البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبالاتصال بنا
 
 
 
المقالات الاكثر قراءة
 
تصفح باقي الإدراجات
أحدث المقالات

التفكيك الاجتماعي: آلية للسيطرة والهيمنة في العصر الحديث

كاتب المقال محمد علي العقربي - تونس    من كتـــــّاب موقع بوّابــتي
 المشاهدات: 821


 يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط


في ظل الثورة الرقمية الهائلة الهائلة التي يشهدها العالم اليوم، تتعرض المجتمعات لتغيرات جذرية وعميقة. هذه التغيرات لا تقتصر على الجوانب الاقتصادية والسياسية فحسب، بل تمتد إلى البنية الاجتماعية والنفسية للفرد. وبينما يمكن النظر إلى بعض هذه التغيرات باعتبارها محركات للتقدم والحداثة، هناك جانب مظلم ينبثق من عمليات التفكيك الاجتماعي التي تُحدث خللاً في توازن القوى داخل المجتمعات، مما يؤدي إلى هيمنة بعض الأطراف على غيرها. في هذا السياق، يحاول هذا المقال تقديم قراءة فلسفية لتفكيك المجتمعات ودوره في تكوين منظومة الهيمنة والسيطرة.

التفكيك الاجتماعي: المفهوم والأسباب

التفكيك الاجتماعي هو عملية تحلل أو انحلال للبنية الاجتماعية التي تُبنى عليها العلاقات والروابط بين أفراد المجتمع. يحدث هذا التفكيك عندما تُهمل أو تُدمر القيم التقليدية والعادات والتقاليد التي كانت تشكل أساساً للتفاعل الاجتماعي. قد تكون هذه العملية نتيجة لتدخلات خارجية، مثل الاستعمار أو العولمة، أو نتيجة للتغيرات الداخلية، مثل النزاعات السياسية أو الاقتصادية أو حتى التغيرات الثقافية السريعة.

أحد الأسباب الرئيسية للتفكيك الاجتماعي هو التباين الاقتصادي الشديد. عندما تتزايد الفجوة بين الأغنياء والفقراء، يبدأ الهيكل الاجتماعي في التصدع. الفقراء يصبحون أكثر عزلة عن الأنظمة التقليدية للمجتمع، في حين يصبح الأغنياء أكثر سيطرة على الموارد والقرارات السياسية، مما يؤدي إلى تعزيز قوتهم وهيمنتهم.

أثر التفكيك على هيمنة الأطراف القوية

يؤدي التفكيك الاجتماعي إلى ظهور فراغ في السلطة والسيطرة. في هذا الفراغ، تتحرك الأطراف القوية، سواء كانت حكومات، شركات متعددة الجنسيات، أو حتى مجموعات اجتماعية ذات نفوذ، لملء هذا الفراغ. يتيح لهم هذا الوضع الاستحواذ على موارد المجتمع وفرض أجنداتهم الخاصة.

في هذا السياق، يمكننا أن نرى أن الهيمنة لا تُمارس دائماً بشكل مباشر أو عنيف. بل، هي تتشكل تدريجياً من خلال أنماط غير مرئية من السيطرة، مثل الإعلام والتعليم والتكنولوجيا، التي تُستخدم لإعادة تشكيل الوعي الجماعي للأفراد. تُستخدم هذه الأدوات لزرع الأفكار والمعتقدات التي تخدم مصالح الفئات المهيمنة، مما يؤدي إلى تعزيز مواقعهم وترسيخ سلطتهم.

النزاعات وتفاقم الهيمنة

عندما يتفكك المجتمع، تصبح النزاعات بين الأطراف المختلفة أكثر شدة. يؤدي هذا التفكك إلى خلق حالة من عدم الثقة والخوف، حيث يسعى كل طرف لحماية مصالحه الخاصة، مما يفاقم الوضع الاجتماعي ويعزز الهيمنة. الأطراف الأقوى، التي غالباً ما تكون مدعومة بموارد اقتصادية وسياسية هائلة، تكون في وضع أفضل لاستغلال هذه النزاعات لصالحها، مما يتيح لها توسيع نطاق هيمنتها.

الحلول الممكنة والمخرج من دائرة التفكيك والهيمنة

يمكن أن يتمثل الحل في إعادة بناء الروابط الاجتماعية وإحياء القيم المشتركة التي توحد المجتمع. يجب أن يكون هناك تركيز على تعزيز التعليم الذي يُنمي التفكير النقدي ويُشجع على الحوار والتفاهم بين مختلف الفئات الاجتماعية. بالإضافة إلى ذلك، يجب على السياسات الاقتصادية أن تكون أكثر شمولية، بحيث تسعى لتقليل الفجوة بين الأغنياء والفقراء وتشجيع العدالة الاجتماعية.

الخاتمة

التفكيك الاجتماعي هو عملية معقدة ومتعددة الأبعاد تؤدي إلى تغيرات عميقة في بنية المجتمع. يمكن أن يخلق هذا التفكيك فرصاً للأطراف القوية لتعزيز هيمنتها والسيطرة على الموارد والقرارات، مما يترك المجتمع في حالة من الانقسام والتوتر. ولكن من خلال تعزيز الروابط الاجتماعية والعدالة الاقتصادية، يمكننا أن نعمل على تقليل تأثير التفكيك والهيمنة، وبالتالي بناء مجتمع أكثر توازناً وعدالة. الفلسفة هنا ليست فقط أداة لتحليل الظواهر، بل هي دعوة للعمل من أجل مستقبل أفضل.


 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

التفكيك الإجتماعي، التبعية، التفكيك، المجتمع،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 30-08-2024  

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك

 مشاركات الكاتب(ة) بموقعنا

  دور البرلمان في تنظيم الثورة التكنولوجية لضمان الاستدامة الاقتصادية
  أجهزة صناعة الوعي: السلاح الناعم للهيمنة على الشعوب
  العبور الجديد: مصر بين نصر أكتوبر وإعمار غزة
  المشترك الوطني ومراكمة الإيجابيات: دروس من التجربة التونسية الحديثة
  عودة ترامب إلى البيت الأبيض: فوز حاسم وتحولات سياسية
  الروح الثورية: من مطرقة النبي إبراهيم إلى عصا الشهيد السنوار
  من بوليفار إلى غيفارا: كيف يظل النضال مستمرًا بعد رحيل القادة؟
  التفكيك الاجتماعي: آلية للسيطرة والهيمنة في العصر الحديث
  تونس في حاجة إلى صفقة جديدة: دروس من تجربة روزفلت في مواجهة الكساد الكبير
  من الأبارتايد إلى BDS: مسارات المقاطعة العالمية

شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
د. كاظم عبد الحسين عباس ، ياسين أحمد، منجي باكير، رافع القارصي، سيد السباعي، صلاح المختار، محمد عمر غرس الله، محمود طرشوبي، علي الكاش، د - المنجي الكعبي، نادية سعد، د. خالد الطراولي ، أشرف إبراهيم حجاج، كريم فارق، علي عبد العال، إياد محمود حسين ، سعود السبعاني، د. أحمد محمد سليمان، محمد يحي، سامح لطف الله، أحمد ملحم، أحمد الحباسي، محمد اسعد بيوض التميمي، رضا الدبّابي، صباح الموسوي ، عبد الله الفقير، محمد الياسين، حسن عثمان، إيمى الأشقر، حسني إبراهيم عبد العظيم، عواطف منصور، سفيان عبد الكافي، د - محمد بن موسى الشريف ، طارق خفاجي، فوزي مسعود ، د - عادل رضا، يزيد بن الحسين، الهادي المثلوثي، د - صالح المازقي، صلاح الحريري، رمضان حينوني، عراق المطيري، محمد العيادي، صفاء العربي، خالد الجاف ، مصطفى منيغ، د. عبد الآله المالكي، سلام الشماع، ضحى عبد الرحمن، إسراء أبو رمان، طلال قسومي، حميدة الطيلوش، أبو سمية، المولدي الفرجاني، رشيد السيد أحمد، عمار غيلوفي، محمود فاروق سيد شعبان، أحمد النعيمي، عزيز العرباوي، تونسي، د. مصطفى يوسف اللداوي، جاسم الرصيف، د. أحمد بشير، سلوى المغربي، أحمد بن عبد المحسن العساف ، صالح النعامي ، محمد شمام ، فتحي العابد، د.محمد فتحي عبد العال، يحيي البوليني، محمود سلطان، فتحي الزغل، خبَّاب بن مروان الحمد، موسى عزوق، د - الضاوي خوالدية، أحمد بوادي، حسن الطرابلسي، مراد قميزة، مجدى داود، د - شاكر الحوكي ، سامر أبو رمان ، د- هاني ابوالفتوح، مصطفي زهران، د. طارق عبد الحليم، العادل السمعلي، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، عبد الله زيدان، أ.د. مصطفى رجب، وائل بنجدو، صفاء العراقي، د - مصطفى فهمي، كريم السليتي، محرر "بوابتي"، د. ضرغام عبد الله الدباغ، عمر غازي، عبد الغني مزوز، رافد العزاوي، رحاب اسعد بيوض التميمي، الناصر الرقيق، سليمان أحمد أبو ستة، أنس الشابي، الهيثم زعفان، عبد الرزاق قيراط ، محمد الطرابلسي، فتحـي قاره بيبـان، د- محمود علي عريقات، محمد علي العقربي، د. صلاح عودة الله ، فهمي شراب، عبد العزيز كحيل، د - محمد بنيعيش، د. عادل محمد عايش الأسطل، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، ماهر عدنان قنديل، د- جابر قميحة، المولدي اليوسفي، بيلسان قيصر، د- محمد رحال، محمد أحمد عزوز، حاتم الصولي،
أحدث الردود
ما سأقوله ليس مداخلة، إنّما هو مجرّد ملاحظة قصيرة:
جميع لغات العالم لها وظيفة واحدة هي تأمين التواصل بين مجموعة بشريّة معيّنة، إلّا اللّغة الفر...>>


مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضاة من طرفه أومن طرف "بوابتي"

الكاتب المؤشر عليه بأنه من كتاب موقع بوابتي، هو كل من بعث إلينا مقاله مباشرة

سياسة الخصوصية
سياسة استعمال الكعكات / كوكيز