البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبالاتصال بنا
 
 
 
المقالات الاكثر قراءة
 
تصفح باقي الإدراجات
أحدث المقالات

أجهزة صناعة الوعي: السلاح الناعم للهيمنة على الشعوب

كاتب المقال محمد علي العقربي - تونس    من كتـــــّاب موقع بوّابــتي
 المشاهدات: 292


 يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط


في عالمنا اليوم، لم يعد الإعلام مجرد وسيلة لنقل الأخبار والمعلومات، بل أصبح أداة قادرة على تشكيل العقول وإعادة صياغة وعي المجتمعات وفق مصالح القوى التي تمتلكه وتتحكم به. إنه السلاح الناعم الذي يمكن أن يكون قوة دافعة نحو التنوير والتحرر، كما يمكن أن يكون وسيلة لخداع الشعوب وإغراقها في دوامة التضليل والدعاية الموجهة. فحينما تتحكم جهة معينة في تدفق المعلومات، يصبح بوسعها رسم صورة معينة للواقع، وإقناع الجماهير بها حتى وإن كانت بعيدة كل البعد عن الحقيقة.

لطالما لعب الإعلام دورًا حاسمًا في توجيه الشعوب، سواء كان ذلك من خلال الصحافة التقليدية أو القنوات التلفزيونية أو وسائل التواصل الاجتماعي. في العالم العربي، شهدنا فترات استخدم فيها الإعلام كسلاح في وجه الاستعمار، حيث كانت الصحف والمجلات منابر لنشر الوعي الوطني والتحريض على المقاومة، مثلما حدث في مصر والجزائر وتونس خلال حقبة الاستعمار الأوروبي. لكن بعد الاستقلال، تحول الإعلام في كثير من الدول إلى أداة بيد الأنظمة الحاكمة، تروّج لرواياتها الرسمية وتقمع الأصوات المعارضة، مما جعله وسيلة لإعادة إنتاج الاستبداد بدلًا من كونه فضاءً لحرية التعبير.

هذه الظاهرة ليست حكرًا على العالم العربي، بل نجد لها نظائر في التاريخ العالمي. في ألمانيا النازية، كان الإعلام أحد أهم أسلحة أدولف هتلر، حيث وظفه وزير دعايته جوزيف غوبلز ببراعة لتعبئة الجماهير خلف الحزب النازي، مستخدمًا الصحافة والسينما والإذاعة في تزييف الواقع وتبرير سياسات الحرب. وفي الولايات المتحدة، لعب الإعلام دورًا محوريًا في الحرب الباردة، حيث تم تجنيده لصياغة صورة الاتحاد السوفيتي كعدو شرس، مما ساهم في تشكيل وعي أجيال كاملة وفق مصالح واشنطن الجيوسياسية.

مع ظهور الإنترنت وتطور وسائل التواصل الاجتماعي، أصبح الإعلام أكثر تعقيدًا وتأثيرًا، إذ لم يعد مقتصرًا على الحكومات والمؤسسات الكبرى، بل بات في متناول الجميع. ومع ذلك، لم يؤدّ هذا الانفتاح إلى تحقيق حرية أكبر في الوصول إلى الحقيقة، بل أدى في كثير من الأحيان إلى فوضى إعلامية يسهل فيها نشر الأخبار المزيفة وتضليل الجماهير. لقد رأينا كيف تم التلاعب بالانتخابات في دول كبرى من خلال حملات إعلامية موجهة، وكيف يتم استغلال مواقع التواصل الاجتماعي للترويج لروايات معينة أو طمس أخرى. لم يعد الإعلام اليوم مجرد ناقل للخبر، بل أصبح قادرًا على توجيه الأحداث نفسها، مما يجعل منه قوة لا تقل خطرًا عن السلاح التقليدي.

في العالم العربي، يتجلى هذا التأثير في كيفية استخدام القنوات الفضائية ووسائل التواصل الاجتماعي لخدمة أجندات سياسية معينة، حيث يتم التلاعب بالترندات، ونشر المعلومات المضللة، وشيطنة بعض الأطراف، وتلميع أخرى وفق المصالح المسيطرة. وفي كثير من الأحيان، يتم صرف أنظار الجماهير عن الأزمات الحقيقية عبر افتعال قضايا جانبية وإغراق الفضاء العام بنقاشات عقيمة لا تخدم إلا من يريدون استمرار الوضع الراهن.

ورغم هذا الواقع، يظل الإعلام أداةً يمكن توظيفها لخدمة الحقيقة والتنوير متى ما وُجدت الإرادة لذلك. فقد كان ولا يزال وسيلة قادرة على فضح الفساد وكشف الانتهاكات، كما رأينا في العديد من التحقيقات الصحفية التي أسقطت أنظمة وأحدثت تغييرات كبرى في السياسات. لكن هذا الدور لا يمكن أن يتحقق إلا في ظل وعي نقدي قادر على تمييز الحقيقة من التزييف، وعدم الانسياق وراء الدعاية الموجهة، سواء أتت من أنظمة حاكمة أو من جهات أخرى لها مصالح خفية.

تكمن خطورة الإعلام في قدرته على صناعة الإدراك الجمعي، فمن يسيطر عليه يستطيع أن يحدد للناس ما يجب أن يؤمنوا به، وما ينبغي أن يعارضوه، وما هو مهم وما هو غير ذي قيمة. إنه معركة حقيقية تدور في العقول قبل أن تنعكس على أرض الواقع. اليوم، لم تعد الشعوب تُحكم بالسلاح وحده، بل عبر التحكم في مصادر معلوماتها، وإعادة تشكيل وعيها وفق قوالب جاهزة تحدد لها كيف تفكر وكيف ترى العالم من حولها. بين التنوير والتضليل، بين الحرية والتوجيه القسري، يبقى الإعلام القوة الأكبر في رسم ملامح المستقبل، والسؤال الذي يجب أن يطرحه كل فرد على نفسه: هل أمتلك وعيًا حقيقيًا، أم أنني مجرد صدى لما يريدونني أن أكونه؟


 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

الوعي، التشكيل الذهني، التأثير، الإعلام،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 12-03-2025  

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك

 مشاركات الكاتب(ة) بموقعنا

  دور البرلمان في تنظيم الثورة التكنولوجية لضمان الاستدامة الاقتصادية
  أجهزة صناعة الوعي: السلاح الناعم للهيمنة على الشعوب
  العبور الجديد: مصر بين نصر أكتوبر وإعمار غزة
  المشترك الوطني ومراكمة الإيجابيات: دروس من التجربة التونسية الحديثة
  عودة ترامب إلى البيت الأبيض: فوز حاسم وتحولات سياسية
  الروح الثورية: من مطرقة النبي إبراهيم إلى عصا الشهيد السنوار
  من بوليفار إلى غيفارا: كيف يظل النضال مستمرًا بعد رحيل القادة؟
  التفكيك الاجتماعي: آلية للسيطرة والهيمنة في العصر الحديث
  تونس في حاجة إلى صفقة جديدة: دروس من تجربة روزفلت في مواجهة الكساد الكبير
  من الأبارتايد إلى BDS: مسارات المقاطعة العالمية

شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
فهمي شراب، سيد السباعي، د- جابر قميحة، عبد العزيز كحيل، محمد أحمد عزوز، د- محمد رحال، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، د. ضرغام عبد الله الدباغ، علي الكاش، أبو سمية، صفاء العربي، د - المنجي الكعبي، عواطف منصور، د - شاكر الحوكي ، أحمد النعيمي، أحمد بن عبد المحسن العساف ، صفاء العراقي، محمد الطرابلسي، رمضان حينوني، حسن الطرابلسي، د. أحمد بشير، رافع القارصي، محمود فاروق سيد شعبان، يزيد بن الحسين، خالد الجاف ، د - صالح المازقي، صلاح المختار، د - مصطفى فهمي، أ.د. مصطفى رجب، رحاب اسعد بيوض التميمي، محمد اسعد بيوض التميمي، عراق المطيري، محمد الياسين، أنس الشابي، عمر غازي، رافد العزاوي، عبد الرزاق قيراط ، صالح النعامي ، عبد الغني مزوز، عبد الله زيدان، وائل بنجدو، حسن عثمان، حاتم الصولي، منجي باكير، رشيد السيد أحمد، سليمان أحمد أبو ستة، سامر أبو رمان ، د - الضاوي خوالدية، مصطفى منيغ، محمد علي العقربي، محمود طرشوبي، حسني إبراهيم عبد العظيم، محرر "بوابتي"، د - عادل رضا، العادل السمعلي، سلوى المغربي، علي عبد العال، محمد عمر غرس الله، حميدة الطيلوش، د- هاني ابوالفتوح، د.محمد فتحي عبد العال، د - محمد بن موسى الشريف ، كريم السليتي، المولدي اليوسفي، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، مجدى داود، إيمى الأشقر، سعود السبعاني، رضا الدبّابي، صباح الموسوي ، محمود سلطان، نادية سعد، سامح لطف الله، صلاح الحريري، محمد شمام ، ياسين أحمد، عبد الله الفقير، تونسي، د. طارق عبد الحليم، أحمد ملحم، موسى عزوق، طارق خفاجي، د- محمود علي عريقات، خبَّاب بن مروان الحمد، عمار غيلوفي، فوزي مسعود ، د. كاظم عبد الحسين عباس ، د. أحمد محمد سليمان، محمد يحي، فتحي العابد، أشرف إبراهيم حجاج، د. صلاح عودة الله ، د. خالد الطراولي ، طلال قسومي، مصطفي زهران، أحمد الحباسي، إسراء أبو رمان، الناصر الرقيق، فتحي الزغل، الهادي المثلوثي، محمد العيادي، مراد قميزة، أحمد بوادي، ماهر عدنان قنديل، إياد محمود حسين ، سفيان عبد الكافي، كريم فارق، سلام الشماع، د - محمد بنيعيش، د. عبد الآله المالكي، الهيثم زعفان، المولدي الفرجاني، يحيي البوليني، ضحى عبد الرحمن، فتحـي قاره بيبـان، د. مصطفى يوسف اللداوي، جاسم الرصيف، بيلسان قيصر، عزيز العرباوي، د. عادل محمد عايش الأسطل،
أحدث الردود
ما سأقوله ليس مداخلة، إنّما هو مجرّد ملاحظة قصيرة:
جميع لغات العالم لها وظيفة واحدة هي تأمين التواصل بين مجموعة بشريّة معيّنة، إلّا اللّغة الفر...>>


مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضاة من طرفه أومن طرف "بوابتي"

الكاتب المؤشر عليه بأنه من كتاب موقع بوابتي، هو كل من بعث إلينا مقاله مباشرة

سياسة الخصوصية
سياسة استعمال الكعكات / كوكيز