البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبالاتصال بنا
 
 
 
المقالات الاكثر قراءة
 
تصفح باقي الإدراجات
أحدث المقالات

التديّن العاطفي والتديّن الواعي

كاتب المقال عبد العزيز كحيل - الجزائر    من كتـــــّاب موقع بوّابــتي
 المشاهدات: 258


 يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط


لماذا قالوا من قديم: "عبادة الجاهل مسخرة للشيطان"؟ لأن المؤمن إذا انغلق في دائرة التديّن العاطفي كان كمن أشار إليهم الرسول صلى الله عليه وسلم في قوله "يقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم" أي هو تديّن على مستوى القلب مقطوع عن العقل والفهم والوعي، يستغرق في العبادات الفردية ويكثر من النوافل لكنه لا سهم له في أي فعل اجتماعي أو نشاط ينفع الأمة، يعرف كل شيء عن الصلاة والصيام والحج والعمرة ومخارج الحروف عند قراءة القرآن ولا يعرف شيئا عن التحديات التي تواجه الإسلام ولا المكر الذي يُحاك لأهله، فرض الكفاية عنده هو صلاة الجنازة أما الفروض الاجتماعية كتحصيل العلم وتسيير المرافق وسدّ مختلف الثغور فهو عنده من الترف العقلي وسقط المتاع...وهكذا يصبح الدين مخدرا مساحته هي الحفظ الآلي والتباهي به إلى جانب غياب تام للفهم والعمل.

على سبيل المثال أين القرآن في علاقاتنا الأسرية والاجتماعية والسياسية؟ أين حكم القرآن إذا خرجنا من فضاء العبادات الفردية؟ لابد أن نقول ونكرر بكل قوة ووضوح أن القرآن لم ينزل لأجل المسابقات ولا للرقية ولا للتباهي بالأصوات ومخارج الحروف بل القرآن أنزل للحكم بين الناس، قال تعالى "إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ"، فأين القرآن في حياتنا اليوم؟ بل أنزل ليكون منهجا للحياة كل الحياة: الروحية الفكرية والعملية، ودليلا واجب الاتباع يهدي للتي هي أقوم في مجالات التربية والسياسة والمال والفن والعلاقات الخارجية، أما التباهي بامتلاء المساجد بالناس في رمضان والغفلة عن هجرهم لها بعد العيد مع تكرار نفس السيناريو كل سنة فهو مجرد رد فعل عاطفي يهيل التراب على المشكلات فيجعلها تتفاقم ولا يحل منها قليلا ولا كثيرا، ونبقى أمام نفس المقدمات ونفس النتائج نراوح مكاننا ونحن فرحون مسرورون بتديّن شكلي يحمل في طياته تبعيضا مسيئا لدين الله.

الإقبال على المساجد والنوافل وأفعال الخير في رمضان أمر نفرح به لكن لا يجوز أن نضيع البوصلة فتعمّق هذه الأعمال المتاهة وتزيدنا شرودا، لماذا؟ لأنها – بكل موضوعية وبعيدا عن العواطف الجارفة – زخرفة وتحرك على مستوى الهوامش ورضا بالتدين البليد وشرود عن مقاصد رسالة الإسلام...هل هذا التدين يغيّر التاريخ ويؤثر في الأحداث ويعيد الأمة إلى المنهج الرباني ومركز الشهود على الناس؟ هل يجعلنا أئمة ويجعلنا الوارثين؟ ها هي غزة تفضح التدين العاطفي وتبين حقيقة التدين عند جمهرة المسلمين: الجوع والعرى والموت هناك وتكرار العمرة والحج هنا...ومازال كثير من المسلمين- وفيهم خطباء ودعاة وطلبة علم - يتفاخرون بأكبر مسجد هنا وأطول مئذنة هناك ويتناقلون أخبارا مفادها ان في دولة تشاد مليون حافظ للقرآن، وكان ينبغي الفرح بهذا العدد لو أخرج البلاد من الفقر والتخلف والمرض والحروب الأهلية، أما وهي واحدة من أفقر دول العالم تعيش على مساعدات الدول "الكافرة" وتنشط بها الإرساليات المسيحية تُطعم وتعالج وتحفر الآبار فهذه مأساة تدعو إلى الخجل والبكاء لا إلى التباهي.

ومما زاد من وقع مأساتنا اغترار كثير منا بمزاعم "أهل السنة والجماعة" و"السلف الصالح" – وهم أوضح نموذج عن التديّن العاطفي البارد الساكن - وبثقافة السلبية التي ينشرونها حتى جاء طوفان الأقصى فأزال أقنعة التسنن الزائف كما أزال عن الوجوه الكالحة آثار التجميل وظهر الرجال والأدعياء على حقيقتهم، وينبغي لكل مسلم أن يعتبر بهذا فيترك دعاة التدين "المحايد" ويتبع موكب الدعاة الربانيين الذين يحسنون العبادة في محراب الحياة والتدافع السنني والجهاد بكل أنواعه كما يحسنونها في محراب الصلاة والتبتل والترتيل.

إن التدين العاطفي يقيم معارك طاحنة حول مسائل فرعية خفيفة الوزن في ميزان الشرع لكنه يتلاءم بأريحية كبيرة مع مجتمع "مسلم" أكثر أهله لا يصلون، لا يزكون أموالهم، يصومون تقليدا، أغلب أبنائهم يتعاطون المهلوسات والمخدرات، الأغلبية الساحقة من نسائهم متبرجات، الخمور تسيل مدرارا في بلادهم، لا يأمرون بمعروف ولا ينهون عن منكر، إذاعاتهم وشاشاتهم كلها غناء ورقص وضحك وسخرية طول اليوم، معاملاتهم ربا و رشوة، يتفرجون على أطفال غزة يموتون جوعا ويشغلون الناس بالعمرة ، التراويح ، الأصوات الحسنة، الحزب الراتب، المسح على الجوارب، قراءة القرآن جماعة...أليست هذه جريمة في حق الإسلام؟

التدين العاطفي يتضايق من هذا الكلام القاسي الذي يشرّح واقنا الديني بلا قفازات، ولا يحب سماعه ويفضل الأحلام والأماني والأوهام باسم التفاؤل، لكن الإسلام يفرض علينا إحياء التدين الواعي البصير كما بلّغه الرسول صلى الله عليه وسلم.


 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

التدين، الدين، الفكر، العقل،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 12-02-2025  

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك

 مشاركات الكاتب(ة) بموقعنا

  هذا هو معاوية بن أبي سفيان
  عن حالنا مع غزة والأمة
  رمضان وإحياء الربانية
  التديّن العاطفي والتديّن الواعي
  خواطر شامية
  درس غزة الأكبر
  صمدت غزة وانتصرت
  طوفان الأقصى والغرب ودورة التاريخ
  متدينون لكن...
  من بركات طوفان الأقصى
  الحل هو نبذ الاستبداد
  عن أحداث سورية الشقيقة
  صنصال والآخرون
  رسائل الكيان الصهيوني إلى العرب والمسلمين
  عن إضراب طلبة الطب
  أفضلُ تديّن ما كان مقترنا بجهد
  رسالة مفتوحة إلى الأموات
  هل يستفيق "السلفيون"؟
  تجديد العهد مع غزة الصامدة
  ألف تحية لطوفان الأقصى في ذكراه الأولى
  "وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم"
  المدرسة وهمومها
  كيف نخدم قضية فلسطين؟ غزة تنزف...وفلسطين القضية الكبرى.
  غزة بين مناصر ومخذّل
  سورة البقرة والعنوسة والجنّ
  كلمة عن أولمبياد باريس
  الوصايا العشر المستقاة من طوفان الأقصى
  فن الرواية بين السنوار وهوارية
  حتى نرتفع إلى مستوى القرآن
  آسيا جبار... وجه للتغريب

أنظر باقي مقالات الكاتب(ة) بموقعنا


شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
فتحي العابد، جاسم الرصيف، علي عبد العال، ياسين أحمد، حميدة الطيلوش، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، الهيثم زعفان، أبو سمية، صفاء العراقي، طلال قسومي، يحيي البوليني، صالح النعامي ، محمد أحمد عزوز، ماهر عدنان قنديل، صباح الموسوي ، إسراء أبو رمان، محمود طرشوبي، عمار غيلوفي، عواطف منصور، رمضان حينوني، حسن الطرابلسي، د - محمد بنيعيش، عبد العزيز كحيل، عبد الله الفقير، فوزي مسعود ، د.محمد فتحي عبد العال، عزيز العرباوي، د- محمد رحال، رحاب اسعد بيوض التميمي، المولدي الفرجاني، صفاء العربي، ضحى عبد الرحمن، مصطفي زهران، د - عادل رضا، فهمي شراب، د- محمود علي عريقات، رافد العزاوي، د - مصطفى فهمي، محمود فاروق سيد شعبان، أحمد بن عبد المحسن العساف ، مصطفى منيغ، د - محمد بن موسى الشريف ، مجدى داود، فتحي الزغل، سليمان أحمد أبو ستة، د- جابر قميحة، د - صالح المازقي، د - الضاوي خوالدية، سفيان عبد الكافي، سامر أبو رمان ، حاتم الصولي، فتحـي قاره بيبـان، محمد اسعد بيوض التميمي، عمر غازي، محمد الطرابلسي، محمد عمر غرس الله، إياد محمود حسين ، سلام الشماع، بيلسان قيصر، سامح لطف الله، يزيد بن الحسين، منجي باكير، عبد الغني مزوز، سعود السبعاني، سيد السباعي، خبَّاب بن مروان الحمد، عبد الرزاق قيراط ، د. خالد الطراولي ، المولدي اليوسفي، د. عادل محمد عايش الأسطل، محرر "بوابتي"، د. أحمد محمد سليمان، د. ضرغام عبد الله الدباغ، نادية سعد، طارق خفاجي، كريم السليتي، عراق المطيري، أحمد ملحم، أحمد الحباسي، محمد العيادي، موسى عزوق، أحمد النعيمي، رشيد السيد أحمد، سلوى المغربي، علي الكاش، د- هاني ابوالفتوح، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، محمد الياسين، إيمى الأشقر، خالد الجاف ، د. طارق عبد الحليم، الهادي المثلوثي، رافع القارصي، محمد علي العقربي، د - المنجي الكعبي، تونسي، مراد قميزة، أشرف إبراهيم حجاج، كريم فارق، صلاح الحريري، أنس الشابي، د. مصطفى يوسف اللداوي، حسني إبراهيم عبد العظيم، د. عبد الآله المالكي، وائل بنجدو، د - شاكر الحوكي ، العادل السمعلي، رضا الدبّابي، صلاح المختار، محمد شمام ، محمد يحي، عبد الله زيدان، د. كاظم عبد الحسين عباس ، د. صلاح عودة الله ، الناصر الرقيق، أ.د. مصطفى رجب، حسن عثمان، محمود سلطان، أحمد بوادي، د. أحمد بشير،
أحدث الردود
ما سأقوله ليس مداخلة، إنّما هو مجرّد ملاحظة قصيرة:
جميع لغات العالم لها وظيفة واحدة هي تأمين التواصل بين مجموعة بشريّة معيّنة، إلّا اللّغة الفر...>>


مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضاة من طرفه أومن طرف "بوابتي"

الكاتب المؤشر عليه بأنه من كتاب موقع بوابتي، هو كل من بعث إلينا مقاله مباشرة

سياسة الخصوصية
سياسة استعمال الكعكات / كوكيز