د - المنجي الكعبي - تونس
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 159
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
الشعوب العظيمة شديدة المراس على زعمائها وربما نقول كما قيل قبلنا أعظم الشعوب أكثر ها عقوقا لزعمائها! كطلب الوالدين من ولدهما الخروج من الدين فعصيانهما ليس بالعقوق على الوجه الصحيح بل هو الطاعة في غير الكفر. وكذلك الشعوب بوجه زعمائها فالطاعة لهم كفر إذا لم يستقيموا على الطريقة، ونزْعهم من السلطة واجب ديني.
ولذلك تتسابق الدول التي تريد الهيمنة على غيرها باستغلال العامل الديني للإطاحة بحكام الدول المناوئة لسياساتها بالتدخل في الشؤون الداخلية لأولئك الحكام.
ومشكلة الأسد واضحة. فنظامه ضحية للاستعمار الفرنسي الذي انضاف إليه بعد الحرب العالمية الثانية التدخل الغربي عموما والأمريكي خصوصا.
فقد ظل يعاني من هذا التدخل كما ظلت أفغانستان تعاني في الماضي من الشيوعية السوفياتية ثم بعد تحررها أصبحت تعاني من الإمبريالية الأمريكية والغربية. وكان وقود التدخل الأجنبي هو إذكاء نار العامل الديني لطرد المحتل والحلول محلّه بعنوان ردّ الجميل وقبول المساعدات والقروض للاستقلال بالنفس عمن دونه من غير أصحاب الفضل عليه.
فيُفضي الأمر إلى نظام هجين لا شعبي بالمرة يعجب ﴿الكفار نباته﴾، فيولد معارضات داخلية شتى تجد صداها المحفّز للثورة على دولتها لتتخذها الأطراف الأجنبية وقودا دينيا لأغراض الضغط على النظام القائم للفوز فيما بعد بثمرات تضحياتها وشهدائها وهكذا دواليك. فالحركات الدينية المصنفة سابقا إرهابية إذا توصّلت إلى تحقيق الأهداف فأول من يهنيها هي الدول التي كانت تصنفها «إرهاب إسلامي» وتلوّح لها الآن بإخراجها من قائمة الإرهاب! ولذلك تتسابق الدول التي كانت في الماضي تحارب نظام الأسد تحت مسمى إحلال الديمقراطية والدفاع عن الحقوق الحريات ضد نظام استبدادي دموي، تتسابق بإعلان حذرها وتمهلها حتى ترى المعارضات الإسلامية السورية التي رفعت راية سورية الجديدة وهي تتسلّم الحكم كيف ستتصرف مع الأقليات، كما صرّح بذلك المستشار الألماني شولتز، وكأنه لا يمارس مسبقا تدخله في شؤون غيره!
أما بايدن فيعِد بعلاقات جديدة مع إيران في ضوء ما تحقق حسب رأيه من تعبيد الطريق لسياسة أمريكية مغايرة مع طهران بعد أن أصبحت أذرعها مقصوصة في لبنان وغزة وسوريا أخيرا، وأنه بإمكانه الاطمئنان أكثر لأنه مستمر في الإبقاء على نفوذه وقواعده العسكرية في البلد المحرر من الأسد والمرشح لتأمين حدود إسرائيل في الشرق الأوسط الجديد. هذا من خلال هذين الموقفين مما حصل في سوريا، قلت هذا بعض ما تنطوي عليه استراتيجياتهما إضافة إلى فرنسا وبريطانيا اللتين لهما أكثر من أطماع أمريكا وإسرائيل لسبق ماضيهما الاستعماري المليء بالمآسي في بلاد الشام والعراق والأردن، وتحيّنهما الفرص لمنع تركيا وإيران أن تعاودا علاقاتهما الإسلامية الوطيدة مع هذا البلد الذي أمنه واستقراره كالبناء المرصوص حجرة حجرة هو وأمنهما واستقرارهما.
***
كل العالم من المحيط إلى المحيط وعينه على سورية المنبعثة من رمادها أن تعود إلى مجدها في العروبة والإسلام كعهدها في بناء الحضارات الأقدم في العالم إلا إسرائيل وحلفاءها من الأوروبيين والأمريكيين الذين تقمصوا الأدوار التي لم ينتخبهم لها أحد في مجلس الأمن ولا الأمم المتحدة كشرطي الديمقراطية والحقوق والحريات.
واعتقادنا أن الشعوب التي تضحي بنظام مهتوك لحساب النظام الجديد لا يمكن أن ترهن نفسها له أي للنظام الجديد إذا فوّت كسابقه التخلص من التدخل الأجنبي السلبي على علاقاته الوثيقة مع من يشاطره نفس القضايا والطموحات.
فالجوانب السلبية التي طبعت بميسمها نظام الأسد وولدت معارضات إسلامية مختلفة إنما تولدت لتمنع في المستقبل من تجدد انعكاس كل تأثير سلبي على إرادة الشعب السوري من أن يستعيد عبقريته المميزة بكل حرية ومصداقية وتجعله يقوى على كل التحديات.
الشعوب العظيمة شديدة المراس على زعمائها مثلها في هذه الأيام مثل الشعب العربي السوري التي سقط البعث فيه بعد سقوط حكمه في العراق في ٢٠٠٣ قبل عشرين سنة ليخلي الطريق لا للفوضى والديمقراطية المغشوشة ولكن للبناء والأمن والاستقرار والتعمير.
***
وتعيث الصهيونية في عرين الأسد وقد أخلاه صاحبه بعد استعصاء طويل على الإرادات الأمريكية والأوروبية للتطبيع مع إسرائيل أو الاعتراف لها بأدني احتلال من أرض الشام الفيحاء، أرض الرسل والأنبياء وأقدم الحضارات في تاريخ البشرية.. وسيرى الأعداء تأبِّي من يخلفه على هذه الأرض الطيبة المجاهدة في سبيل الأمة العرية والإسلامية، كيف أن مجرّد أسمائهم وأسماء جيوشهم وحركاتهم وملامحهم تنبئ بأنهم سيصونون العرين لأسْد الله الجُدد، أسْد فلسطين والشام جميعا، بأقطاره الأربعة بحدودها الاستعمارية التي تسقط أمام إرادات أممهم أو شعوبهم ولا تلبث أن تتوحد في وجه إسرائيل والولايات المتخذة .. وما وراءها من استعماريين غربيين جدد في ثوب كاسر لنشر الديمقراطية والدفاع عن مبادئ حقوق الإنسان والحريات العامة، وهي تكذب وتكيل بمكيالين، وأوّل من ينتهك التشاريع الإنسانية والإلهية لأغراضهم العدوانية على حقوق الآخرين حتى سلّط الله عليهم من يحمد الشريعة باسم أحمد الشرع وبهيئة تحرير الشام وليس فلسطين فحسب!
فلتمض إسرائيل في اقتضام سوريا بعد غزة والضفة وجنوبي لبنان لأن نهايتها إلى زوال لأن العتوّ في الأرض هو علامة السقوط على صخرة الحق، الحق الذي تسمى به الله لجلاله عنده تعالى.
تونس في 7 جمادى الثانية 1445 ه / 9 ديسمبر 2024م
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: