البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبالاتصال بنا
 
 
 
المقالات الاكثر قراءة
 
تصفح باقي الإدراجات
أحدث المقالات

زمن المراجعات الشجاعة

كاتب المقال نور الدين العلوي - تونس   
 المشاهدات: 297



لا نتكلم بلغة الوجوب على أحد فلم نؤت الحكمة، ولكننا نرى الفكر العربي محتاجا إلى صعود ربوة النهضة الفكرية من جديد، وعسى أن لا يكون صعودا مثل صعود سيزيف. لقد أشرنا في ورقة سابقة إلى أهمية الخروج من تحت رؤية الغرب للعالم، والقائمة بالأساس على عدم الاعتراف بالمختلف والعمل على تذويبه في الذات الغربية المتسامية، وذلك خاصة في مستوى المقررات التعليمية والعالية منها بالتحديد. فإعادة صناعة النخبة الحرة والمستقلة عن المناهج الغربية والمقررات التعليمية خطة أساسية فرضت نفسها بعد فضيحة الغرب في غزة، وهي آخر الفضائح الأخلاقية وليست الأولى.. من هنا يبدأ صعود الربوة من جديد وعسى.

تحالف المال والأكاديميا

حتى الذين لم يتخصصوا في الدراسات الخلدونية يحفظون لابن خلدون حكمته البالغة في علم النفس الاجتماعي: "المغلوب مولع أبدا بالاقتداء بالغالب"، وقد يقن كثيرون من مثقفي العرب أنهم في وضع المغلوب المقتدي بمن غلبه. ولسنا أول من تفطّن أو نبّه، ولكن الخروج من وضع الهزيمة تأخر كثيرا والسبب البيّن أن وضع الهيمنة قد خلق طبقة مستفيدة من الهزيمة، وهي طبقة المناولين الاقتصاديين مع الشركات الغربية. فثروات هؤلاء التي بنوها بالمناولة مهددة بأية مراجعة للسياسات الاقتصادية، وخاصة ما يتعلق منها باتخاذ خطوات استقلالية كتغيير التحالفات الاقتصادية والأسواق سواء تصديرا أو استيرادا.

هذا الطبقة تحكم الأقطار العربية مرة بواسطة ديمقراطية هشة وبالأحرى مزيفة، وأخرى بقوة البوط العسكري. وهي ترفض كل تغيير في الوضع، ولذلك وجدناها تحارب احتمالات الحرية والاستقلال التي جاء بها الربيع العربي، فارتدت بالناس إلى أزمان دكتاتورية أبشع من التي ثاروا عليها وحكمت مصالحها بالسلطة وأبَّدت وضع المغلوبين الأذلّاء.

هنا حصل نوع من التحالف الصامت بين نخبة مغلوبة تفلح في القص واللصق لمقرراتها ودروسها، وغاية مناها الكتابة بلغة المحتل (إنجليزي أو فرنسي) والفوز بنشر مقال أو كتاب لدى دور النشر الغربية، وبين نخبة المال والأعمال التي تحكم مباشرة أو من وراء ستار وتمنع كل نقاش حقيقي في المراجعات الأكاديمية التي يمكن أن تؤدي إلى نشأة نخبة مستقلة ومتحررة من المثال الغربي.

هذا التحالف انتهى بالجامعات العربية إلى مدارس تخريج موظفين حدود إدراكهم برمجيات التجارة والتسويق، والبارع منهم يصل مرحلة التلاعب في البورصة بأموال ليست له، لكنه يسعى جاهدا في إثبات قدراته بتنمية رأس مال من يوظفه. لذلك لم نستغرب أن نسمع في أول حرب الطوفان من يسألنا منهم: لماذا يتعاركون مع إسرائيل؟ لقد لحست المقررات المدرسية عقول جيل كامل نسي حتى موقع فلسطين على الخارطة، وبرمج عقله على أن الغرب هو المثال المحتذى وهو الصواب المطلق.

وجب إسقاط المثال

لن يكون الأمر بسهولة الحديث عنه لكنه عمل ضروري، فالغالب ليس مثالا خيّرا أو قدوة كما أنه نموذج فاشل اقتصاديا إذ يستهدف الربح ويهمل الإنسان، والحيرة الآن قائمة في مستوى المدخل أو الخطوة الأولى؛ أين تكون ومن يخطوها ليفتح الطريق؟ هل يكون عمل النخب الأكاديمية سابقا أم النخب الاقتصادية والسياسية؟ أم تتضافر الجهود في وقت واحد فيقوم مشروع نهضة جديد مستقل ومتحرر بالخصوص من المثال الغربي المزيف؟

ونجد أن هذا السؤال نفسه ناتج عن فوضى التجارب النهضوية السابقة، فكأن المطلوب أن يتوقف التاريخ حتى نجد نقطة بداية ونشرع في العمل. إن التاريخ ليس قطارا يتوقف في محطات معينة، لذلك فإن هناك نقاط بداية متعددة في كل تخصص، وعلى كل من أسقط المثال الغربي من خياله أن يشرع في عمله بعقل متحرر. فالذي يصنع آلة بجهده ويروجها محليا وهو يعلم أن استيراد مثيل جاهز لها يدر عليه ربحا أكبر؛ يعتبر فردا متحررا ويعمل على المستقبل. إن جوهر حركة تحرر وطني طبقا لدروس غزة هو أولا التحرر من المثال الفاسد بالاعتماد على الذات.

مع ملاحظة مهمة يمكننا أن نستخرج من كتابات النهضة الأولى ومنذ نهاية القرن التاسع عشر كلاما مماثلا لهذا، لكن لماذا لم يتحول الكلام إلى مشروع نهضة حقيقي؟ لقد توفرت الإجابة؛ من يمنع غزة من النصر في حرب التحرير الآن هو من منع الكلام السليم أن يتحول إلى مشروع نهضة، أي أنها معركة تحرر مفتوحة أغفل الأولون بعض شروطها فظنوا أنهم مانعتهم دولهم من التبعية؛ فإذا دولهم التي فرحوا بها هي من تقودهم إلى هاوية وقد أذن موعد التحرير الشامل، فحرب الطوفان هي معركة تحرير شامل ومن لم يلتقط لحظتها لن يظفر بلحظة مماثلة زمنا طويلا. غزة أسقطت المثال الغربي المزيف، وعلى كل عربي يعي لحظة غزة أن يسقطه من عقله ويستأنف شروط النهضة.

ما أسهل التنظير

نعم من وراء حاسوب صغير نبني دولا كبيرة لكن الفعل غير ذلك، ويكفي أن نستحضر طول الأنفاق التي حفرتها المقاومة تحت غزة وعمقها وتشعبها؛ ونحسبها ضربات بالفأس والرفش ليلا ونهارا لنعرف الثمن الواجب دفعه في مشروع تحرر، هذا فضلا عن تصنيع سلاح من بارود في أماكن مغلقة لو انفجر منها إصبع ديناميت لفضحت عمل المقاوم كله.

بمثل هذا الجهد في كل مربع يمكن إطلاق معركة تحرير أفضل من معركة التحرر من الاستعمار المباشر في منتصف القرن العشرين. نقول أفضل لأن هذه المعركة تكون تسلحت الآن بمعرفة عظيمة، وهي أن الالتفاف على المعركة الأولى قد كان بقوى داخلية بلا مشروع وبلا وطنية وبلا أخلاق، وهي ما تزال تعيش بيننا وتعرض خدماتها على العدو لتحكم أبدا.

لقد قرأنا في العقود الماضية مشاريع نهوض عجيبة كتبت من وراء زجاج، وتشبّه أصحابها بالأنبياء لفرط يقينهم لكنها سقطت بموت كتابها أو بانفضاح ولائهم للسلطة التي يعارضونها أو يودون المزايدة عليها. وما كان أسهل شراء ذممهم وتمييع مشاريعهم براتب جيد، لقد شاركوا في احتلال بلدانهم بقطع النظر عن نواياهم المعلنة.

إن إسقاط هذه المشاريع المزيفة للنهضة خطوة ضرورية لمسح الطاولة طبقا لفعل غزة ثم البناء على أرض نظيفة، إنها عملية إعادة إعمار فكري بإبعاد ركام تنظيرات فاشلة بعضها قومي وبعضها يساري وبعضها إسلامي غير حمساوي.

لنحفر إذن بصبر ونصنع بصمت أدوات دفاع اقتصادي، ولنحرر الفكر من المثال الأخلاقي المزيف للغرب، ومهما كانت نقطة البداية فإنها روافد تنتهي إلى نهر كبير. ولنبدأ بجملة صغيرة: ما لم نفعل هذا سنندثر مثل كائنات غريبة ولدت في الخرافات وعاشت فيها ثم انتهت بنهاية الخرافة.


 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

تونس، إنقلاب قيس سعيد،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 29-02-2024   المصدر: عربي 21

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك

شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
د- محمود علي عريقات، د. صلاح عودة الله ، محمد يحي، سيد السباعي، أنس الشابي، محمود طرشوبي، د. أحمد محمد سليمان، إيمى الأشقر، وائل بنجدو، ياسين أحمد، عبد العزيز كحيل، مجدى داود، د. عبد الآله المالكي، أبو سمية، أحمد النعيمي، إسراء أبو رمان، ضحى عبد الرحمن، عبد الله الفقير، د - محمد بن موسى الشريف ، عواطف منصور، حاتم الصولي، د.محمد فتحي عبد العال، د- محمد رحال، أحمد الحباسي، بيلسان قيصر، خبَّاب بن مروان الحمد، صلاح المختار، محمد اسعد بيوض التميمي، حسن الطرابلسي، مصطفي زهران، رضا الدبّابي، د. مصطفى يوسف اللداوي، المولدي الفرجاني، خالد الجاف ، محمد الياسين، محمد علي العقربي، أ.د. مصطفى رجب، د - محمد بنيعيش، د - عادل رضا، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، سامر أبو رمان ، الهادي المثلوثي، علي الكاش، د- جابر قميحة، عزيز العرباوي، د - مصطفى فهمي، د- هاني ابوالفتوح، صفاء العراقي، ماهر عدنان قنديل، سامح لطف الله، طلال قسومي، عمار غيلوفي، سلوى المغربي، طارق خفاجي، محمد شمام ، د. كاظم عبد الحسين عباس ، مصطفى منيغ، د. خالد الطراولي ، فتحـي قاره بيبـان، عبد الله زيدان، جاسم الرصيف، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، صالح النعامي ، نادية سعد، عبد الرزاق قيراط ، الناصر الرقيق، د. طارق عبد الحليم، رافد العزاوي، تونسي، محرر "بوابتي"، رافع القارصي، يزيد بن الحسين، صباح الموسوي ، علي عبد العال، رحاب اسعد بيوض التميمي، د - شاكر الحوكي ، فهمي شراب، منجي باكير، سلام الشماع، عراق المطيري، سفيان عبد الكافي، محمد العيادي، محمود سلطان، د. ضرغام عبد الله الدباغ، رمضان حينوني، محمد أحمد عزوز، سليمان أحمد أبو ستة، رشيد السيد أحمد، د - المنجي الكعبي، عمر غازي، فتحي الزغل، كريم السليتي، محمد عمر غرس الله، سعود السبعاني، صفاء العربي، د - صالح المازقي، حسني إبراهيم عبد العظيم، محمد الطرابلسي، عبد الغني مزوز، العادل السمعلي، د. أحمد بشير، أحمد بن عبد المحسن العساف ، د. عادل محمد عايش الأسطل، أحمد بوادي، الهيثم زعفان، أشرف إبراهيم حجاج، أحمد ملحم، فتحي العابد، يحيي البوليني، كريم فارق، إياد محمود حسين ، حسن عثمان، محمود فاروق سيد شعبان، صلاح الحريري، فوزي مسعود ، مراد قميزة، حميدة الطيلوش، د - الضاوي خوالدية،
أحدث الردود
ما سأقوله ليس مداخلة، إنّما هو مجرّد ملاحظة قصيرة:
جميع لغات العالم لها وظيفة واحدة هي تأمين التواصل بين مجموعة بشريّة معيّنة، إلّا اللّغة الفر...>>


مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضاة من طرفه أومن طرف "بوابتي"

الكاتب المؤشر عليه بأنه من كتاب موقع بوابتي، هو كل من بعث إلينا مقاله مباشرة