الأمر بالمعروف يقتضي النهي عن المنكر
د- جعفر شيخ إدريس
المعروف هو الخير الذي فطر الله العباد على معرفته، وأما المنكر فإنما هو نقيض المعروف، فالمعروف إذن هو الأساس؛ فلا يكون نهي عن منكر إلا استنادًا إلى خير قد عُرف، ولما كان الإسلام فطرة الله التي فطر الناس عليها فقد جاء بالأمر بهذا الخير الذي تعرفه الفطرة وإشاعتِه؛ والنهي عن الشر الذي تنكره الفطرة وتقليصِه.

وقد يقول قائل: إذا كان المعروف هو الأساس وكان المنكر نقيضه؛ أفلا يكفي الإنسان أن يكون عارفًا بالمعروف؛ لأنه إذا عرف المعروف أنكر المنكر؟ ثم ألا يكفي أن تكون الدعوة دعوة إلى المعروف من غير تعرُّض للمنكر؛ لأن مجرد الدعوة إلى المعروف هي نهي عن المنكر الذي يضاده؟ وقد يقال أيضًا: إذا أمرت إنسانًا بالمعروف وامتثله تكون قد حصَّنته من الوقوع في المنكر فلا تحتاج إلى أن تنهاه عنه. أقول: كلاَّ؛ لأن النهي عن المنكر هو من مقتضيات الأمر بالمعروف، فإذا أمرت بمعروف ولم تنهَ عن المنكر الذي يضاده ويقابله لا تكون قد أعطيت الأمر بالمعروف حقه، ولا تكون قد حصَّنت من أمرته بالمعروف تحصينًا كاملًا.

ولأن النهي عن المنكر هو من مقتضيات الأمر بالمعروف صارا كالشيء الواحد في الهدي القرآني: {وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إلَى الْـخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْـمُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْـمُفْلِحُونَ} [آل عمران: 104]، {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإنجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْـمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْـمُنكَرِ} [الأعراف: 157].

وفي القرآن وفي سنة النبي صلى الله عليه وسلم نصوص كثيرة ترى فيها كيف أن الأمر بالمعروف مقرون بالنهي عن المنكر.
من ذلك في باب الإيمان: قوله تعالى: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إلاَّ اللَّهَ} [آل عمران: 64] هذا أمر بمعروف {وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِّ...