أنس الشابي - تونس
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 1004
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
لم تكن حركة النهضة تتصوّر أنها لمّا حدّدت تاريخ 25 جويلية كآخر أجل لتسليم التعويضات لمنتسبيها أن يكون ذلك اليوم هو اليوم الفاصل الذي سيخرج فيه التونسيّون عن بكرة أبيهم إلى الشارع للتعبير عن غضبهم لِما آلت إليه أوضاع البلاد من مختلف النواحي نتيجة السياسات الخرقاء التي انتهجوها طوال عشرية كاملة محملينها المسؤوليّة كاملة، وهو ما ظهر في استهداف مقرّاتها بالتحطيم والتهشيم، يومها التقط رئيس الجمهورية الاحتجاجات وحوّلها إلى قرارات بدا لأوّل وهلة أنه استجاب فيها لمطالب المواطنين وذلك بتجميد البرلمان وإغلاقه بالضبّة والمفتاح، أيامها ساند الجميع باستثناء حركة النهضة وأتباعها قرارات رئيس الدولة لأنهم تصوّروا أنها ستصل إلى نهاياتها الحتميّة بطي صفحة العشر سنوات ومحاسبة من أجرموا في حق البلاد، لكن شيئا من ذلك لم يحدث، واعتقادا منا في حسن النوايا ذهبنا إلى التفتيش عن تعلات للتباطئ الذي عليه الرئاسة في الحسم في مسائل الفساد والإرهاب والتسفير وغيرها، وتمرّ الأشهر الواحد تلو الآخر دون أن نتقدّم خطوة في اتجاه تجسيم قرارات 25 جويلية لنكتشف أن المسألة مخطّط لها مسبقا بهدف امتصاص الغضب الشعبي وتحويل أنظاره عن المتسبّبين في الإفلاس الذي عرفه الوطن ويدفع فاتورته أبناؤه وبناته، وحتى لا تتحوّل هذه القرارات إلى مطلب شعبي يقوم الحكم بين كل فينة وأخرى باستدعاء بعض قيادات النهضة للبحث لدى السلط القضائيّة والأمنيّة دون اتخاذ أي إجراء في حقهم، أو وضع بعضهم قيد الإقامة الجبرية في المستشفيات ثم إطلاق سراحهم دون أن تكون هنالك تبعات ونتائج، كل ذلك لأن الإرادة السياسيّة في إنفاذ القانون غير متوفّرة، بعد مرور ما يفوق السنة على قرارات 25 جويلية من حقنا أن نتساءل ما الذي أُنجز منها؟ وعلى من تقع مسؤولية إنجاز ما تبقى من تلك القرارات المجهضة؟.
على مستوى الحكم
بعد إغلاق البرلمان توقّف الحكم عن القيام بأي تصرّف في اتجاه ما كان منتظرا من محاسبة لِمن تسببوا في الوضع الذي عليه الوطن واكتفى ببعض القرارات التي لا تغيّر من المعادلات السياسية القائمة على غلبة تيار الإسلام السياسي بمختلف تمظهراته، وانصب جلّ اهتمامه على:
1) بناء ترسانة من المراسيم للضبط والربط تمهيدا لحكم مطلق ذو نكهة دينية وخطاب شعبوي يستهين بذكاء التونسي.
2) الاتجاه إلى إقامة دولة ثيوقراطية عبر إضافة مقاصد الشريعة في الفصل الخامس من الدستور تمهيدا لإلغاء كلّ القوانين والتنظيمات التي للإخوان المسلمين عليها اعتراض، وقد حدّدها يوسف القرضاوي في كتابه "التطرف العلماني في مواجهة الإسلام، نموذج تركيا وتونس".
3) إقصاء النخب جميعها سواء كانت أحزابا أو تنظيمات عن الدائرة المقرّبة من صنع القرار وبلا استثناء، فحتى الأفراد كالشخصيات الوطنية المشهود لها بالكفاءة ومن ذات اختصاص الرئيس الذين ساندوا قراراته ذات ليلة من شهر جويلية 2021 تم استبعادهم شيئا فشيئا فالصغير الزكراوي فرّ بجلده منذ الأيام الأولى أمّا الصادق بلعيد وأمين محفوظ اللذين بقيا في المساندة إلى أن أصدر الرئيس دستوره فقد استبعدوا بطريقة نعفّ بلساننا عن وصفها، قال ابن أبي الضياف في إتحافه (ج3 ص202) في هذا المعنى: "يُستدلّ على إدبار المُلك بخمسة أمور أحدها أن يستكفي الملك بالأحداث ومن لا خبرة له بالعواقب..... الخامس استهانته بنصائح العقلاء وآراء ذوي الحنكة".
على مستوى الأحزاب المساندة
عبّرت بعض الأحزاب عن مساندتها لقرارات 25 جويلية رغم أنها كانت شريكا في منظومة الحكم السابقة التي تديرها حركة النهضة وبقي بعضها إلى آخر أيامه في حالة استنفار للدفاع عن الغنوشي وحزبه مُفشلة أي محاولة لعزله من رئاسة البرلمان كحزب الشعب وتياره أما تونس إلى الأمام فقد أسعفها الحظ بعدم الدخول إلى البرلمان وإلا لاكتملت الجوقة بهم، والذي ثبت من خلال المتابعة أن هذه الأحزاب لم تكن صادقة في مساندتها وهي مستعدّة لدعم أي كان شريطة أن يضمن لها الحضور ولو الشكلي في ثنايا السلطة فهمّها وأفقها السياسي إن كان لها لا يتجاوز الحلول محلّ حركة النهضة في الحكم الجديد، وهو ما تفطن له الرئيس وعالجه بالإهمال وحسنا فعل، لذا لم يتجاوز تعامله مع قيادات هذه الأحزاب مستوى "رفع الملام" دون تشريكهم في أيّ قرار فتجدهم يفاجؤون بصدورها مثلنا تماما، والغريب مثلا أن لهذه الأحزاب وفق ما رشح من بياناتها اعتراضات على القانون الانتخابي ولكنها ستشارك في انتخابات 17 ديسمبر القادم.
على مستوى النخب
علّمنا التاريخ أن أيّ حكم لا يمكن أن يستقرّ ولو لفترة إلا إذا أحاط نفسه وعمل على تجميع أكبر عدد ممكن من أهل القلم والفكر ممّن يمثلون ذكاء الأمة والتواصل التاريخي بين نخبها ويعبّرون عن آمالها كمجموعة نحت التاريخ والجغرافية شخصيتها عبر الزمان، فالتواصل بين النخب والحكم ضمانة للاستقرار ومطلب لا غنى عنه لدى العقلاء وأصحاب الرأي الراجح، واللافت للانتباه أن حكم 25 جويلية يشترك مع سابقه أي حكم النهضة في استبعادهما الاثنين لأي كاتب أو مثقف أو موسيقي أو رسام أو أيٍّ من ممارسي هذه المهن التي تتعلق بالوجدان والمشاعر والمُثل، ولأي كان أن يلاحظ أن هؤلاء الذين يتقدّمون اليوم لتفسير برنامج الرئيس يتصفون بجهالة لا نظير لها بحيث لا يشعرك المتحدث منهم أنه يمتلك خلفية ثقافية يصدر عنها أو أن له جذورا منغرسة في تربة الوطن كل ما هنالك كلام عن الشعب يريد ومجلس جهات وشركات أهلية قوامها عشرة آلاف دينار وغيره من ساقط القول، تونس يا هؤلاء انخرطت الحداثة والتجديد ودخلت العصر منذ أواسط القرن التاسع عشر وكانت لها مساهمات جلى على المستويين العربي والإسلامي بنخب وأسماء حفظ لها التاريخ مكانها في وجدان كل تونسي وعددها يندّ عن الحصر من بينهم خير الدين والجنرال حسين والطاهر الحداد ومحمد علي الحامي وأبو القاسم وزين العابدين السنوسي والحبيب بوقيبة وعبد العزيز الثعالبي وغيرهم، فما الذي حدث لنا حتى نجد أنفسنا اليوم ونحن نستمع لِمن تشتبه عليه الحضانة بالنفقة ولِمن يدعو إلى اعتماد القرعة في الانتخاب ولِمن يروّج لتعدد الزوجات ولِمن يحمي بؤرة القرضاوي.
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: