البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبالاتصال بنا
 
 
 
المقالات الاكثر قراءة
 
تصفح باقي الإدراجات
أحدث المقالات

المشترك الوطني ومراكمة الإيجابيات: دروس من التجربة التونسية الحديثة

كاتب المقال محمد علي العقربي - تونس    من كتـــــّاب موقع بوّابــتي
 المشاهدات: 172


 يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط


تاريخ تونس الحديثة هو قصة متعددة الفصول، كل فصل فيها يحمل أبعاده الخاصة من الأمل والخيبة، الإنجاز والعثرة. لكن وسط كل هذه التقلبات، يبقى السؤال الملح: كيف يمكننا أن نستلهم من كل هذه التجارب، ونراكم إيجابياتها، لبناء مستقبل أفضل وأكثر صلابة؟

منذ الاستقلال، انطلقت تونس في مسار بناء الدولة الحديثة، وكانت فترة الرئيس الحبيب بورقيبة بمثابة الحجر الأساس في هذا المشروع. لقد حمل بورقيبة رؤية متكاملة للدولة التونسية، ترتكز على التعليم كمدخل للتنمية، وعلى تحرير المرأة كشرط أساسي للحداثة. ولم يكن ذلك مجرد خطاب سياسي، بل مشروعًا عمليًا غيّر وجه المجتمع التونسي جذريًا. ومع ذلك، لم تكن هذه المرحلة خالية من العثرات؛ إذ كان هناك ميل واضح إلى المركزية المفرطة في السلطة وقمع المعارضين. ورغم هذه النقائص، فإن البنية المؤسسية التي أرسيت في تلك الحقبة كانت حجر الزاوية الذي قامت عليه الدولة التونسية لعقود طويلة.

ثم جاءت فترة الرئيس زين العابدين بن علي، وهي مرحلة حملت معها وعودًا بالاستقرار والتنمية الاقتصادية. لا أحد ينكر أن تونس شهدت طفرة في البنية التحتية وتحسنًا ملحوظًا في مستوى المعيشة لفئات واسعة من المجتمع. ولكن هذا التقدم المادي كان مكلفًا على المستوى السياسي، حيث اختنقت الحريات وقُمعت الأصوات المعارضة. كان الاستقرار في ظاهره إيجابيًا، لكنه أخفى تحت السطح حالة من الاحتقان التي انفجرت في نهاية المطاف في ثورة 2011.

بعد الثورة، دخلت تونس مرحلة جديدة ومضطربة، عنوانها الأبرز كان الحرية. فتحت الثورة آفاقًا واسعة أمام التعبير السياسي والاجتماعي، وشهدت البلاد تجربة ديمقراطية فريدة في العالم العربي. ومع ذلك، لم تكن هذه المرحلة وردية؛ إذ عانت البلاد من أزمات اقتصادية خانقة وانقسامات سياسية حادة. ومع ذلك، كان هناك درس عميق في هذه المرحلة: الحرية ليست مجرد حالة يمكن أن تُمنح أو تُفرض، بل هي مسؤولية مشتركة بين الدولة والمجتمع، تتطلب نضجًا سياسيًا وإدارة واعية للتحديات.

من كل هذه المراحل، نخرج بحقيقة أساسية: لكل تجربة إيجابياتها وسلبياتها، ولكن التحدي الأكبر يكمن في قدرتنا على التعلم منها، في الاعتراف بأننا لسنا بحاجة إلى أن نبدأ من الصفر مع كل تغيير، بل أن نبني على ما تحقق من إنجازات، ونتجاوز ما تعثر فيه الآخرون. إن التقدم لا يتحقق بالقطيعة مع الماضي، بل بالاستفادة من نقاط الضوء فيه، مهما بدت صغيرة أو متواضعة.

إن مراكمة الإيجابيات ليست فعلًا سياسيًا مجردًا، بل هي فلسفة تستند إلى رؤية شاملة تعترف بالمشترك الوطني كمصدر قوة. عندما نعترف بأن لكل مرحلة إسهاماتها، فإننا نصوغ مستقبلًا يقوم على التراكم لا على التناقض. هذا يعني أن التعليم الذي أرساه بورقيبة، والتنمية الاقتصادية التي دشنها بن علي، والديمقراطية التي انطلقت بعد الثورة، يمكن أن تشكل معًا أساسًا متينًا لمشروع وطني جامع.

تونس اليوم أمام مفترق طرق. يمكنها أن تختار الاستمرار في الدوران في دوامة الصراعات الإيديولوجية والسياسية، أو أن تتبنى نهجًا جديدًا يركز على البناء المشترك. نحن بحاجة إلى شجاعة الاعتراف بأننا لسنا مثاليين، ولكننا قادرون على التحسن. إن مشروعًا وطنيًا يعترف بإيجابيات الماضي ويتعلم من سلبياته هو ما يمكن أن يجعل من تونس نموذجًا حضاريًا وإنسانيًا يُحتذى به.

مستقبل تونس لن يُبنى فقط بالإرادة السياسية، بل بالعقلية التي ترى في الاختلاف مصدرًا للثراء، وفي التجارب السابقة ركيزة للانطلاق. التاريخ لا يكتب بمنطق الهدم، بل بمنطق التراكم والبناء. هذا هو التحدي الذي ينتظرنا، وهذا هو الأفق الذي يجب أن نتطلع إليه.


 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

تونس، قيس سعيد، الثورة، المعارضة،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 2-01-2025  

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك

 مشاركات الكاتب(ة) بموقعنا

  المشترك الوطني ومراكمة الإيجابيات: دروس من التجربة التونسية الحديثة
  عودة ترامب إلى البيت الأبيض: فوز حاسم وتحولات سياسية
  الروح الثورية: من مطرقة النبي إبراهيم إلى عصا الشهيد السنوار
  من بوليفار إلى غيفارا: كيف يظل النضال مستمرًا بعد رحيل القادة؟
  التفكيك الاجتماعي: آلية للسيطرة والهيمنة في العصر الحديث
  تونس في حاجة إلى صفقة جديدة: دروس من تجربة روزفلت في مواجهة الكساد الكبير
  من الأبارتايد إلى BDS: مسارات المقاطعة العالمية

شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
خالد الجاف ، الهيثم زعفان، د.محمد فتحي عبد العال، العادل السمعلي، د- هاني ابوالفتوح، د. مصطفى يوسف اللداوي، حسن عثمان، صلاح الحريري، د - شاكر الحوكي ، كريم السليتي، محمد العيادي، د. عبد الآله المالكي، جاسم الرصيف، محمد الطرابلسي، محمود فاروق سيد شعبان، تونسي، سلام الشماع، يحيي البوليني، د - صالح المازقي، د - الضاوي خوالدية، المولدي اليوسفي، رافد العزاوي، د. كاظم عبد الحسين عباس ، د- جابر قميحة، عمار غيلوفي، د. عادل محمد عايش الأسطل، عبد الله الفقير، فهمي شراب، د - المنجي الكعبي، صفاء العربي، عراق المطيري، صفاء العراقي، رمضان حينوني، د- محمد رحال، عبد الغني مزوز، خبَّاب بن مروان الحمد، فوزي مسعود ، د. أحمد محمد سليمان، د. صلاح عودة الله ، رحاب اسعد بيوض التميمي، محرر "بوابتي"، فتحي الزغل، يزيد بن الحسين، عواطف منصور، حميدة الطيلوش، محمد يحي، سفيان عبد الكافي، نادية سعد، عزيز العرباوي، محمد أحمد عزوز، أنس الشابي، كريم فارق، د. طارق عبد الحليم، محمود طرشوبي، محمد الياسين، د - محمد بنيعيش، أحمد الحباسي، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، سامر أبو رمان ، الهادي المثلوثي، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، حسن الطرابلسي، مصطفي زهران، د - محمد بن موسى الشريف ، د - مصطفى فهمي، محمود سلطان، ماهر عدنان قنديل، علي عبد العال، عبد العزيز كحيل، أحمد بن عبد المحسن العساف ، د - عادل رضا، الناصر الرقيق، المولدي الفرجاني، طارق خفاجي، علي الكاش، فتحي العابد، سيد السباعي، محمد اسعد بيوض التميمي، وائل بنجدو، أشرف إبراهيم حجاج، عبد الرزاق قيراط ، رشيد السيد أحمد، طلال قسومي، سعود السبعاني، د- محمود علي عريقات، صالح النعامي ، حسني إبراهيم عبد العظيم، صلاح المختار، مراد قميزة، سليمان أحمد أبو ستة، إياد محمود حسين ، منجي باكير، مصطفى منيغ، رافع القارصي، محمد شمام ، بيلسان قيصر، أحمد النعيمي، أبو سمية، د. أحمد بشير، ضحى عبد الرحمن، أ.د. مصطفى رجب، إسراء أبو رمان، مجدى داود، ياسين أحمد، محمد عمر غرس الله، أحمد بوادي، سلوى المغربي، محمد علي العقربي، د. ضرغام عبد الله الدباغ، د. خالد الطراولي ، رضا الدبّابي، عبد الله زيدان، إيمى الأشقر، سامح لطف الله، أحمد ملحم، عمر غازي، فتحـي قاره بيبـان، حاتم الصولي، صباح الموسوي ،
أحدث الردود
ما سأقوله ليس مداخلة، إنّما هو مجرّد ملاحظة قصيرة:
جميع لغات العالم لها وظيفة واحدة هي تأمين التواصل بين مجموعة بشريّة معيّنة، إلّا اللّغة الفر...>>


مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضاة من طرفه أومن طرف "بوابتي"

الكاتب المؤشر عليه بأنه من كتاب موقع بوابتي، هو كل من بعث إلينا مقاله مباشرة

سياسة الخصوصية
سياسة استعمال الكعكات / كوكيز