني أنه على المؤمنين أن يتوقفوا عن أداء هذه الشعيرة دفعا لِما يمكن أن تتعرّض له الأمة من مشقة.
4) حق العبد مقدّم على حق الشرع كما يقول الفقهاء، إذ كلما تعارضت الأحكام الشرعية مع مصالح المكلفين إلا وقدّمت هذه الأخيرة لأن المقصود من الشرع هو حفظ الجماعة وتمكينها ممّا ينظم حالها ويؤدي بها إلى القوّة والمناعة ولا التفات لمن يقول غير ذلك فقد عقد العز بن عبد السلام فصلا في المسألة عنوانه فيما يُقدّم من حقوق العباد على حق الربّ رفقا بهم في دنياهم، جاء فيه:"ومنها ترك الصلاة والصيام وكل حق يجب لله على الفور بالإلجاء أو الإكراه"(4) إن قيل هذا عن الذي حكمه الوجوب كالصوم والصلاة فإن ترك السنة المؤكدة من باب أولى وأحرى وهو ما يعني أن الشعائر التي حكمها الوجوب تسقط عن المؤمن في الحالة التي يكون فيها عرضة هو أو الجماعة للخطر إن أداها قال خاتمة المحققين ابن عابدين (ت1836م): "قوله لتقدّم حق العبد أي على حق الشرع لا تهاونا بحق الشرع بل لحاجة العبد وعدم حاجة الشرع ألا ترى أنه إذا اجتمعت الحدود وفيها حق العبد يبدأ بحق العبد لِما قلنا ولأنه ما من شيء إلا ولله تعالى فيه حق فلو تقدم حق الشرع عند الاجتماع بطل حقوق العباد كذا في شرح الجامع الصغير لقاضي خان وأمّا قوله عليه الصلاة والسلام فدين الله أحقّ فالظاهر أنه أحقّ من جهة التعظيم لا من جهة التقديم"(5).
5) أما قول المفتي بأن لا مجال لتوجيه الأضحية لمقاومة الوباء بل يجب أن يترك الأمر اختياريا فمخالف لِما يقتضيه الفهم السليم للشرع إذ في حالات الضرورة العامة يجوز التصرّف في الأحكام الشرعية بالتقديم أو بالتأخير أو بالمنع أو بالتضييق بحسب ما يقتضي الحال، قال الشيخ محمّد الطاهر ابن عاشور في شرحه للمسألة: "وذلك أن يعرض الاضطرار للأمة أو طائفة عظيمة منها تستدعي إباحة الفعل الممنوع شرعا لتحقيق مقصد شرعي مثل سلامة الأمة وإبقاء قوّتها أو نحو ذلك..... ولا شك أن اعتبار هذه الضرورة عند حلولها أولى وأجدر من اعتبار الضرورة الخاصة وإنها تقتضي تغييرا للأحكام الشرعية المقرّرة للأحوال التي طرأت عليها تلك الضرورة"(6).
لكلّ ما ذكر أعلاه تصبح دعوة المؤمنين إلى التوقف عن أداء شعيرة الأضحية أو تحويلها إلى مقاومة جائحة كورونا واجبة وفي هذا المعنى يقول العز بن عبد السلام بأن: " حفظ المُهج والأطراف لإقامة مصالح الدارين أولى من تعريضها للفوات بعبادة أو عبادات ثم تفوت أمثالها"(7) وأي مشقة أعظم من تعريض الوطن إلى المخاطر والمهالك.
------
الهوامش
1) مقاصد الشريعة الإسلامية ص65 و66.
2) مقاصد الشريعة الإسلامية، ص139.
3) "الأشباه والنظائر" لابن نجيم، تحقيق محمد مطيع الحافظ، دار الفكر، سوريا 1983، ص96.
4) "القواعد الكبرى الموسوم بقواعد الأحكام في إصلاح الأنام" للعز بن عبد السلام، تح نزيه كمال حمّاد وعثمان جمعة ضميرية، دار القلم، دمشق 2000، ط1، 1/255.
5) "ردّ المحتار على الدرّ المختار" 2/144.
6) مقاصد الشريعة الإسلامية، ص125.
7) قواعد الأحكام، 2/13 و14.
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: