البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبالاتصال بنا
 
 
 
المقالات الاكثر قراءة
 
تصفح باقي الإدراجات
أحدث المقالات

تونس في حاجة إلى صفقة جديدة: دروس من تجربة روزفلت في مواجهة الكساد الكبير

كاتب المقال محمد علي العقربي - تونس    من كتـــــّاب موقع بوّابــتي
 المشاهدات: 487


 يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط


في الثلاثينيات من القرن العشرين، واجهت الولايات المتحدة الأمريكية واحدة من أشد الأزمات الاقتصادية في تاريخها، والمعروفة بالكساد الكبير. هذه الأزمة أدت إلى انهيار النظام المالي، ارتفاع معدلات البطالة بشكل غير مسبوق، وتدهور الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية لملايين الأمريكيين. في هذا السياق، برز فرانكلين ديلانو روزفلت كرئيس جديد في عام 1933، حاملًا معه رؤية جريئة وشجاعة لإنقاذ الولايات المتحدة من أزمتها الطاحنة. رؤيته تمثلت في سلسلة من السياسات والبرامج الاقتصادية والاجتماعية التي عُرفت لاحقًا بـ"الصفقة الجديدة". عندما تولى روزفلت الرئاسة، كانت البلاد في حالة من الفوضى الاقتصادية. معدلات البطالة تجاوزت 25%، الآلاف من البنوك أغلقت أبوابها، والفقر المدقع كان ينتشر بسرعة في جميع أنحاء البلاد. بادر روزفلت بإطلاق صفقة جديدة تهدف إلى إنعاش الاقتصاد، خلق فرص عمل، وإعادة بناء الثقة في النظام المالي. كانت رؤيته تقوم على ثلاث ركائز أساسية: الإغاثة، التعافي، والإصلاح.

بدأت جهود روزفلت بتحقيق الإغاثة الفورية للعاطلين عن العمل والفقراء. من خلال برامج مثل إدارة الأشغال العامة وإدارة تقدم الأعمال ، تم توفير ملايين الوظائف في مشاريع البنية التحتية، مثل بناء الطرق والجسور والسدود. هذه البرامج لم تساهم فقط في تخفيف البطالة، بل أسهمت أيضًا في تحسين البنية التحتية للبلاد، مما خلق أساسًا للنمو الاقتصادي المستدام في المستقبل.

في مجال التعافي الاقتصادي، عملت الصفقة الجديدة على إعادة تشغيل النظام المالي وإعادة الثقة إلى البنوك من خلال قانون إعادة التمويل الصناعي وإنشاء مؤسسة تأمين الودائع الفيدرالية . هذه الخطوات كانت ضرورية لاستعادة الاستقرار المالي ومنع الانهيارات البنكية المستقبلية. على الجانب الزراعي، قدمت الصفقة الجديدة دعمًا كبيرًا للمزارعين من خلال قوانين تنظيم الإنتاج الزراعي، مما ساعد في رفع أسعار المحاصيل وزيادة دخل المزارعين.

أما على صعيد الإصلاح، فقد سعت الصفقة الجديدة إلى إحداث تغييرات هيكلية في الاقتصاد الأمريكي لمنع تكرار الأزمة. من خلال قانون الأوراق المالية وقانون سوق الأوراق المالية، تم تنظيم الأسواق المالية وإنشاء لجنة الأوراق المالية والبورصات للإشراف على الأنشطة المالية. هذا النظام الجديد ساعد في حماية المستثمرين ومنع التلاعب المالي الذي كان أحد أسباب الكساد الكبير.

اليوم، ونحن ننظر إلى تجربة الصفقة الجديدة في الولايات المتحدة، يمكننا أن نستخلص العديد من الدروس المهمة لتطبيقها على واقع تونس الحالية. تونس، التي تعاني من تحديات اقتصادية كبيرة تشمل ارتفاع معدلات البطالة، تدهور البنية التحتية، والفساد الإداري، تحتاج إلى مبادرة مشابهة للصفقة الجديدة للخروج من أزمتها.

تونس بحاجة إلى "صفقة جديدة" محلية، تقوم على نفس المبادئ التي اعتمدها روزفلت: الإغاثة، التعافي، والإصلاح. تحتاج البلاد إلى برنامج شامل لخلق فرص عمل جديدة، من خلال مشاريع بنية تحتية كبيرة تشمل تطوير الطرق، بناء المدارس والمستشفيات، وتحسين المرافق العامة. هذه المشاريع لن توفر فقط وظائف جديدة، بل ستساهم أيضًا في تحسين نوعية الحياة والبنية التحتية، مما يشجع على الاستثمار والنمو الاقتصادي.

في مجال التعافي الاقتصادي، يجب أن تركز تونس على إصلاح النظام المالي وتعزيز الثقة في البنوك والمؤسسات المالية. يمكن أن تتضمن هذه الخطوات إنشاء مؤسسة مالية مفتوحة لخلق الفرصة للمواطنين لبعث المشاريع ، وتحسين الشفافية والمساءلة في القطاع المالي. كما يمكن أن تشمل تقديم دعم مباشر للقطاعات الاقتصادية الحيوية مثل الزراعة والصناعات الصغيرة والمتوسطة.

أما الإصلاح، فيجب أن يكون شاملًا ويستهدف جذور المشكلة. هذا يشمل مكافحة الفساد، تحسين النظام التعليمي، وتعزيز سيادة القانون. إصلاح النظام التعليمي مهم جدًا لتزويد الشباب بالمهارات اللازمة للمنافسة في السوق العالمية. كما أن تعزيز سيادة القانون سيشجع على الاستثمار الداخلي والخارجي، مما يخلق بيئة اقتصادية أكثر استقرارًا وازدهارًا.

من خلال اعتماد رؤية شاملة وجريئة تشبه الصفقة الجديدة، يمكن لتونس أن تتجاوز تحدياتها الاقتصادية والاجتماعية وتبني مستقبلًا أكثر إشراقًا واستدامة. تتطلب هذه الرؤية قيادة شجاعة ومستعدة لاتخاذ قرارات جريئة، مثلما فعل روزفلت في الثلاثينيات، لتحقيق التغيير الحقيقي والنمو المستدام. بدون هذه الخطوات الجريئة، ستظل تونس تواجه نفس التحديات التي تعوق تقدمها وازدهارها.


 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

تونس، الإقتصاد، التنمية،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 22-06-2024  

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك

 مشاركات الكاتب(ة) بموقعنا

  المشترك الوطني ومراكمة الإيجابيات: دروس من التجربة التونسية الحديثة
  عودة ترامب إلى البيت الأبيض: فوز حاسم وتحولات سياسية
  الروح الثورية: من مطرقة النبي إبراهيم إلى عصا الشهيد السنوار
  من بوليفار إلى غيفارا: كيف يظل النضال مستمرًا بعد رحيل القادة؟
  التفكيك الاجتماعي: آلية للسيطرة والهيمنة في العصر الحديث
  تونس في حاجة إلى صفقة جديدة: دروس من تجربة روزفلت في مواجهة الكساد الكبير
  من الأبارتايد إلى BDS: مسارات المقاطعة العالمية

شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
د. عبد الآله المالكي، فتحي العابد، فوزي مسعود ، أحمد ملحم، محمود طرشوبي، د - مصطفى فهمي، عزيز العرباوي، أحمد النعيمي، صفاء العربي، عمر غازي، يحيي البوليني، إسراء أبو رمان، سفيان عبد الكافي، الهيثم زعفان، حسن عثمان، د. عادل محمد عايش الأسطل، سلام الشماع، د - المنجي الكعبي، أحمد الحباسي، د- جابر قميحة، عبد الله زيدان، سامر أبو رمان ، سامح لطف الله، د - صالح المازقي، د. خالد الطراولي ، د- هاني ابوالفتوح، سلوى المغربي، الناصر الرقيق، بيلسان قيصر، أحمد بوادي، علي عبد العال، رشيد السيد أحمد، صفاء العراقي، رافع القارصي، محمد يحي، د. ضرغام عبد الله الدباغ، محمد الطرابلسي، علي الكاش، فتحي الزغل، صلاح الحريري، د - عادل رضا، عبد الغني مزوز، د. طارق عبد الحليم، أ.د. مصطفى رجب، المولدي اليوسفي، طلال قسومي، محمد عمر غرس الله، رافد العزاوي، فتحـي قاره بيبـان، إيمى الأشقر، محرر "بوابتي"، مجدى داود، محمد اسعد بيوض التميمي، د- محمد رحال، د.محمد فتحي عبد العال، أنس الشابي، محمد أحمد عزوز، مراد قميزة، نادية سعد، يزيد بن الحسين، حسني إبراهيم عبد العظيم، كريم السليتي، خبَّاب بن مروان الحمد، كريم فارق، عبد الله الفقير، عبد العزيز كحيل، د - شاكر الحوكي ، مصطفي زهران، رضا الدبّابي، عبد الرزاق قيراط ، رحاب اسعد بيوض التميمي، د. أحمد محمد سليمان، محمود فاروق سيد شعبان، محمد شمام ، محمد الياسين، وائل بنجدو، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، ضحى عبد الرحمن، خالد الجاف ، د- محمود علي عريقات، حاتم الصولي، أشرف إبراهيم حجاج، محمد العيادي، المولدي الفرجاني، رمضان حينوني، أحمد بن عبد المحسن العساف ، سيد السباعي، صالح النعامي ، ماهر عدنان قنديل، صباح الموسوي ، الهادي المثلوثي، ياسين أحمد، صلاح المختار، د. كاظم عبد الحسين عباس ، د. صلاح عودة الله ، طارق خفاجي، د. مصطفى يوسف اللداوي، فهمي شراب، تونسي، محمود سلطان، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، إياد محمود حسين ، عمار غيلوفي، منجي باكير، مصطفى منيغ، عواطف منصور، سعود السبعاني، د - محمد بنيعيش، جاسم الرصيف، محمد علي العقربي، أبو سمية، د - الضاوي خوالدية، د. أحمد بشير، العادل السمعلي، د - محمد بن موسى الشريف ، سليمان أحمد أبو ستة، عراق المطيري، حسن الطرابلسي، حميدة الطيلوش،
أحدث الردود
ما سأقوله ليس مداخلة، إنّما هو مجرّد ملاحظة قصيرة:
جميع لغات العالم لها وظيفة واحدة هي تأمين التواصل بين مجموعة بشريّة معيّنة، إلّا اللّغة الفر...>>


مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضاة من طرفه أومن طرف "بوابتي"

الكاتب المؤشر عليه بأنه من كتاب موقع بوابتي، هو كل من بعث إلينا مقاله مباشرة

سياسة الخصوصية
سياسة استعمال الكعكات / كوكيز