الناصر الرقيق - تونس
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 6269
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
يحكى أن أحد الخلفاء و كان محبّا للعلم، قام بجمع العلماء و الفلاسفة للمناظرة حول الطبع ( العلم ) و التطبّع ( التربية )، لمن تكون الغلبة في شخصيّة بني آدم ؟
أمّا الفلاسفة فقالوا التطبّع يغلب و العلماء قالوا بل الطبع، فقال لهم الخليفة فليأتي كلّ بدليله، فقام الفلاسفة بجلب قطّة مدرّبة على المشي على قدميها الخلفيتين ثم تقوم بتوزيع المشروبات على الحاضرين فدهش الحضور من ذلك غير أن
العلماء طلبوا موعدا آخر للمناظرة و في الثانية قاموا بجلب مجموعة من الفئران و حين بدأت القطّة بتأدية ما طلب منها أطلق العلماء الفئران فلمّا شاهدتهم القطّة أسقطت الكؤوس و أسرعت خلف الفئران و هي تجري على أربع، فغلب الطبع
أخيرا.
كذلك النقابة التونسية التي غلبها طبعها الإستبدادي و علمها به فركست إلى ما كانت عليه أو إلى حقيقتها التي لم تكن أبدا ديمقراطية و هي التي كانت الضلع الثاني للنظام و مشاركة فيه بقوة فأغلب حكومات بورقيبة كان للنقابة حصّة فيها كما كان أمينها العام عضوا بالديوان السياسي قبل أن يحدث الصدام بينها و بين الحزب أما في نظام المخلوع فإنّ النقابة صمتت على إستبداده و ديكتاتوريته مقابل بعض الرشاوي و غضّ النظام الطرف على تجاوزاتها المالية و جميعنا يتذكر المناشدة الشهيرة لأمينها العام عبد السلام جراد للمخلوع للترشح لفترة رئاسية خامسة في وقت كانت فيه المعارضة الحقيقية تتصدى لذلك.
النقابة مثلها مثل التجمّع أو الحزب الدستوري في شكله البورقيبي لم تؤمن أبدا بالحريّة و بالتداول على المسؤولية بل هي فقط تجمّع مصلحي لأشخاص يذودون بكلّ الأشكال حتى الدنيئة منها عن مصالحهم و مصالح الشبكات المرتبطين بها و لعلّكم شاهدتم تلك الصور البائسة للبانديّة و الخلايق بهراواتهم و هم يحرسون مقرّ إنعقاد مؤتمر التمديد للطبوبي، مشهد يذكّر بالطريقة التي كانت تحسم بهاإنتخابات الشُّعَبْ التجمعية فلا مكان حتّى لمجرّد الإحتجاج فإمّا نعم و إمّا نعم و بنسبة تسعينيّة.
إذن إسقاط فكرة القبول بالتنازل السلمي على المسؤولية و التداول عليها يجعل النقابة فاقدة للمصداقية و الأهلية، فكيف لها بعد هذه المهزلة أن تنادي بالديمقراطية و تخوض معركة الحريات و تحول دون تكريسها داخلها، إنّه النفاق النقابجي في أتعس صوره فمن ينادي بالفضيلة عليه أن يكون فاضلا و إلاّ كيف لسكّير أن يتحدث عن مضار الخمر أو كيف لعاهرة أن تحاضر في الشرف و العفّة ؟
كان يكفي الطبوبي و جوقته أن يستحضروا أنّ النقابة نالت جائزة نوبل للسلام حتى يستحوا و يتراجعوا عمّا فعلوا لكن يبدوا أنّ التفرّغ النقابي و ما يغدقه على النقابجيّة من إمتيازات يجعلهم يتمسكون بأيديهم و أرجلهم بكراسيهم داخل النقابة التي لا شكّ أنّ طاحونة الديمقراطية ستمرّ عليها يوما ما و أنّه سيفرض عليها كشف سجلاتها المالية و فرض التداول على المسؤولية داخلها و التخلّص نهائيا من سياسية الهراوات عند وقوع إشكال و فضّه بالصناديق الحقيقية لا صناديق ما فوق التسعين في المائة.
فكما أنّ التسع و التسعين في المائة للمخلوع لم تخدع أو ترعب الشعب الذي كان متعففا عن المشاركة في المسرحية فإنّه بلا شكّ لن ترعبه هذه النسب لهذه الدكتاتوريات الصغيرة النابتة حديثا في تربة ديمقراطية لا مجال فيها إلاّ للتداول السلمي على المسؤولية و القبول بشروط الديمقراطية.
------------
وقع تحوير طفيف للعنوان الأصلي للمقال كما وردنا
محرر موقع بوابتي
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: