أنس الشابي - تونس
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 1798
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
في التعليق على نتائج الاستفتاء ظهر عبد الباري عطوان في وسائل الإعلام وأدلى بدلوه في امتداح النتائج وصانعها مقدّما النصائح في ذلك، وعبد الباري هذا هو الضيف الدائم على كل الذين تولّوا رئاسة الجمهورية في تونس منذ زين العابدين بن علي إلى الرئيس الحالي، وفي تقديري أن هذه النوعية من الصحفيين الذين يكون خط تحريرهم والأصحّ سيرهم هو التقرب من أصحاب السلطة وتبرير سياساتهم إنّما تؤشر على خلل ما في النظام السياسي الذي يستعين بهم، في تسعينات القرن الماضي أُسِّست وكالة الاتصال الخارجي التي انحصرت مهمّتها في تلميع صورة رئيس الدولة بكل الوسائل والطرق من ذلك استكتاب الأجانب للدعاية للنظام وقد صُرفت في سبيل ذلك مبالغ مهولة من الأموال التي ذهبت هدرا ولم يستفد منها سوى الكتبة الذين ينتسبون زورا وبهتانا للصحافة الذين لهفوا منها ما لا عدّ له ولا حصر، وأذكر أنني في السنة التي اشتغلت فيها في الوكالة تعرفت على عدد من هؤلاء الذين كانوا يمتدحون الرئيس الأسبق بما لا عين رأت ولا أذن سمعت، بعضهم اليوم في تركيا يدافع عن حركة الإخوان المسلمين بعد أن كان في تسعينات القرن الماضي في تونس يندّد بحركة النهضة حتى أن أحدهم قبض أموالا من الوكالة لتأليف كتاب في هذا المعنى ولكنه لم يفعل، المهمّ في كلّ ما ذكر أن الأسلوب الذي اعتمدته الوكالة بقي سائدا لدى الرؤساء طوال العشرية الماضية وبقيت أسماء الصحفيين - بتغيير طفيف - هي نفسها قبل وبعد سنة 2011 رغم أن الوكالة حُلّت وتمت تصفيتها، فراشد الغنوشي لم يتوقف عن دعوة الصحفيين الأجانب واستضافتهم تارة تحت مسمّى نشاط حزبي وأخرى تحت غطاء جمعياته المنتشرة في طول البلاد وعرضها وبطبيعة الحال يقف عبد الباري على رأس هؤلاء وكذا فعل معه الباجي قائد السبسي الذي ألف تونسيان بشأنه كتابين وثالث لفرنسية على غرار كتب الوكالة المدفوعة الأجر أما قيس سعيد فهو مختلف عن سابقيه حيث لم يكتب عنه لحدّ الآن أي كتاب واكتفي ببعض المقالات هنا وهناك كما أنه لم يقابل لحد الآن أي صحفي باستثناء عبد الباري عطوان الذي قابله فيما نعلم وفيما نشرت صفحات مقرّبة منه مرتين في المرّة الأولى بعد انتخابه مباشرة سنة 2019 وفي المرة الثانية هذه الأيام ولا نستبعد أن تكون هنالك مقابلات أخرى لم تتسرب أنباؤها، إن الاستعانة بعبد الباري في أي شأن داخلي أمر غير محمود لأي نظام يستعين به ومضرّ بأي رئيس يتوهّم أنه سيكون عونا له لأسباب أجملها فيما يلي:
1) إن استقرار أمر الحكم لأي نظام شرطه الأساسي هو رضا الشعب وبلوغ هذه الغاية ليست بالأمر السهل الذي يمكن أن يوجد بمقال أو بتصريح أو بقصيد.
2) الاستعانة بالأجنبي وحشره في المسائل الداخلية منفّر ولا يُنظر إليه بعين الرضا وتجربتنا مع وسائل الإعلام تؤكّد هذا الذي قلنا فقناة الجزيرة قبل 2011 كانت مصدر الخبر وكان الناس جميعهم يتابعونها ولكن ما أن انفتح الإعلام التونسي على مختلف التيارات وبانت المخططات التي تعمل من أجل تحقيقها حتى هجرها التونسيون بدون رجعة.
3) ليس هنالك من دعاية لأي نظام سوى منجزاته على أرض الواقع التي يتلمّسها المواطن أمّا الهرج والغوغاء والتخليط الذي يصدر عن بعض المأجورين فلا يُعتدّ به، نشرت وكالة الاتصال عن الرئيس السابق حوالي 65 كتابا ألفها تونسيون ومصريون وإيطاليون وأفارقة من مختلف الجنسيات بجانب مئات الآلاف من المقالات المدفوعة الأجر ولكنها جميعها ذهبت إلى مزبلة التاريخ لأنها لا تجد سندا لها في الواقع فهي كغثاء السيل إلى زوال، فهل يعتقد الذين جلبوا عطوان إلى تونس أننا سنصدق فتافيت كلامه وتهيؤاته؟ وهل نسي هؤلاء حملتهم على وكالة الاتصال وأسلوبها في العمل حتى يعودوا اليوم إلى إحيائها من جديد؟.
4) ذاكرة الشعوب ليست قصيرة فهي لا تنسى ولكنها تتناسى في بعض الأحيان لتحقيق مصلحة أكبر، لن ينسى شعبنا أن عبد الباري امتدح ابن علي والغنوشي والباجي والآن قيس سعيد رغم ما بينهم من اختلافات وهو ما يجعلنا لا نثق بكل ما يصدر عنه سواء في موضوع الاستفتاء أو في غيره لأن المصداقية تقتضي أوّلا وقبل كل شيء الموضوعية في التناول وهو أمر مغيّب تماما لدى من يمتدح من ذكروا أعلاه في استغباء للتونسيين جميعا ومن بينهم من استدعوه ليقول لهم ما يشنّف آذانهم.
والمستفاد ممّا ذكر أن هنالك نوعا من الصحفيين ممن تصحّ فيهم هذه التسمية يضيفون بحضورهم مجالس الحكم، وهنالك نوع آخر مجرد ظهورهم في الصورة مسيء لمن سمح لهم بذلك ويكفي أن أذكر علاقة الزعيم بورقيبة ببعض كبار الصحفيين ممّن كانوا أصدقاء فأضافوا إليه بما كتبوا وكانت كتاباتهم عنه صادقة لأنها مبرّأة عن الاستئجار والطمع فجان دانيال الصحفي الشهير بقي وفيا للزعيم إلى آخر يوم في حياته وكذا محمد على الطاهر صاحب جريدة الشورى ومحمود أبو الفتح أوّل نقيب للصحفيين في مصر وصاحب جريدة المصري الوفدية الذي توفي في جنيف ورفض عبد الناصر أن يدفن في بلده فاستجلبه الزعيم إلى تونس حيث دفن وأقام له جنازة عسكرية رسمية، ذاك ما يعلمنا التاريخ عن تصرف الزعماء مع الصحفيين وأصحاب القلم الحرّ غير القابل للإيجار، أفلا يتدبرون القول أم على قلوب أقفالها.
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:
2-08-2022 / 10:14:42 فوزي