العاصفة تكشف عن واقع التدمير الاستعماري الفرنسي لجزيرة مايوت الإسلامية
د - المنجي الكعبي - تونس
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 149
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
أجلْ، العاصفة تكشف عن واقع التدمير الاستعماري الفرنسي لجزيرة مايوت الإسلامية القائمة بعضويتها في جامعة الدول العربية ضمن جمهورية جزر القمر العربية.
قبل نزول القضاء بالعاصفة الهوجاء التي قتلت ما لا يحصى عددا من الأرواح ودمرت كافة المرافق والأشجار والأسقف والملاجئ بسرعة رياح تفوق الخيال كانت مايوت مسرحا لاضطرابات كبيرة كمستعمرة فرنسية وعمليات قمع عنصرية استصفائية موجهة إليها من باريس بذريعة التخلص من تصاعد الهجرة إليها من العرب والمسلمين من دول الجوار وتجاوز النسل فيها فوق الحد المقبول فرنسيا. وفي السنوات الأخيرة ضاعفت السلطات آلتها الجهنمية للتضييق على سكانها والإبقاء على إمكانيات العيش فيها في حدود الصفر لاستفراغها من المهاجرين منعا لاحتمال قيام مطالبات جدية باستقلالها وطرد كل حضور فرنسي مواكبة لما يحصل له في إفريقيا جنوبي الصحراء، تأسيا بالثورات التي عرفتها الجزائر وليبيا وغيرهما في نطاق تصفية الاستعمار.
***
مايوت أو جزيرة الموت أو مايوطا كما تسميها المراجع كشفها كشفها ابن ماجد الملاح النجدي والجغرافي ذائع الصيت في القرن التاسع الهجري.
ولا أحد تحدث عن أصل التسمية التي حرفها اللسان الفرنسي المستعمر على منوال غيرها من مددنا. فكنتَ لا تجد من الباحثين الأوروبيين ومن لف لفهم إلا ويتوقفون عند الأصل اللاتيني للكلمة إذا لم يجدوا اليهودي الأقدم. كما وقفوا على تسمية القيروان وشككوا في أصلها العربي وعلاقتها ببعض الأسماء البربرية أو آثار الكنائس أو المعابد اليهودية في مكانها. وما وجدناه أقرب في لفظها من القرآن الكريم، وقريبا من وزنها كالنهروان وعسقلان. من قرّ بالمكان أي أقام به.
فمايوت أو مايوطا Mayotte نجده أقرب في نطقه بلسان الفاتحين من اسم عربي أليف عندهم مبارك هو كتاب الموطّأ للإمام مالك رضي الله عنه، من وطّأ الموضعَ أي صيّره وطيئا، أي خفضه ووطّأَ للموضوع مهّد له فهو موطأ. فأطلقوه على جزيرتهم الحالمة التي تغوّل الاستعمار الفرنسي وألحقها بأراضيه على اليابسة بأوروبا لينعم بالسياحة على شمسها ورمالها الذهبية وسمكها اللذيذ دون أصحابها الذين حرمهم حتى من أبسط الحقوق التي ينعم بها أبناء المسدّس (بتعبيرهم عن شكل فرنسا) ومن هذه الحقوق الجنسية والضمان الاجتماعي.
ومن أسوإ من رماهم به ماكرون للمسارعة بنجدتهم من هول ما أصابهم من غضب الله على المعمرين الفرنجة عندهم هو وزير الداخلية المستقيل في حكومة بارنية اللابرلمانية (روطايو) المعروف بقسوته الشديدة على المسلمين والمهاجرين. ولعله لذلك صرف النظر بايرو الوزير الأول المكلف بتأليف الحكومة، المعروف بعكسه باحترام الأقليات ومعاملتهم المسلمين سواء كغيرهم من الفرنسيين، وفضل أن يتغيب عن الاجتماع الوزاري مع رئيس الدولة حول الوضع الجاد في مايوت مكتفيا بمتابعة، الموضوع عن بعد خلال انشغاله في بلدته(بو) Pau بصفته شيخ المدينة.
روطايو هذا عاد مصدوما من مهمته وغير قادر على تقديم بيان عن الأوضاع. فقط في تصريح له اكتفى بالقول بمنع أعمال النهب المحتملة. وهو لا يعلم أن ما يطلق عليه قانونا نهب وسرقة لها أحكام في أحوال الضرورة كالحالة التي أصبحت فيها الجزيرة. وهم مسلمون قبل كل شيء، وعليهم ألا يخضعوا لمواصفات الاستعماريين لأعمالهم، من قبيل مقاومة المنكر والانتقاض على الظالم. فتقديم المساعدات والعلاج أهم من تتبع أعمال النهب والسرقة واتهام المعارضين للسلطة الفرنسية بها، واستغلال هذه الكارثة لتطبيقات إجراءات هم رافضون لها كالتمسك بحق الانتماء للأرض.. وإسرائيل أمام أعينهم وما فعلته مع الفلسطينيين.
فالإعلام الغرنسي الموجه بلسان حال السياسيين المعارضين للوجود الإسلامي في فرنسا والمتأففين من استقبال المهاجرة واللجوء لا يجدون ما يروّحون به عن أنفسهم من التفاعل الإيجابي مع منكوبي الجزيرة إلا تعديد كثرة السكان فيها من المهاجرين العرب والمسلمين، والنسبة العالية من تزايد النسل، ما يسبب وضعية الخصاصة والتخلف والاضطرابات التي تلازم الجزيرة منذ سنوات، وبذلك يغرّد دعاة العنصرية اليمينيين المتطرفين.
ولا يستمعون إلى الأصوات الحكيمة التي تنادي بمنح هذه الجزيرة كبقية الجزر استقلالها، وأنه لمن معاكسة طبيعة التحولات إصرار باريس على قمع الحركات الانفصالية.
***
فرنسا الإسلامية التي كادت تصبح كذلك في يوم من أيام ماضيها الاستعماري عندما شملت تحت حكمها في مستعمراتها الإفريقية أكبر مجموعة إسلامية، ولكنها ارتدّت عن مشروعها الاتحادي خشية أن يقتضي ذلك أن يتغير الدستور ليكون أصدق تعبيرا عن الواقع الاجتماعي والسياسي الجديد.وهي اليوم تقاوم داخليا أغلبية إسلامية هي الأكثر عددا في أوروبا، تقاومها ديمقراطيا عن طريق عدد هام من الأحزاب المتعاطفة مع قضايا هذه الأغلبية ومع المهاجرين عامة من الأفارقة ومع الحركات الاستقلالية في المستعمرات الباقية فيما وراء البحار كأرخبيل مايوتا (الموطأ إذا أردنا التسمية بلسان سكاتها الأصليين كما قلنا).
------------
تونس في ١٤ جمادى الثانية 1445 ه / ١٦ ديسمبر 2024م
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: