عبد العزيز كحيل - الجزائر
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 164
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
يتواصل منذ أسابيع عديدة إضراب طلبة الطب على مستوى جميع الكليات في الجزائر، وإنما دفعني إلى التطرق له ووضعه بين يدي القراء ليصل إلى الرأي العام الوطني أنه قد قوبل طول هذه المدة بتجاهل غريب من جميع الأطراف واكتفت وزارة التعليم العالي باستقبال ممثلي الطلبة ونشر بيانات روتينية لا تتضمن سوى الوعود المعتادة بحل المشكلات المطروحة وتكوين لجان لهذا الغرض، أما باقي الأطراف فكأن الخبر لم يصلها والأمر لا يعنيها أو لا يستحق أي التفاتة، فلم تقم الصحافة بتغطيته في أي كلية ولا أعطت الكلمة للطلبة ولا اقتربت من الوصاية لتعرف وجهة نظرها، وكان ينبغي أن تتحرك الوزارة بقوة وأن تنشغل الحكومة بهذا الحدث و يتناوله البرلمان في جلساته أو عبر أسئلة موجهة للوزير والوزير الأول وأن يكون في صدارة اهتمام المجتمع المدني والأحزاب السياسية لكن شيئا من هذا لم يحدث.
متابعة سير الحياة الجامعية شأن جميع الأطراف المعنية بالشأن الوطني فإذا تعلق الأمر بالطب كان ذلك أولى، لمكانة الطبيب في المجتمع وضرورة حسن تكوينه وتوفير المناخ اللازم لاستكمال دراسته قبل توجيهه للتطبيب وعلاج المرضى وإنقاذ الناس من الأمراض والأوبئة وتوفير أسباب الصحة لهم، لكن يبدو أن الطبيب فقد مكانته السامية بل فقدت المهنة ذاتها مكانتها، فهل نعلم ما معنى ضياع أسابيع وأشهر من المسار الدراسي لطلبة الطب؟ هذا شيء لا يعوض لأنهم أصلا خاضعون لبرنامج دراسي مكثف لا يكاد يترك لهم وقتا للراحة، أم أن شبح السنة البيضاء لا يخيف الوزارة رغم أن ذلك كارثة كبرى وعار قد يصم جبين الجامعة الجزائرية؟ هل فقد العلم والطب والطالب والطبيب المكانة الرفيعة إلى هذه الدرجة؟ أسابيع وربما شهور من التوقف عن الدراسة لا تحرك أي طرف تعني أن الجميع يترك الوضع يتعفن بل قد يرى الحل في التعفن أي تجاهل مشاكل القطاع ومطالب الطلبة...ما هي هذه المطالب؟ تواصلت مع المعنيين للوقوف على حقيقة الوضع فوجدت المطالب في مجملها مشروعة ومعقولة جدا وقابلة للحل أو على الأقل للنقاش الجاد ومحاولة التوصل إلى حل واقعي لولا تصلب الوصاية بل تجاهلها للمشكلة...المطالب تتمحور حول مستقبل طلبة القطاع في ظل انتشار البطالة بين المتخرجين بسبب تركيز السياسة المتبعة على الكم بغض النظر عن حاجة المجتمع وسوق التوظيف وخاصة بغض النظر على الكيف والنوعية، ففتح كليات وملحقات للطب في كل الجامعات تقريبا أقرب – في نظرهم – إلى الديماغوجية لأن التأطير الجاد لا يواكب هذا التوسع والانتشار، فإذا كان التكوين في المستشفيات الجامعية ليس على يرام فكيف به في مستشفيات عادية وكلنا نعرف حالة هذا القطاع ومعاناته المستديمة مع المشاكل والنقائص؟ ماذا ينفع فتح مجال دراسة الطب لكثير من الفئات التي لم تكن معنية بالالتحاق به إذا كان مصير الأغلبية الساحقة هو البطالة؟ أليست العودة إلى التركيز على النوعية الرفيعة أولى لصالح البلاد والأطباء أنفسهم؟ عندما رُفض هذا المقترح الوجيه دافع ممثلو الطلبة عن تيسير خروج من أراد من المتخرجين منهم ليبحث عن عمل في دول أخرى فرُفض هذا نهائيا وبحزم كبير وبقي الجميع في حلقة مفرغة ينطبق عليها المثل الشعبي "ما نضربك ما أنّوض عليك"، أي تبقى الكليات المؤهلة وغير المؤهلة تدفع سنويا إلى الشارع بمئات الأطباء مصير جُلهم البطالة، هذا إلى جانب تقليل الدولة للمناصب في مسابقات التخصص، وكل هذا يلقي بظلال اليأس والأزمات النفسية والقلق على الطلبة...لهذا لم يجدوا إلا إجراء أخيرا يحاولون من خلاله إسماع صوتهم وتنبيه السلطات المعنية لكن الإضراب بقي بلا جدوى إلى حد الآن بل انتهى الأمر بعد أسابيع منه إلى إخراج الأسطوانة القديمة المشروخة لاتّهام الطلبة بأنهم تسيّرهم "الأيادي الخارجية" !!! يحدث هذا في القرن الواحد والعشرين وفي ظل "الديمقراطية" وتوفر وسائل الاتصال التي تتيح الوقوف على الحقائق الميدانية بكل سهولة...فلماذا الهروب إلى الأمام؟ في صالح من يكون التأزيم؟ لماذا المغامرة بالتضحية بإطارات تدفع الدولة أموالا باهظة لتكوينهم؟ لماذا انتهاج سبيل التعفين والاتهامات المضحكة؟ لماذا لا يتم تفعيل آليات الحوار الجاد والتواصل بين الأطراف المعنية والاحتكام إلى العقل وتغليب المصلحة العليا للبلاد؟ أتمنى أن تتدخل الصحافة بالدرجة الأولى وتقف على الحقائق وتستمع لوجهات النظر وتنقل كل ذلك للسلطة وللرأي العام قبل فوات الأوان.
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: