عبد العزيز كحيل - الجزائر
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 186
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
أليست غزة آية من آيات الله؟ من كان يصدق أنها تصمد كل هذا الوقت أمام أعتى جيش في المنطقة تساعده الأنظمة العربية؟ يكمن السر في مرجعية حماس الإسلامية الواضحة الراسخة، التي علمت الناس الإعداد الجيد والاستعداد الرفيع والتوكل على الله، لذلك ما زالت المقاومة بخير رغم حرب الإبادة...لكن من أخطر ما نخشاه على الجهاد في غزة أن يطول الأمد فتنسى الأذهان وتقسو القلوب ويقلّ المدد، كل هذا لا يتهدد المقاومة بل يتهدد الخيّرين في الأمة الذين يسندون غزة بكل ما يستطيعون، من الاصطفاف بالقلب واللسان والقلم إلى المدد الفعلي، فالحرب على أشدها، والإبادة الجماعية مستمرة، والمجاهدون في حاجة ماسة إلى كل ما يقوي السواعد ويثبت الأقدام لأن في غزة بشرا لديهم حاجات البشر، بالإضافة إلى حاجة المقاومة إلى الإسناد القوي والمدد المستمر.
ومن البشائر التي تزيدنا إقبالا على الإسناد بكل ما نملك أنْ ليس مجاهدو القسام وحدهم من يعيشون في الأنفاق، فمئات الآلاف من اليهود في تل أبيب ومدن شمال فلسطين المحتلة يعيشون في الملاجئ خوفا من الصواريخ التي تستهدفهم بالليل والنهار من لبنان واليمن والعراق ومن غزة ذاتها، وهذه الملاجئ أنفاق، الفرق الوحيد هو أن أبناء حماس فرحون بإحدى الحسنيين بينما يصارع اليهود الأمراض النفسية والانهيارات العصبية، يسكنهم الرعب الدائم من موت في أرض يعلمون أنها ليست أرضهم، وصورهم في الملاجئ وفي حالة الهلع وهم يهرعون إليها أوهم يغادرون عبر المطارات مشاهد تستحق أن تباع في الصيدليات وتصلح أن تكون أدوية لكثير من أمراضنا وآلامنا، قال تعالى "ويشف صدور قوم مؤمنين"...فالصورة ليس فيها الدمار الصهيوني لغزة فحسب بل هذه المشاهد التي تشفي صدور المؤمنين وتغيظ العدو وعملاءه.
ومن البشائر أيضا استمرار محور المقاومة في استهداف العدو وإصابته في العمق، هي بشائر رغم الخلفية الشيعية التي يتوجس منها كثير من أهل السنة، لكن حماس على بينة من أمرها، ونحن كذلك، ما دمنا نسير على هدي القرآن والسنة ونحتكم إلى فقه الواقع، فنحن مع المقاومة، مع غزة، مع كل بقعة في أرض المسلمين، نفرح لفرحهم ونحزن لحزنهم، يستحيل أن نكون في صف الصهاينة بأي شكل، ولو بعاطفة خفية، ولو لحظة من عمرنا، لسنا أغبياء ولا مغفلين لكننا نفهم الواقع بتعقيداته، نفرق بين ما هو مصلحي وما هو عقدي، نحاول تكثير الأصدقاء لا الأعداء، ولو أن الصف السني نصر القضية ما احتاجت إلى المكوّن الشيعي.
وبعد انقضاء عام على طوفان الأقصى نبقى على العهد، لا نقيل ولا نستقيل، مهما كانت انشغالاتنا تبقى غزة هي الأولوية، هي البوصلة، هي أم القضايا، لأنها ساحة جهاد أصيلة صافية فاقع لونها، لا فيها كذب ولا أوهام ولا تدليس، بل إنجازات عجزت عنها دول كبيرة، هناك في غزة فقط رجال ربانيون محاصرون لا وسائل لهم، إذا خططوا أبدعوا وإذا ضربوا أوجعوا وإذا خطبوا أسمعوا وإذا قرؤوا القرآن خشعوا وفهموا وعملوا، فإن لم نتواجد في القطاع بأجسامنا فقلوبنا هناك، وإذا كانوا هناك يحملون السلاح يواجهون العدو مباشرة فنحن لدينا اللسان والقلم، نحاول إماطة الأذى من طريقهم، ومن أعظم صور إماطة الأذى فضح أعداء الأمة والمنافقين المخذلين المعوقين وشيوخ الضلال وحكام الجور وأعوان الظلمة، فهذا من تعظيم شعائر الله وإقامة الدين ونصرة غزة، وهو من أرقى شُعب الإيمان، ولولا هؤلاء لارْتقت الأمة – بما تملك من موارد علمية ومالية – إلى مصاف الإنجاز ورفع التحدي والتواجد في ساحات العطاء والرقي بدل المراوحة في ميادين اللهو واللعب والتفاهة باسم الثقافة والفن والترفيه، وعلينا أن نتذكر أن الكيان الصهيوني لم يكن يشتغل في العقود الأولى من اغتصابه لفلسطين بالرياضة، لم يفز آنذاك بلقب أو مرتبة أوميدالية في أي نوع من أنواع العبث الرياضي، لأنه كان منكبا على تحصين دولته الغاصبة بالتقدم العلمي التكنولوجي، فخاض بنجاح كبير معارك الجوسسة والاغتيالات والابتكارات العلمية والاستعداد للعدوان في أي لحظة، كما يجب الاعتراف أنّه الكيان الديمقراطي الوحيد في المنطقة، وسط جوار كله دكتاتورية واستبداد وحكم شمولي وأنظمة وراثية حتى ولو كانت جمهوريات، ولا يخفى أن لديه أرقى الجامعات وأحسن مستوى تعليم، في حين انصب اهتمام الأنظمة العربية وشعوبها المدجنة على الرياضة وأنواع اللعب، أي مزيد من وسائل التخدير الجماعي إلى درجة أنه لم يعد عندنا إنجاز نحتفل به
سوى الميداليات الهزيلة التي تنفق في سبيلها أموال طائلة تكفي لإقامة نهضة علمية واقتصادية.
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: