البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبالاتصال بنا
 
 
 
المقالات الاكثر قراءة
 
تصفح باقي الإدراجات
أحدث المقالات

الروح الثورية: من مطرقة النبي إبراهيم إلى عصا الشهيد السنوار

كاتب المقال محمد علي العقربي - تونس    من كتـــــّاب موقع بوّابــتي
 المشاهدات: 269


 يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط


في كل صراع بين الحق والباطل، يبرز رجال جعلوا من أجسادهم جسورًا للحرية، وسلاحهم عزيمة لا تنكسر أمام قوى الظلم. الشهيد يحيى السنوار "أبو إبراهيم" كان من أولئك الرجال الذين واجهوا العدو الصهيوني ليس فقط بسلاحٍ في اليد، بل بروحٍ ثورية وقلبٍ ينبض بالإيمان بالحق. في ساحات المعركة، كان يحيى السنوار يحمل بندقيته، لا ينتظر نصراً من السماء فحسب، بل يؤمن أن الجهاد هو العمل والقتال حتى آخر نفس وآخر رصاصة. وعندما نفدت ذخيرته، لم يستسلم؛ بل التقط عصا، تلك العصا التي رمى بها في وجه الأعداء، وكأنه يُلقي بآخر رمح في ترسانة المقاومة،ليقول للعالم كله : إن سلاح الحق لا ينفد أبداً.

لتلك اللحظة البطولية، صدى من التاريخ البعيد يعود إلى ذاكرتنا. تذكرنا بقصة سيدنا إبراهيم عليه السلام، الذي واجه جبروت قومه ورموز طغيانهم. يومها لم يكن في يد إبراهيم إلا مطرقة، ولكنه حملها وكأنها جيش بأكمله. نزلت تلك المطرقة على الأصنام، لتكسر أوهام الباطل وتعلن انتصار الروح الحرة التي لا تُباع ولا تُشترى. مطرقة إبراهيم لم تكن مجرد أداة لتحطيم الأصنام، بل كانت رمزًا للتحدي الثوري الذي يقف في وجه القوى الطاغية، تلك التي تؤمن بأن الحجارة والأصنام قوة تحميها. وفي هذه القصة نجد صدىً لما فعله يحيى السنوار، وهو يُلقي بعصاه في وجه العدو بعد أن نفدت ذخيرته. لقد كانت العصا هي صوته الأخير في ساحة المعركة، إشارةً إلى أن الجهاد لا يتوقف عند نفاذ السلاح، بل يمتد إلى ما بعده، إلى ما في الروح من إيمان وشجاعة لا تنكسر.

لقد جسد يحيى السنوار بروحه وفعله قاعدةً من قواعد الثورات الكبرى: "الروح الثائرة هي السلاح الذي لا يُقهر". كان يعلم أن المقاومة ليست مجرد ذخيرة ورصاص، بل هي إرادةٌ تبقى حتى آخر رمق. يحيى لم يكن يقاتل ليرى النصر بعينيه، لكنه كان يقاتل ليكون لبنةً في بناء النصر الذي سيأتي، ولو بعد رحيله. كانت تلك اللحظة التي رمى فيها عصاه وكأنها صيحة في وجه العدو: "قد تنتهي الذخيرة، لكن لا تنتهي الثورة". إنها قاعدةٌ قتالية ثورية تعلمها كل المجاهدين الذين واجهوا المستعمرين والطغاة عبر التاريخ: "النصر لا يُقاس بعدد الرصاصات، بل بعدد القلوب المؤمنة بالحق".

إن روح يحيى السنوار استحضرت مقولة الثائرين: "البندقية التي لا تحمي كرامة صاحبها، ليست بندقية للثورة". كان يؤمن بأن السلاح هو وسيلة، لكنه ليس الغاية. فالمقاومة ليست فقط في القتال، بل في الإيمان بالقضية حتى لو لم يبقَ بيدك إلا عصا أو حتى حجر. وكما قالها غيفارا: "الثائر الحقيقي هو الذي يحارب حتى لو كان وحيدًا". ويحيى لم يكن يومًا وحيدًا، فقد كان بجانبه إيمان لا يهزم، كان لديه التاريخ الذي ينطق بقصص الثوار الذين سبقوه، وكان لديه إرث الأنبياء.

لقد رسم الشهيد السنوار بدمائه قاعدةً جديدة في فنون القتال الثوري: "إذا نفدت ذخيرتك، فلا تفقد عزيمتك". هذه القاعدة ليست فقط تكتيكًا عسكريًا، بل هي فلسفة ثورية عميقة تؤمن بأن القوة لا تكمن في الأسلحة، بل في الروح الحرة التي تقاتل حتى آخر رمق. كما أن الشهيد السنوار بفعله هذا، كرّس قاعدة أخرى في فن القيادة الثورية: "القائد هو الذي يكون أول من يُقاتل وآخر من يُغادر". لقد كان السنوار على رأس المعركة، يقود بالقدوة لا بالكلمات، ويعلم أن القائد الحق هو من يُلقي نفسه في النار قبل أن يطلب من غيره ذلك.

وفي النهاية، فإن استشهاد يحيى السنوار لا يعني نهاية القصة، بل هو بداية مرحلة جديدة من الصراع، كما كانت مطرقة سيدنا إبراهيم بدايةً لتحرير قومه من عبودية الأصنام. لقد كتب السنوار بدمائه فصلًا آخر في كتاب الثورة الفلسطينية، فصلًا يعلّم الأجيال القادمة أن المقاومة لا تموت بموت الرجال، بل تحيا في كل قطرة دم تُسفك في سبيل الحق. وكما انكسرت الأصنام أمام مطرقة إبراهيم عليه السلام ، ستنكسر قوة الاحتلال أمام إرادة الشعوب التي تؤمن بالحرية والكرامة.

إن يحيى السنوار سيبقى خالدًا في ذاكرة النضال الفلسطيني والعربي، رمزًا ، القائد الذي لم يتخلَّ عن سلاحه حتى آخر لحظة، والذي علّمنا أن الروح الثورية هي السلاح الأقوى، وأنها قادرة على تحطيم كل أصنام الباطل، مهما عظمت.


 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

غزة، طوفان الأقصى، فلسطين، إسرائيل، السنوار،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 19-10-2024  

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك

 مشاركات الكاتب(ة) بموقعنا

  العبور الجديد: مصر بين نصر أكتوبر وإعمار غزة
  المشترك الوطني ومراكمة الإيجابيات: دروس من التجربة التونسية الحديثة
  عودة ترامب إلى البيت الأبيض: فوز حاسم وتحولات سياسية
  الروح الثورية: من مطرقة النبي إبراهيم إلى عصا الشهيد السنوار
  من بوليفار إلى غيفارا: كيف يظل النضال مستمرًا بعد رحيل القادة؟
  التفكيك الاجتماعي: آلية للسيطرة والهيمنة في العصر الحديث
  تونس في حاجة إلى صفقة جديدة: دروس من تجربة روزفلت في مواجهة الكساد الكبير
  من الأبارتايد إلى BDS: مسارات المقاطعة العالمية

شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
د. أحمد بشير، عبد العزيز كحيل، أحمد الحباسي، محمد الياسين، د- جابر قميحة، عبد الغني مزوز، رضا الدبّابي، الناصر الرقيق، علي الكاش، محمد العيادي، رمضان حينوني، تونسي، أحمد النعيمي، يحيي البوليني، د. ضرغام عبد الله الدباغ، موسى عزوق، مصطفى منيغ، د - عادل رضا، محمد الطرابلسي، محمد شمام ، محمود سلطان، صباح الموسوي ، طارق خفاجي، رحاب اسعد بيوض التميمي، سعود السبعاني، أحمد بن عبد المحسن العساف ، عبد الله الفقير، أنس الشابي، أشرف إبراهيم حجاج، إياد محمود حسين ، سفيان عبد الكافي، فتحي الزغل، حاتم الصولي، يزيد بن الحسين، رشيد السيد أحمد، د- هاني ابوالفتوح، ماهر عدنان قنديل، د. كاظم عبد الحسين عباس ، د - مصطفى فهمي، د - محمد بنيعيش، د.محمد فتحي عبد العال، سامح لطف الله، حميدة الطيلوش، المولدي اليوسفي، عبد الله زيدان، صلاح الحريري، طلال قسومي، محمد يحي، ياسين أحمد، د - صالح المازقي، صلاح المختار، عراق المطيري، د. عادل محمد عايش الأسطل، نادية سعد، محرر "بوابتي"، محمد اسعد بيوض التميمي، فوزي مسعود ، د - المنجي الكعبي، علي عبد العال، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، وائل بنجدو، د - شاكر الحوكي ، صفاء العربي، د. خالد الطراولي ، د. عبد الآله المالكي، رافع القارصي، عواطف منصور، المولدي الفرجاني، فهمي شراب، جاسم الرصيف، محمد أحمد عزوز، صالح النعامي ، د. مصطفى يوسف اللداوي، أحمد بوادي، د- محمود علي عريقات، محمود طرشوبي، محمد عمر غرس الله، فتحي العابد، كريم فارق، سليمان أحمد أبو ستة، منجي باكير، سلوى المغربي، الهادي المثلوثي، سلام الشماع، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، محمود فاروق سيد شعبان، مصطفي زهران، سيد السباعي، د - الضاوي خوالدية، صفاء العراقي، حسني إبراهيم عبد العظيم، د. طارق عبد الحليم، كريم السليتي، بيلسان قيصر، عبد الرزاق قيراط ، خبَّاب بن مروان الحمد، د. صلاح عودة الله ، سامر أبو رمان ، إيمى الأشقر، فتحـي قاره بيبـان، رافد العزاوي، عزيز العرباوي، د. أحمد محمد سليمان، أبو سمية، محمد علي العقربي، أحمد ملحم، الهيثم زعفان، عمار غيلوفي، خالد الجاف ، مراد قميزة، عمر غازي، حسن عثمان، د- محمد رحال، د - محمد بن موسى الشريف ، حسن الطرابلسي، مجدى داود، ضحى عبد الرحمن، إسراء أبو رمان، العادل السمعلي، أ.د. مصطفى رجب،
أحدث الردود
ما سأقوله ليس مداخلة، إنّما هو مجرّد ملاحظة قصيرة:
جميع لغات العالم لها وظيفة واحدة هي تأمين التواصل بين مجموعة بشريّة معيّنة، إلّا اللّغة الفر...>>


مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضاة من طرفه أومن طرف "بوابتي"

الكاتب المؤشر عليه بأنه من كتاب موقع بوابتي، هو كل من بعث إلينا مقاله مباشرة

سياسة الخصوصية
سياسة استعمال الكعكات / كوكيز