البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبمقالات رأي وبحوثالاتصال بنا
 
 
   
  الأكثر قراءة   المقالات الأقدم    
 
 
 
 
تصفح باقي إدراجات الثورة التونسية
مقالات الثورة التونسية

تسريبات "الحريم السياسي" التونسي ودلالاتها

كاتب المقال نور الدين العلوي - تونس   
 المشاهدات: 2790



احتفل التونسيون بالعيد على وقع تسريبات مديرة ديوان الرئيس اللاجئة في باريس أو في الإمارات (فالعاصمتان تحتضنان كل أعداء الديمقراطية التونسية). كشفت التسريبات الوجه الخفي لما يدور في القصر من مؤامرات ومكائد، وكشفت بالخصوص أن سكان القصر لا يحترمون المواقع ولا يولون أهمية للمؤسسات ويستهينون بالدولة، وفي كل ذلك استهانة بالناس أو الشعب رغم أنه أوصلهم إلى هذه المواقع ومنحهم الدولة.

هذه التسريبات تكشف خطا رابطا بين سلوكيات وأساليب عمل كل الذين دخلوا القصر أو حاموا حوله قديما وحديثا. وهو أن تمثلهم للدولة أو خيالهم السياسي لا يتعدى سلوك الحريم القديم كما صورته روايات الاستشراق الغربي عن قصور السلطان الشرقي، يستوي في ذلك النساء والرجال، بما يجعلنا نؤكد فكرة كانت ظاهرة للعيان منذ زمن؛ أن الدولة بكل معانيها لم تحضر إلا في ذهن من يعارضها، لذلك كانت معارك السياسة في تونس (والأمر قابل للتعميم عربيا) غير متكافئة لأنها جرت دوما بين تمثلات سياسية راقية ومبدئية؛ وبين تكايد حريمي لا يرتقي فوق طلب اللذة الحسية.

مديرة الديوان التي تسخر من رئيسها

غالب التونسيين يعيش حالة غضب وخيبة أمل تجاه الرئيس كشفتها الاستشارة الفاشلة، لذلك وجد الكثير منهم متعة الشماتة في الرئيس بما كشفته الوزيرة الهاربة من مرضه و"هلوساته"، ونسي كثيرون طرح السؤال عن الظهور الفجائي لمديرة الديوان في القصر وتصدرها المجالس، فالمرأة القادمة من المجهول حكمت طيلة سنتين بأمرها؛ حتى أنها كانت تحضر في الصف الأول اجتماعات الأمن القومي وتدخل الثكنات خلف الرئيس. من جاء بها إلى القصر؟ كيف تمكنت من حياض الرئيس ووجهت العمل الرئاسي؟ منطقة مجهولة لم تتسرب منها أخبار لأحد. وحتى اللحظة لم يعرف أحد كيف فسدت العلاقة بينها وبين الرئيس، ولا كيف ظهرت فجأة في باريس في وقت منع فيه كل الطيف السياسي من السفر.

ظهورها وتحكمها في القصر ثم اختفاؤها يُقرأ كعلامة على الاستهانة بالمنصب والدور، وبالتالي استهانة بالدولة نفسها. سيرة هذه المرأة منذ ظهورها إلى انتشار تسريباتها علامة على احتقار الدائرين حول السلطة (سواء من الداخل أو الخارج) للناس وللدولة كرمز ومعنى ومؤسسات، فالدولة عندهم ليست دولة فعلا ولا الناس يرتقون عندهم إلى شعب جدير بالاحترام، بل غنيمة باردة يمكن التمتع بها، أما السُبل الموصلة فكلها مشروعة بما في ذلك خدمة عدو خارجي.. سلوك يشبه وصول الجواري الحسان إلى مخدع السلطان.

لقد كانت تحكم ديوان الرئيس وتزعم -مخاطبة السفراء- بأن رئيسها لا يؤخذ برأيه ولا يعامل كراشد مسؤول عن عمله وإنما يعامل معاملة الأطفال القصر.. وكانت تعرف مرضه وتستغله لتتحكم في عمله السياسي، وتخفي ذلك عن الناس رغم أن مرض المسؤول الأول يعتبر سرا من أسرار الدولة، وعليه تبنى سياسيات الأمن والعلاقات الخارجية خاصة. لكن هل كان امتهانها للرئيس يقف عند حدود الرئيس أم يتعداه لقادة الجيوش الذين وقفوا كثيرا خلفها صامتين؟

المعارضة الهيجلية

عندما وصل معارضو الدولة إلى الحكم بفضل الثورة وصندوق الانتخاب الشفاف رأيناهم يراعون القانون ويحرصون على سلامة الإجراءات، ويفرضون احترام تقسيم السلطة بين مراكزها الفاعلة. رأينا أخطاء ونواقص في الإدارة اليومية لشؤون الحكم، ولكن لمسنا بقوة أن من حكم كان يحمل تقديرا عاليا للدولة ولمؤسساتها. حتى أن فترة مرور الدكتور المرزوقي بقصر قرطاج ظلت استثناء غريبا في تاريخ السلوكيات الحريمية التي حكمت القصر منذ بنائه. (لدينا شهادات تاريخية مكتوبة على أن زوجة بورقيبة كانت تتخابر مع نظام القذافي من داخل غرفة نوم الزعيم لمصلحة عائلية، وهو ما استمر مع زوجة ابن علي لاحقا).

واليوم تقف المعارضة ضد الانقلاب ونجد في خطابها تصورا للدولة يعلي فكرة تواصلها وقيامها على دستور مجمع عليه وتقوم على تصور للحكم يتجاوز رغبات الأشخاص، وخاصة على سياسات مكشوفة وشفافة تدار تحت أنظار سلطات رقابية منتخبة، وتحت سلطة إعلام حر. وهذا في تقديرنا هو آخر تمثلات الدولة الحديثة كما وصلتنا من التجارب الناجحة للحكم، حيث كتب هيجل عن دولة في خياله جسدتها السياسات لاحقا.

لقد فشلت المعارضة في حفظ الدولة بين يديها ويمكن القول إنها انهزمت، وهو ما يجعل سياسة المخادع تنتصر مرة أخرى على سياسة المبادئ ويجعلنا نطرح السؤال: هل كان على المعارضين القدامى والذين مكنتهم الثورة من الحكم لفترة قصيرة أن يسلكوا سلوك الجواري ليحتفظوا بالسلطة؟ ماذا سيبقى من الدولة لو سلك الجميع مسلك الجواري والغلمان؟

المروءة ضد الغريزة

قراءة تاريخ العرب السياسي منذ معاوية يسبب لنا خيبة ماحقة. نلتقط شذرات وفواصل في هذا التاريخ ونود لو نستعيدها فيحكمنا الأشخاص الأفذاذ الذين صنعوها، لكن في ردهات التاريخ الأوسع كان حكم الجواري والغلمان أحيانا أشد تأثيرا. منظومتان من القيم التي تحكم السياسات والدول حتى قبل أن يكتب هيجل في الدولة: منظومة المروءة أو الفروسية مقابل منظومة الرداءة أو البذاءة أو الانحطاط أو الغريزة (بودي أن أجد لفظا جامعا لكل هذه المعاني).

الفروسية/ المروءة تتعفف تزهد تتسامى فوق الشخصي والفردي والغريزي وتقدم أمثلة للرقي بالدولة واحترام المحكومين، بينما تنحط الغريزة بمن يحكم فيعبث بالمال العام وبوسائل الدولة ومؤسساتها وقوانينها، ويحول السلطة والدولة إلى إقطاع شخصي وعائلي وفئوي وجهوي.

ونضع تسريبات الوزيرة ضمن هذا السياق الغريزي الذي سيطر على السلطة والدولة من الثورة وأعادها إلى وضعها المنحط، حيث لا قيمة للشعب ولا مؤسساته ولا قوانينه. لقد سمعنا ضحكات الوزيرة الساخرة من الرئيس فوجدنا فيها كل علامات الاحتقار للشعب وللدولة قبل الرئيس. لقد كانت ضحكات من جنس أسلوب الوصول إلى القصر والتحكم فيه، وهو ما جعل الرئيس الذي سمح بذلك الذي ينكشف يوما بعد يوم بأنه ليس أكثر من كائن غريزي فاقد لكل مروءة، ولكل أخلاق فرسان السياسة الذين تحفظهم الذاكرة الجمعية وتقتدي بهم. تلك الضحكات أصابت الدولة في مقتل.


 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

إنقلاب قيس سعيد، تونس، الثورة المضادة، إتحاد الشغل، نادية عكاشة، حركة النهضة،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 4-05-2022   الموقع الأصلي للمقال المنشور اعلاه المصدر: عربي 21

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك
شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
محمد يحي، علي عبد العال، طارق خفاجي، نادية سعد، مجدى داود، رمضان حينوني، رضا الدبّابي، سامر أبو رمان ، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، يحيي البوليني، د - محمد بنيعيش، د - مصطفى فهمي، د - شاكر الحوكي ، فوزي مسعود ، صلاح الحريري، يزيد بن الحسين، عبد العزيز كحيل، سامح لطف الله، فتحي الزغل، محمد اسعد بيوض التميمي، سلام الشماع، صباح الموسوي ، د - الضاوي خوالدية، حسن الطرابلسي، د- محمد رحال، محمود سلطان، مراد قميزة، ياسين أحمد، د. ضرغام عبد الله الدباغ، إيمى الأشقر، سليمان أحمد أبو ستة، المولدي الفرجاني، فتحـي قاره بيبـان، د. طارق عبد الحليم، حسن عثمان، رافد العزاوي، د- هاني ابوالفتوح، فهمي شراب، د - المنجي الكعبي، عبد الله زيدان، د - عادل رضا، الهادي المثلوثي، الناصر الرقيق، د. صلاح عودة الله ، بيلسان قيصر، د. عادل محمد عايش الأسطل، د - محمد بن موسى الشريف ، طلال قسومي، د. مصطفى يوسف اللداوي، محمود طرشوبي، رشيد السيد أحمد، أبو سمية، صفاء العربي، أحمد بن عبد المحسن العساف ، فتحي العابد، صفاء العراقي، محمد أحمد عزوز، محمود فاروق سيد شعبان، ماهر عدنان قنديل، عمار غيلوفي، أشرف إبراهيم حجاج، د. أحمد بشير، د. عبد الآله المالكي، مصطفى منيغ، حاتم الصولي، أنس الشابي، تونسي، عبد الرزاق قيراط ، محمد الياسين، د- جابر قميحة، علي الكاش، خالد الجاف ، أحمد ملحم، د.محمد فتحي عبد العال، سعود السبعاني، كريم فارق، أحمد الحباسي، محمد شمام ، إياد محمود حسين ، حميدة الطيلوش، محمد علي العقربي، محمد عمر غرس الله، رحاب اسعد بيوض التميمي، محمد العيادي، عراق المطيري، خبَّاب بن مروان الحمد، مصطفي زهران، رافع القارصي، عبد الغني مزوز، منجي باكير، محمد الطرابلسي، وائل بنجدو، عبد الله الفقير، سلوى المغربي، د- محمود علي عريقات، أحمد النعيمي، صالح النعامي ، د. كاظم عبد الحسين عباس ، العادل السمعلي، عزيز العرباوي، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، د. خالد الطراولي ، عواطف منصور، إسراء أبو رمان، أحمد بوادي، د. أحمد محمد سليمان، سيد السباعي، ضحى عبد الرحمن، سفيان عبد الكافي، كريم السليتي، جاسم الرصيف، صلاح المختار، عمر غازي، حسني إبراهيم عبد العظيم، د - صالح المازقي، الهيثم زعفان، محرر "بوابتي"، أ.د. مصطفى رجب،
أحدث الردود
ما سأقوله ليس مداخلة، إنّما هو مجرّد ملاحظة قصيرة:
جميع لغات العالم لها وظيفة واحدة هي تأمين التواصل بين مجموعة بشريّة معيّنة، إلّا اللّغة الفر...>>


مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضات من طرفه أومن طرف "بوابتي"

كل من له ملاحظة حول مقالة, بإمكانه الإتصال بنا, ونحن ندرس كل الأراء