تجربة الشاعر المصري رفعت المرصفي و أثر صالونه الثقافي على الحياة الأدبية 2/3
طارق خفاجي - مصر
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 595
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
و الآن ننتقل سريعا إلى المحور الثاني و الحديث فنيا عن التجربة :
يقول أستاذنا الدكتور الطاهر مكي في كتابه " الشعر العربي روائعه و مدخل لقراءته " الشعر الخالد حقا هو الذي يجد القارئ نفسه فيه ،و يراه تعبيرا عما يجول بخاطره من أفكار و ما يعتمل في أعماقه من أحاسيس ". انتهى
و شعر رفعت المرصفي من هذا النوع الذي تجد فيه شيئا من ذاتك و فيضا من عاطفتك و خفقات قلبك و شيئا من معاناة نفسك ، و كأنه يكتب ما يجول بنفسك ، و إبداع رفعت المرصفي لا يقف عند هذا الحد بل يتعداه إلى ما هو أعمق فهو في مجمل أعماله يعبر عن آلام و آمال المواطن العربي بل الإنسان بصفة عامة .
إن المتأمل في المنتج الشعري لرفعت المرصفي يجد أنه لا ينتمي إلى مذهب معين أو مدرسة شعرية بعينها فنتاجه الشعري يشهد بالتعددية المذهبية من رومانسية و كلاسيكية و واقعية و رمزية و سريانية .
و إذا ألقينا نظرة عروضية على شعر رفعت المرصفي فنجد أنه من عشاق بحر الكامل فهو من أكثر البحور التي نظم عليها قصائده هو و بحر المتدارك يأتي بعدهما في الترتيب البسيط ثم الرجز ثم المتقارب ثم الرمل ثم الوافر ، و هناك بعض البحور أهملها رفعت المرصفي منها بحر الطويل و الهزج و الخفيف و المديد و السريع و المنسرح .
و رفعت المرصفي لم يكن بدعا من الشعراء المحدثين في تفضيله لبحر الكامل لأنه من البحور التي يستمتع بها جمهور الشعر فتفعيلاته تروق و تطرب الأذن فعندما نقول : متكامل و جمال وجهك فاتن && متفاعلن متفاعلن متفاعلن .
و يقول الدكتور إبراهيم أنيس في كتابه موسيقى الشعر " فإذا وصف القدماء بحر الرجز بأنه مطية الشعراء ، يمكننا الآن و نحن مطمئنون أن نصف الكامل بأنه مطية الشعراء المحدثين " .
مجمل أعمال رفعت المر صفي تتوزع بين الاتجاه الوجداني و الاتجاه الوطني و القومي و الاتجاه الإسلامي ، و نجده الاتجاه الغالب عنده هو الكتابة بالفصحى و مع ذلك لم يهمل اللغة العامية بل كتب حوالي أربعة دواوين بالعامية كانت في غاية الروعة و الجمال و لا تقل عن جودته في الفصحى و هي ديوان زمان الطيبين و روايح من زمان الطيبين و لسه مستنيكي ، و فضفضة أخيرة للبحر ، و جمع رفعت المرصفي بين النوعين دليل على تحققه و تمكنه من أدواته و أنه يمتلك موهبة فذة .
و من الصعب أن نغوص في تجربة مثل تجربة رفعت المرصفي على امتدادها زمنيا و عمقها فنيا ، فسأكتفي بإلقاء إشارات عابرة لعلها تبرز لنا شيئا ، فالديوان الأهم فنيا و الذي يعتبر نقلة نوعية في تجربة رفعت المرصفي هو ديوان للعشق رائحة البحر و هو ديوان صادر عن الهيئة العامة لقصور الثقافة أقليم القاهرة الكبرى فرع ثقافة القليوبية سنة 2003م
انتقل فيه رفعت المرصفي من القصيدة البيتية و قصيدة التفعيلة إلى الشعر الحر بقصيدة الومضة، و قصيدة الومضة هي قصيدة التكثيف الشديد و التلميح الأشد حيث تكون فيها مساحة المصرح به أقل بكثير من مساحة المسكوت عنه ، و تعتبر قصيدة الومضة قصيدة المثقفين ، و هي قصيدة النضج و اكتمال المعين الشعري لشاعرها ؛ لأن من يتصدى لكتابة هذه القصيدة يجب أن يتخرج أولا من كل المدارس الشعرية المختلفة قديمها و حديثها بدءا من مدرسة الشعر العمودي و حتى ما يسمى الآن بقصيدة النثر .
و يقول الدكتور محمد سيد إسماعيل : في هذا الديوان نجح رفعت المرصفي في تحقيق الوحدة الموضوعية ليس على مستوى القصيدة فحسب بل على مستوى الديوان بكامله ، و ذلك من خلال توظيفه لرمزية البحر فالديوان مقسم إلى مجموعتين كبيرتين : ( قصائد قصيرة إلى البحر ) و ( قصائد من البحر ) و القسم الأول ينتهي بثلاث قصائد مهداة إلى الدكتور أحمد زويل ، أما القسم الثاني فينتهي بقصيدة رثاء مهداة إلى روح الشاعر المرحوم عبد الهادي سرحان بعنوان مواراة يقول فيها :
قالوا لي.. أنك مت / قلت .. هراء
الموت لبعض الناس بقاء
لملمت نفسك كيف شئت
و وريت سهلا فاسترحت
و هذه القصيدة تشير إلى ملمح إنساني عميق في شخصية رفعت المرصفي يلمسه و يشعر به كل من يتعامل مع الشاعر و هو الوفاء
و بالعودة إلى للعشق رائحة البحر و تقسيم هذا الديوان يشير إلى أننا أمام تصميم دقيق لتوزيع القصائد و كأننا في رحلة لها بداية و لها نهاية بدأت بالتوجه إلى البحر و انتهت بالعودة منه . و لنأخذ نموذجا من هذا الديوان المهم
قبل البداية
أعترف الآن بأنك
كنت على حق
و بأن مبادئ سقراط
تاهت في الأرض
و بأن زمان المعجزة
الكبرى
لن يرجع ثانية قط
أعترف الآن بأنك ...
و بأني
لم نولد بعد
فهذه الدفقة مفعمة بالرمزية و التوظيف الدلالي للمفردات، فكلمة الأرض تؤكد معنى التيه و التوهان ، و كلمة سقراط ترمز إلى الحكمة و الفلسفة المتمثلة في بطل النص أو الشاعر .
لا يستطيع أن يتحدث أحد عن تجربة رفعت المرصفي دون أن يقف مشدوها و منتبها أمام هذا الديوان .
النموذج الآخر الذي أعتبره نموذجا لعمق ونضج التجربة الفنية عند رفعت المرصفي هو ديوان " هديل و أوجاع " و هو ديوان مهم بالنسبة لي لأنني شرفت بكتابة رؤية نقدية أولى لهذا الديوان ، و هي أولى للديوان و أولى لي أنا أيضا .
هذا الديوان يعتبر نموذجا لتجربة المرصفي ففي هذا الديوان تقريبا تناول فيه كل الموضوعات التي تناولها في تجربته كلها فنجد فيه شعر رثاء و حب و شعر وطني و شعر قومي عروبي و إسلامي و فيه شعر عمودي و فيه قصيدة الومضة و يظهر هذا جليا من عناوين قصائده التي سنذكرها بعد قليل
و بالنظر إلى ديوان هديل و أوجاع نلاحظ أنه مقسم إلى ثلاثة محاور ( هديل – أوجاع - دمعات )
المحور الأول الهديل : يضم اثنتي عشرة قصيدة : هديل – ليلاي قبسك قد أتاك بلا جواد – يا قلب لك العتبى – حنين – يا وجهها رفقا بالمشيب – ملامح أخرى للحلم – لا تخافي – أميرة القلب – يا أحلى من العيد – عمان جئنا – و عادت الكويت – يا سيد الأبطال .
المحور الثاني أوجاع : يضم خمس قصائد : غضب – جنون – عصفور – غربة – شوق .
المحور الثالث دمعات : يضم عشرين قصيدة بين دمعات خاصة و دمعات عامة وطنية و قومية و إسلامية : دمعة – عار – وجع – شمس – لا تسأليني عن الأوجاع – معذرة يا سوريا – معذرة يا غزة – استغاثة –– رسول الله معذرة – صديقية – عمرية – عثمانية – علوية - يا رب عبدك واقف بالباب - و غيرها .
و مع نموذج من هذا الديوان : يا رب عبدك واقف بالباب
يا رب عبدك واقف بالباب
و ذنوبه تكتال ملء كتاب
يا رب عبدك عائد من غربة
يرجو الدخول برحمة الوهاب
النفس خجلى و الحياء يلفها
و الروح تسبح في ربا التواب
هل غير بابك يا كريم يضمنا
فافتح لنا يا رب بالترحاب .
و مع نموذج آخر : حنين
يا قلب رغم عنادها ... نشتاق
و الشوق موج هادر حراق
النبض أوشك أن يجاهر باسمها
و الدمع خلف صموده رقراق
ما أروع الأحلام إن كانت بها
يشدو لها فوق المذاق مذاق
نستطيع أن نقول أن هذا الديوان كتالوج مصغر لتجربة رفعت المرصفي .
---------------
يتبع...
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: