البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبمقالات رأي وبحوثالاتصال بنا
 
 
   
  الأكثر قراءة   المقالات الأقدم    
 
 
 
 
تصفح باقي إدراجات الثورة التونسية
مقالات الثورة التونسية

الوثن النقابي التونسي يهتز

كاتب المقال نور الدين العلوي - تونس   
 المشاهدات: 6660



عرش النقابة التونسية المسماة الاتحاد العام التونسي للشغل يهتز ويوشك أن يقع. لقد تجرأ تونسيون كثر عليه، بل وضعه البعض منهم هدفا للكسر. وقد بدأت قيادات نقابية تتجمع في السجون، فقد انكشف المستور عن نقابة يخترقها الفساد وتحميه، وتعيش بعض قياداتها منه. لذلك نسمع هذه الأيام حملة تكفيرية لكل من يرفع صوته مطالبا بمزيد محاسبة المنظمة وقياداتها، لكن قطار المحاسبة انطلق حتى رأينا أمين عام المنظمة (الطبوبي) يستبق (ربما لإنقاذ رأسه) فيقول إنه مع مقاومة الفساد في المنظمة، كأنه يكتشف منظمته فجأة.

نسمع كذلك حزيبات صغيرة تقدم نفسها محامية عن النقابة، في حين ترفع الصوت عاليا بمحاسبة الفساد في مواضع أخرى، بما يسمح لنا برؤية السبب الذي حول النقابة منذ زمن إلى وثن. ولأنهم قدسوها فقد قدست نفسها، فمارست ربوبية على التونسيين حتى دمرت ثورتهم، ولكنها تتعرى أمام جمهور لم يعد يخشى أحدا.

كذبة لا أسطورة

بنفس الخطة الفكرية التي استعملها كهنة الأصنام عبر العصور، دافع النقابيون عن منظمة وثن. لقد صنعوا تاريخا غامضا وركبوا عليه فصول نضال لم يعشها الناس، وحولوا فرحات حشاد (أحد المؤسسين لا المؤسس الوحيد) إلى نصف إله، ثم عبر نفس لعبة التكفير لمنع الجدال في "الإله النقابي" استمر العمل، فكلما حاول أحدهم نقد ممارسة نقابية دُمغ بأنه كافر بحشاد ونضالات النقابة.

لكن هذا لم يكن كافيا لوحده، لذلك تُرهب النقابة الأحزاب السياسية بتهمة الدعوشة، فمن لم يوال هذه الأيام يصير داعشيا. وهكذا يسارع السياسيون خوفا من تهمة الدعوشة ليحموا النقابة من النقد، وفي الحقيقة ليحتموا بها منها فيكونوا ضحيتها الأولى.. الطبقة السياسية خاصة التي جاءت تتعلم السياسة بعد الثور؛ة واقعة تحت وهم ربوبية النقابة.

احتماء الأحزاب بالنقابة ليس عملا نقابيا بل عمل سياسي ما قبل الثورة، وإن حصل بعدها، على غرار ما يفعله حزب التيار هذه الأيام، حيث يعرض خدماته على النقابة لصد غريمه السياسي، ائتلاف الكرامة. مقابل هذه الخدمة يستجدي التيار قوة النقابة الموهومة في مفاوضاته مع حزب النهضة، فيبقى دون وعي على دور سياسي للنقابة في زمن وجب أن يعاد فيه تحديد الأدوار والمواقع، ليقوم كل بمهمته التي نشأ من أجلها. هنا تخرج النقابة بمزيد من التقديس، فهي عنصر محدد في تأليف الحكومة. لكن هل تعفيها مكاسبها السياسية من المحاسبة الشعبية والقانونية؟

الأسطورة النقابية بدأت في السقوط

لم يعد خطاب التخويف بالخيانة يثير الخوف في نفوس كثيرة، بل بدأ يثير السخرية، ونرى أنه يتوسع، فقد رفضت عاملات في مصنع نسيج في صفاقس أن يقترب الاتحاد من مؤسستهن ليستولي على احتجاجهن، وهي حادثة ذات دلالة، ولا نعتقد أنها ستكون الأخيرة.

الصورة الأخيرة التي تترسخ عن النقابة في أذهان الناس هي أنها نقابة تابعة جهة سياسية معروفة؛ تستعملها في عملياتها السياسية ضد غرمائها السياسيين. بالتفصيل، الصورة هي أنها نقابة اليسار الذي يحارب بها الإسلاميين، ويريد الملتحقون الجدد بالنقابة أن يستعملوها لنفس الغرض، بعد أن توهموا أن اليسار قد خسر مواقعه السياسية، وبالتالي ضعف موقعه في النقابة، وهم يريدون الحلول محله هناك.

هذه المعركة لم تعد تهم التونسيين، فهموم المعيشة والغلاء والضغط اليومي لا علاقة لها بالصراع بين اليسار والإسلاميين، ولا بين الحداثة والرجعية. لذلك بدأ الناس يتنبهون (وإن بكثير من التأخير) إلى أنهم كانوا حطب معركة ليست معركتهم، وأن نقابتهم التي يفترض أن تحميهم قد قامرت بهم سياسيا وخسرت. فالإسلاميون ما زالوا هنا، بل يتقدمون للحكم، في حين أن النقابة تحولت إلى هدف للكسر.

في حالة الوعي الناشئة الآن يسمع الناس أن قيادات حزب النهضة فاسدة، ولكنهم يرون قيادات النقابة هي التي تحاكم وتسجن بتهم الفساد.. ويسمعون أن الرجعية الدينية تعادي حقوق العمال، لكنهم يرون مواقف النقابة تملى عليها من أصحاب المؤسسات الاقتصادية.. ويسمعون أن النقابة تحمي الديمقراطية، لكنهم يرونها تضيق بكل نقد وتستعمل لغة التكفير.

تناقضات صارخة لم يعد جهاز الدعاية النقابي قادرا على تسويقها للناس، لذلك تنهار الأسطورة وينهار معها الراغبون في استعمالها بعد فوات الأوان. لقد وصلوا متأخرين، وقد انطلقت الديمقراطية بدونهم وبدون النقابة.

إعادة النقابة إلى حجمها ودورها

لا أنتظر أن يخرج من النقابة من يقول بضرورة إعادة النقابة إلى حجمها الحقيقي وإلى دورها النقابي فقط، فلم أجادل يوما نقابيا فقال إن نقابته قد تجاوزت حدودها، بل يعتقد كل نقابي تونسي أن للنقابة الحق في التدخل في تشكيل الحكومة وعزل الوزراء.

هنا وجب البحث عن جهة قادرة على وضع حد لهذا العبث النقابي. ونجد في جملة الرئيس قيس سعيد في خطاب القسم بداية معالجة جدية، فقوله إن المنظمات قوة اقتراح؛ يُلزم النقابة بحدود لا تتجاوزها.

قوة الاقتراح تُسمع ويؤخذ منها ويرد عليها، ولكن في حدود ما تقترح لا ما تفرض. فليست النقابة وفي وضع فرض السياسات، خاصة إذا كانت شبهات الفساد تطاردها، وهو ما نعاينه كل يوم.

النقابة الآن ليست في وضع أخلاقي يسمح لها بالتدخل، وليست في وضع قانوني أصلا ليكون لها حق التدخل.. كل ما في الأمر أن سياسيين ضعفاء وبلا خطة سياسية يتوسلون إليها النصرة في تحصين مواقعهم في مشهد متحول، فيمنحونها وهم شرعية لا أسس له، فتكرس النقابة وضع الوثن المقدس، ويفوت قياداتها حالة الرفض العارمة لدور هذه القيادات ودور النقابة نفسها.

خطوة ضرورية لإعادة النقابة إلى حجمها وجب اتخاذها خلال هذه الفترة من عمر العمل السياسي في تونس، أي في فترة التأسيس الديمقراطي التي يمر بها البلد، وهي إنهاء الاقتطاع الآلي من رواتب المنخرطين لصالح النقابة. للتذكير، هذا إجراء فرض على الناس زمن كانت النقابة شريكا في السلطة (فترة الستينيات)، واستمر العمل به خلافا لكل تراتيب العمل النقابي في العالم. وقد آن الأوان لإنهاء خدمة الدولة للنقابة، ونحن نشهد أن بقية النقابات لا تتمتع بنفس الإجراء، بما يمنح نقابة واحدة أسبقية غير ديمقراطية في مشهد تعددي.

إنهاء الاقتطاع الآلي لا يحتاج إلى أكثر من منشور من رئيس الحكومة، ليذهب كل متحمس للنقابة فيدفع اشتراكه السنوي أو الشهري لنقابته التي يريد، فيتساوى الجميع أمام القانون، فيعود الجميع إلى حجمه وموقعه. ونرى أن رئيس الدولة يمكنه الأمر بذلك ولو بتوجيه بسيط منه لتعديل الموازين، وهي مهمته كحكم بين التونسيين، فهو معني قبل غيره بإرساء حالة عدالة يشتاق الناس لرؤيتها وتتجسد في الواقع بعد اغتصاب إرادتهم باسم إله نقابي لا يوحى إليه وإنما يوحي إلى نفسه، ويزخرف القول ليغطي فساده الداخلي وانحيازه السياسي المفضوح.


 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

تونس، النقابات، أتحاد الشغل، الثورة المضادة، اليسار بتونس، اليسار التونسي،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 6-11-2019   الموقع الأصلي للمقال المنشور اعلاه المصدر: عربي 21

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك
شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
د. خالد الطراولي ، صلاح الحريري، محرر "بوابتي"، أحمد بوادي، سفيان عبد الكافي، د - عادل رضا، د - الضاوي خوالدية، حميدة الطيلوش، أشرف إبراهيم حجاج، حسن عثمان، محمد الطرابلسي، محمد العيادي، سامر أبو رمان ، عمار غيلوفي، د. ضرغام عبد الله الدباغ، حاتم الصولي، عبد العزيز كحيل، د. عادل محمد عايش الأسطل، حسني إبراهيم عبد العظيم، فهمي شراب، تونسي، د- هاني ابوالفتوح، د. طارق عبد الحليم، إسراء أبو رمان، أ.د. مصطفى رجب، يزيد بن الحسين، سلوى المغربي، رافد العزاوي، فتحي الزغل، د. صلاح عودة الله ، مصطفى منيغ، صفاء العربي، سليمان أحمد أبو ستة، د. أحمد بشير، سعود السبعاني، العادل السمعلي، رشيد السيد أحمد، رضا الدبّابي، محمد عمر غرس الله، عبد الله زيدان، سلام الشماع، فتحي العابد، د- محمد رحال، د - صالح المازقي، محمود سلطان، حسن الطرابلسي، مجدى داود، المولدي الفرجاني، د.محمد فتحي عبد العال، خبَّاب بن مروان الحمد، أنس الشابي، عبد الله الفقير، محمود طرشوبي، ياسين أحمد، علي الكاش، د. عبد الآله المالكي، ماهر عدنان قنديل، الناصر الرقيق، الهادي المثلوثي، إياد محمود حسين ، يحيي البوليني، محمد علي العقربي، د - شاكر الحوكي ، صلاح المختار، محمد الياسين، أحمد النعيمي، مراد قميزة، علي عبد العال، عبد الغني مزوز، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، أحمد الحباسي، عبد الرزاق قيراط ، بيلسان قيصر، د - مصطفى فهمي، جاسم الرصيف، مصطفي زهران، د - محمد بن موسى الشريف ، خالد الجاف ، محمد يحي، د. مصطفى يوسف اللداوي، د - المنجي الكعبي، د. أحمد محمد سليمان، أحمد بن عبد المحسن العساف ، فوزي مسعود ، إيمى الأشقر، عراق المطيري، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، محمد أحمد عزوز، عزيز العرباوي، د- جابر قميحة، د - محمد بنيعيش، د- محمود علي عريقات، صالح النعامي ، د. كاظم عبد الحسين عباس ، رافع القارصي، سامح لطف الله، رمضان حينوني، نادية سعد، كريم فارق، فتحـي قاره بيبـان، رحاب اسعد بيوض التميمي، وائل بنجدو، عمر غازي، ضحى عبد الرحمن، أحمد ملحم، محمد اسعد بيوض التميمي، صفاء العراقي، محمد شمام ، سيد السباعي، طارق خفاجي، كريم السليتي، صباح الموسوي ، أبو سمية، عواطف منصور، الهيثم زعفان، طلال قسومي، محمود فاروق سيد شعبان، منجي باكير،
أحدث الردود
ما سأقوله ليس مداخلة، إنّما هو مجرّد ملاحظة قصيرة:
جميع لغات العالم لها وظيفة واحدة هي تأمين التواصل بين مجموعة بشريّة معيّنة، إلّا اللّغة الفر...>>


مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضات من طرفه أومن طرف "بوابتي"

كل من له ملاحظة حول مقالة, بإمكانه الإتصال بنا, ونحن ندرس كل الأراء