عبد العزيز كحيل - الجزائر
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 215
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
رمضان فرصة سانحة لإحياء الربانية والتركيز على التربية الروحية وكثير من المعاني السامية التي خلت منها النفوس تحت ضربات الحياة العلمانية والنزعة المادية، ولا أحد يملك مفتاح هذه الموضوعات مثل السادة العلماء والشيوخ، فحبذا لو أنهم في دروسهم المسجدية والإذاعية والتلفزية وعبر وسائل التواصل يخففون من الكلام عن رمضان فهو كلام يعرفه الجميع، ويكثرون من الدروس حول موضوعيْن طالهما الإهمال:
- الأول هو التربية الروحية: الشهر الفضيل محطة مناسبة لترقيق القلوب بالمواعظ البليغة وإحياء الربانية وتوثيق الصلة بالله والإخلاص والخشية والتذكير بأهمية الطرف الدامع والقلب الخاشع وبالمعاد والوقوف بين يدي الله والجنة والنار، فقد أثقلتنا النزعة المادية حتى في رمضان.
- الثاني هو ترك الموضوعات المجترة وإحياء معاني الرجولة والهمّة العالية والغيرة على الأعراض وحياء المرأة والعودة إلى مهمتها المقدسة التي اخرجتها منها العلمانية وهي رعاية الأسرة وتنشئة الجيل الصالح.
فقد أصبحت حياتنا مادية حتى في ممارسة الشعائر التعبدية تغيب عنا المعاني الروحية الجميلة وتزكية النفس وتطهير القلب مما علق به طيلة السنة من ضغوط الحياة حتى غدت هذه الممارسة أقرب إلى الطقوسية الباردة التي لا تعلم القلب الخشوع ولا العين الدموع، والدروس والمواعظ اذا لم تتجدد وتساير الاحداث الواقعية – في جميع المجالات وعلى كل المستويات من الفرد والأسرة إلى المجتمع والبشرية - تصبح كالدواء الذي انتهت صلاحيته، لا ينفع صاحبه بل قد يضره، ونلمس هذا في الشرود الذي طال أكثر المسلمين رغم تديّنهم.
التجديد المطلوب يعني تجديد الأفكار وأساليب المقاربة ومعالجة المواضيع بلغة العصر التي تحبب إلى الناس هدي السماء، تفرغ النفوس ثم تملؤها، تحرك الوجدان، تلامس شغاف القلوب بلمسات إيمانية تفوح منها رائحة الصدق والمحبة والنصح، فليست النائحة الثكلى كالمستأجرة، وهذا ما يقود إلى تحسين صلتنا بالله تعالى بمزيد من العبودية والصالحات، وتحسين صلتنا ببعضنا بمزيد من التراحم والمعاملة الحسنة والأدب الرفيع، وتكثير الخيرات وتضخيم رصيدنا بالحسنات، أي – بعبارة جامعة – نصوم ونرتقي.
ومن ألزم ما ينبغي تمريره للقلوب – وليس مجرد التكرار المعتاد – همسة في الاذان الغافلة أن رمضان فرصة للتقليل من الاستهلاك وليس لمضاعفته، فمن لم يتغلب على هوى نفسه وهوى المجتمع في هذه فهو عن غلبتها في شؤون أخرى أعجز مهما زعم وادعى، فقل للمتبهرجين لا تتبهرجوا فإن الناقد بصير...مثل هذه الملاحظة نسمعها في كل عام لكن هناك فرقا شاسعا بين التكرار البارد والعبارة الحارة التي تدخل القلوب بغير استئذان فتغيّر السلوك، وكل هذا جزء من الخطة الإيمانية البصيرة التي تهدف إلى تحويل المسلمين من التدين العاطفي إلى التدين الواعي ونقلهم إلى مصاف الربانية ليمشوا على الأرض وقلوبهم معلقة بالسماء، ومن صميم هذه الربانية إحياء سيرة القدوات الصالحة في تاريخنا العلمي والجهادي والروحي، وحتى تتوارى القدوات السيئة التي استقطبت الشباب يجب التذكير بقاماتنا الكبرى من عُباد زُهاد وعلماء مجتهدين وأبطال فاتحين، فالناس في حاجة إلى معرفة سير الصالحين من أسامة بن زيد وابن عباس إلى عبد القادر الجيلاني وابن تيمية والأئمة الأربعة وعمر بن عبد العزيز وعبد الرحمن الداخل ومحمد الفاتح وصلاح الدين وقطز والأمير عبد القادر وأمثالهم، ونور الشمس يطرد ظلام الليل تلقائيا، ومن شأن هذا المنهج أن ينمي فينا الثقة بالله وبالنفس والتحرر من ظلال التشاؤم ومسحة اليأس والقنوط ومحاربة السوداوية القاتلة التي تغلب على حياتنا الفكرية والاجتماعية، بهذا ننتصر على أنفسنا وعلى الشيطان وإكراهات الحياة المادية الطاغية.
وليست الربانية فكرة هلامية رجراجة ولا تجريدا حالما بل هي التفاعل الإيجابي مع الواقع لذلك يجب ان نقول للصائمين على المنهج الصحيح المصطفين مع غزة والمقاومة " لا تبرحوا أماكنكم وركزوا جهودهم على دعم الرجال الواقفين والأبطال المتميزين فهم يجاهدون نيابة عنا وقد مرغوا أنف العدو في التراب وأهانوا ترمب وأثبتوا أنهم هم عز العرب والمسلمين"...كما تقتضي الربانية أن نقول للرجال:" الشوارع تفوح برائحة المعاصي، النساء يخرجن متبرجات– وهن صائمات !!! - ينشرن الفاحشة ويفتنّ الناس، الاعلام يسوّق الدياثة والخلاعة فأين الدين؟ أين الرجولة؟ أين الأنفة؟ أين الصيام؟ والذكور ليسوا أحسن حالا، صائمون لكن قصات شعر غريبة، سراويل ممزقة، كلام سوقي، مخدرات ومهلوسات، انقطاع كامل عن الدين والأخلاق، تخنث واضح، وبدل تحمل المسؤولية الأغلبية يلقونها على المسجد والإمام والآخرين...الربانية تورث القلب الحي الذي لا يتجاهل حال العلماء والدعاة الأبرياء الذين يقبعون في سجون الطغاة ويموتون فيها ببطء، لا ذنب لهم سوى تمسكهم بالإسلام وحقهم في الحرية ورفض الاستبداد والظلم.
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: