البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبمقالات رأي وبحوثالاتصال بنا
 
 
   
  الأكثر قراءة   المقالات الأقدم    
 
 
 
 
تصفح باقي إدراجات الثورة التونسية
مقالات الثورة التونسية

العلاقات التونسية الفرنسية أو "الصداقة الموهومة"

كاتب المقال عادل بن عبد الله - تونس   
 المشاهدات: 5846



من المواقف التي لا ينساها التونسيون، تصريح وزيرة الخارجية الفرنسية ميشيل آليو- ماري قبل ثلاثة أيام من هروب المخلوع؛ باستعداد بلادها لمساعدة النظام بما يحتاج إليه من معدات لقمع الاحتجاجات حتى تنقذه في اللحظات الحاسمة من الثورة التونسية. ورغم استقالة هذه الوزيرة بسبب ما مثّلته من إحراج لفرنسا بحكم علاقتها وأسرتها بعائلة المخلوع، فإن موقفها كان يُمثل الحكومة الفرنسية ويعكس المنطق الذي ما زالت فرنسا تصرّ على اعتماده في علاقتها بتونس حتى بعد الثورة.

كانت تونس بالنسبة للوزيرة الفرنسية وحكومتها "باحة فرنسا الخلفية"، ولم يكن الموقف الأمريكي المناصر للتحركات الاحتجاجية ليُغير شيئا من هذا الواقع الجيواستراتيجي ومما يفرضه على العقل السياسي الفرنسي. ولذلك كان نجاح الثورة التونسية تهديدا كبيرا لفرنسا، وكان "الفشل التونسي الذريع" كما وصفته الصحف الفرنسية (أي نجاح الثورة والعجز عن توقع سقوط النظام التابع لفرنسا بلحظتيه الدستورية والتجمعية) لحظة كارثية بالنسبة للاستخبارات الخارجية الفرنسية، وهو ما ستحاول فرنسا تداركه بمحاولة التحكم في مسارات "مأسسة الثورة" عبر وكلائها المحليين من مختلف المدارس الفكرية.

سقوط المخلوع أو فشل المخابرات الخارجية الفرنسية

رغم أن المخلوع كان أحد حلفاء فرنسا "البغيضين" (أي أحد المستبدين الذين يُحرجون ادعاءات فرنسا في الدفاع عن منظومة حقوق الانسان الكونية بحكم سياساته القمعية حتى ضد "الديمقراطيين" من "أصدقاء فرنسا")، فإن بقاءه في الحكم كان خيارا استراتيجيا للحكومات الفرنسية المتعاقبة سواء أكانت من اليمين أم من اليسار. كانت المعلومات الاستخباراتية الخاطئة التي بعث بها السفير الفرنسي في تونس (وآخرها صباح سقوط المخلوع عندما أعلم باريس بأن الرئيس قد أعاد فرض "النظام" في تونس) السبب الرئيس في الصفعة التي تلقتها الحكومة الفرنسية آنذاك، وهي "صفعة" تعكس المنطق العميق الذي تعاملت به فرنسا مع الثورة التونسية وما زالت. وتمكن صياغة هذا المنطق في المعادلة التالية: نجاح الثورة هو فشل لفرنسا.

وقد يكون علينا في هذا الموضع (لرفع اللبس) أن نوضح أنّ "فرنسا" التي صُفعت هي فرنسا الاستعمارية، لا فرنسا الثورة وحقوق الإنسان وفلسفة التنوير التي لا يمكن أن تُعادي (على الأقل بصورة صريحة) أي مشروع ثوري تحرري. ورغم أن فرنسا الرسمية لم تفصل يوما في سياساتها التوسعية الخارجية (في صيغتها العسكرية المباشرة وفي صيغتها غير المباشرة) بين المصالح الاقتصادية وبين الغطاء الأيديولوجي المتمثل أساسا في "الرسالة الكونية" لنشر حقوق الانسان والتنوير، فإن الثورة التونسية كانت لحظة من اللحظات الحاسمة في فضح النفاق الفرنسي وزيف ادعاءاته الحقوقية، خاصة في بعدها الجماعي (الاقتصادي والسياسي).

هل هي صداقة أم تبعية بغطاء مجازي؟

بعيدا عن "مجازية" اللغة الدبلوماسية وما تحجبه من حقائق، وبعيدا عن السرديات الرسمية على ضفتي المتوسط، فإن صفة "الصداقة" التي كثيرا ما تحضر عند الحديث عن العلاقات التونسية الفرنسية تحتاج إلى نقد جذري انطلاقا من استقراء تاريخ هذه العلاقات وواقعها. قديما كان الفلاسفة يشرطون الصداقة بأن تكون بين متناظرَين، وكانت"الحرية" من أهم شروط التناظر، فالصداقة لا تكون بين حر وعبد. وإذا ما تجاوزنا المستوي البَيذاتي في علاقات الصداقة إلى مستوى العلاقات بين الدول، فإن من حقنا أن نتساءل عن إمكان وجود "صداقة" بين قوة دولية وبين مستعمرة سابقة تفتقد مقوّمات السيادة في مختلف مستوياتها الاقتصادية والثقافية والعسكرية، بل إن من حقنا أن نتساءل عن إمكان قيام صداقة حقيقية بين "ثورة" وبين دولة كانت تعتبر نجاح تلك الثورة فشلا سياسيا واستخباراتيا لها، وما زالت كل تدخلاتها في الشأن التونسي تعكس سعيا دؤوبا لإفشال أي مشروع للتحرر (أو حتى لتعديل شروط "التبادل اللامتكافئ" في الخيرات المادية والرمزية) وتعتبر كل ذلك خطرا استراتيجيا على مصالحها في "حديقتها الخلفية".

الدور الفرنسي المشبوه بعد الثورة

لقد كانت السياسات الفرنسية في تونس دائما تعمل بصورة نسقية ضد مبدأ "حق تقرير المصير"، ولم تكن وثيقة الاستقلال الصوري عنها إلا تجسيدا من تجسيدات هذا العقل الاستعماري الذي كان وما زال يؤمن بأنه لا وجود لفرنسا دون حدائق خلفية أفريقية تابعة وخاضعة لتعليمات باريس. ولمّا كان المنطق الاستعماري الفرنسي (في لحظتيه الاستعماريتين المباشرة وغير المباشرة) متميزا عن الاستعمار البريطاني بمركزية البعد الإأيديولوجي، فقد سعت فرنسا بعد الثورة التونسية إلى توظيف مزاعمها الحقوقية لتحقيق مكسبين أساسيين: من جهة أولى تعميق الانقسام المجتمعي ومنع انبثاق أي مشروع مواطني جامع، ومن جهة ثانية حرف الصراع عن مداراته الاقتصادية الاجتماعية وحصره في سجالات "أيديولوجية" ترتبط بالحقوق الفردية دون الحقوق الجماعية؛ التي قد يهدد طرحها بنسف الهيمنة الفرنسية ونزع الشرعية عن الأساطير التأسيسيسة للنمط المجتمعي التونسي (وهو نسخة مشوّهة وفاسدة من اللائكية الفرنسية وقيمها الجمهورية)، أي قد يهدد بنزع الشرعية عن وكلاء المصالح الفرنسية في تونس ونسف منوالها التنموي الذي أصبح مدخلا ملكيا للدولة الفاشلة. وقد لا نحتاج لبيان صدقية هذا التحليل لأكثر من طرح هذا السؤال: ما هي مسارات "مأسسة الثورة" التي دعمتها باريس غير تلك المسارات التي تخدم مصالح المنظومة القديمة (ماديا ورمزيا) وتُرسخ التبعية الاقتصادية والثقافية لفرنسا أو تعمق الانقسام المجتمعي على أساس هوياتي بائس؟

هل يمكن بناء مشروع تحرر بشروط المستعمر؟

ليس من باب الشوفينية أن نقول إن "الصداقة" التونسية الفرنسية (أو بالأحرى تبعية أغلب النخب التونسية لفرنسا وعجزهم عن التفكير خارج نموذجها اللائكي المأزوم) هي سبب من أهم أسباب هشاشة الثورة التونسية وعجزها عن بناء أي مشروع وطني حقيقي، رغم مرور عشر سنوات على سقوط المنظومة القديمة. وقد يكون من المبالغة أن نحصر الفشل في الدور الفرنسي المشبوه بعد الثورة، ولكننا لن نجانب الصواب إذا ما قلنا إن المشروع الوطني الجامع سيكون حاملا لأسباب فشله إذا ما عجز عن قطع الحبل السُّري بفرنسا اقتصاديا وثقافيا، وهو ما لا يعني بالضرورة معاداتها، بل منتهى ما يعنيه تجاوز استعارة "الصداقة" الكاذبة وبناء الشراكة على أسس أكثر إنصافا وأشد ارتباطا بشعارات الثورة واستحقاقاتها.


 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

تونس، فرنسا، بقايا فرنسا، التبعية،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 20-12-2020   الموقع الأصلي للمقال المنشور اعلاه المصدر: عربي 21

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك
شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
د. خالد الطراولي ، أنس الشابي، د - شاكر الحوكي ، د- محمد رحال، د- هاني ابوالفتوح، ماهر عدنان قنديل، د. مصطفى يوسف اللداوي، إيمى الأشقر، بيلسان قيصر، سعود السبعاني، أحمد بن عبد المحسن العساف ، د - المنجي الكعبي، صالح النعامي ، منجي باكير، المولدي الفرجاني، عمر غازي، أحمد ملحم، حسني إبراهيم عبد العظيم، د. أحمد بشير، محمد عمر غرس الله، وائل بنجدو، سامح لطف الله، محرر "بوابتي"، سلام الشماع، عراق المطيري، عواطف منصور، محمد علي العقربي، حسن الطرابلسي، محمد الطرابلسي، سامر أبو رمان ، محمود سلطان، كريم فارق، العادل السمعلي، رضا الدبّابي، محمد شمام ، د. عادل محمد عايش الأسطل، د- جابر قميحة، علي عبد العال، سفيان عبد الكافي، أحمد الحباسي، مصطفى منيغ، محمد العيادي، الهيثم زعفان، فهمي شراب، أبو سمية، مجدى داود، طارق خفاجي، ضحى عبد الرحمن، أشرف إبراهيم حجاج، يزيد بن الحسين، سلوى المغربي، د. كاظم عبد الحسين عباس ، صفاء العراقي، د. عبد الآله المالكي، عبد الرزاق قيراط ، محمد الياسين، يحيي البوليني، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، د.محمد فتحي عبد العال، صلاح الحريري، عزيز العرباوي، إياد محمود حسين ، صباح الموسوي ، فتحـي قاره بيبـان، رافع القارصي، خالد الجاف ، محمود فاروق سيد شعبان، عبد الله زيدان، سيد السباعي، ياسين أحمد، الناصر الرقيق، صفاء العربي، د - صالح المازقي، تونسي، د - عادل رضا، محمد أحمد عزوز، د - الضاوي خوالدية، عبد الله الفقير، د - محمد بنيعيش، طلال قسومي، مراد قميزة، د- محمود علي عريقات، كريم السليتي، رافد العزاوي، فتحي العابد، حاتم الصولي، د - مصطفى فهمي، د. طارق عبد الحليم، رحاب اسعد بيوض التميمي، نادية سعد، مصطفي زهران، محمد يحي، محمد اسعد بيوض التميمي، عبد الغني مزوز، عبد العزيز كحيل، خبَّاب بن مروان الحمد، د. أحمد محمد سليمان، إسراء أبو رمان، جاسم الرصيف، د - محمد بن موسى الشريف ، حسن عثمان، د. ضرغام عبد الله الدباغ، حميدة الطيلوش، الهادي المثلوثي، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، صلاح المختار، أحمد بوادي، فوزي مسعود ، رشيد السيد أحمد، أ.د. مصطفى رجب، رمضان حينوني، فتحي الزغل، أحمد النعيمي، د. صلاح عودة الله ، سليمان أحمد أبو ستة، محمود طرشوبي، علي الكاش، عمار غيلوفي،
أحدث الردود
ما سأقوله ليس مداخلة، إنّما هو مجرّد ملاحظة قصيرة:
جميع لغات العالم لها وظيفة واحدة هي تأمين التواصل بين مجموعة بشريّة معيّنة، إلّا اللّغة الفر...>>


مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضات من طرفه أومن طرف "بوابتي"

كل من له ملاحظة حول مقالة, بإمكانه الإتصال بنا, ونحن ندرس كل الأراء