البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبالاتصال بنا
 
 
 
المقالات الاكثر قراءة
 
تصفح باقي الإدراجات
أحدث المقالات

الهاربون أمام ترامب

كاتب المقال نور الدين العلوي - تونس   
 المشاهدات: 16



دخل دونالد ترامب كالإعصار على مشهد عالمي مضطرب فزاده اضطرابا. نصره المؤزر على خصومه في الداخل أعطاه روحا عدوانية إضافية، فانطلق يهدد العالم كأن ليس هناك قوة في العالم يمكن أن تقف في طريقه، شملت تهديداته العرب منطلقا من فلسطين. لست معنيا كعربي بما يوجهه من تهديدات إلى أوروبا وكندا لكني انتبهت رغما عني إلى حالة الخوف التي استشرت في المنطقة العربية من الإعصار الترامبي، فالقوم عندنا وأعني الأنظمة وأجهزتها الإعلامية بالتحديد؛ سقطت قبل الضربة وانتقل الحديث إلى كيفية تخفيف أضرار الإعصار لا تحديه فهو قدر مقدور. هذا الخوف كاشف لأمور مهمة سنحاول مقاربتها.

عرب لم يقرأوا الطوفان

قول ترامب بالتهجير لم يتجاوز حتى الآن التصريح العابث لشخص غير مسؤول (في باب طائرته)، فإدارته لم تصدر قراراتها التنفيذية بالتهجير. وهي ولو أصدرتها لا تعتبر ملزمة لأحد فهي ليست أقدارا إلهية، لكن الخوف غلب نفوسا مرعوبة جبلّة؛ سأقول أنفسا مستعدة للخيانة.

نضع صورة الخوف الرسمي العربي من قول ترامب العابث في مقابل طوفان عودة الفلسطينيين إلى شمال غزة وإلى حماسهم العجيب في إعادة ترميم حياتهم المدمرة. الاستنتاج الأول من الصورتين أن الأنظمة العربية لم تقرأ انتصار حرب الطوفان، بل هي تستهين بنتائجه وفي العمق تبني على الرواية الصهيونية عن انتصار مطلق، وأن ما يجري في غزة الآن هو شأن صغير لا يكشف تغييرا على الأرض.

إن عودة ترامب إلى مشروع التهجير هو استجابة للطلب الصهيوني الذي دخلت به الحرب بعد السابع من تشرين الأول/ أكتوبر ولم تفلح في تحقيق أي خطوة منه. يفترض أن يتحول هذا النصر الفلسطيني إلى ورقة بيد الأنظمة (لن نحاسبها هنا عن خذلان المعركة في حينها)، لكن النصر حاصل فعلا ويمكنه أن يتحول إلى ورقة تفاوض بيد الأنظمة المرعوبة، وهناك أوراق قوية يمكن تجميعها لرفض التهجير:

- الرفض الفلسطيني للتهجير الظاهر في طوفان العودة إلى الشمال والشروع بالأيدي العزلاء في الترميم والتعمير.

- الرفض الشعبي العربي للتهجير خاصة في الأردن ومصر.

- العجز الصهيوني غير الخفي عن مواصلة الحرب بنفس الطريقة التي خاضتها لمدة 15 شهرا.

- العجز الأمريكي عن تمويل الحرب بعد ما أنفقته في حرب الطوفان ولم يحقق نصرا ولا تهجيرا.

ماذا بقي بيد الأنظمة إذن؟ بقي لها أن تواصل تجارتها ببيع الفلسطيني كما دأبت دوما، ولا نراها تتوجس فعلا من نقل صعوبات إضافية لشعوبها بنقل سكان جدد مفقرين وعاطلين عن العمل ويحتاجون تعليما وسكنا وحياة كاملة، ويحملون فوق ذلك جروح الخذلان في أعماق نفوسهم.

الأنظمة العربية (دول الطوق بالتحديد) ما تنفك رغم حرب الطوفان تستجدي بقاءها في الحكم بترضية الكيان وحماته الغربيين. لقد كان التطبيع وسيلتها، لكن حرب الطوفان أفسدت كل خطط التطبيع رغم أن ملف التطبيع لم يغلق نهائيا، إلا أن هذه الأنظمة تغير تكتيكاتها الآن لمواصلة نفس المهمة. هنا نقول بيقين: لم تفهم الأنظمة حرب الطوفان ولم تستوعب نتائجها على الأرض، ولا نراها تستوعب الثبات الفلسطيني.

لقد تغيرت الوقائع على الأرض

الفلسطيني لم يمت، إنه هنا والآن ويصر على البقاء وقد زاد في أرصدته بمائة ألف شهيد، لا بل أثبت للعالم أن العدو انهزم ووصل إلى مرحلة العجز عن مواصلة الحرب مهما تسلح (لقد بقي له فقط أن يستعمل سلاحا نوويا في غزة).

هذه حقيقة تفقأ عين العالم فكيف لا تراها الأنظمة العربية؟ إنها لا تريد أن تراها لأنها مرابطة في موقعها قبل الطوفان، أي تقديم خدمة للكيان وحماته الغربيين بكسر إرادة الفلسطيني ومنعه من التحرر وصولا إلى منعه من الحياة ليبقى الكيان الحامي للأنظمة.

الوضع بعد حرب الطوفان ليس كما كان قبله، هذا قول نسمعه في التحليلات الغربية المتألمة لهزيمة الكيان والتي نظن يقينا أنها تناقش الآن في مراكزها الاستراتيجية السؤال المصيري: ما فائدة الكيان بعد حرب الطوفان فوظيفته استنفدت، وصارت كلفته عالية ومن المستحيل إعادته إلى دوره قبل الطوفان؟

لقد استشرف عبد الوهاب المسيري رحمه الله هذا الاحتمال منذ زمن فقال إن رفع كلفة الكيان على مموليه تنهي دوره، وقد ارتفعت الأكلاف إلى حد العجز عن التمويل بالذخيرة، فضلا على أن أداته العسكرية (التي لا تهزم) انهزمت وأثبتت عجزها إلا بتعويضها بجندي غربي غير معني بحرب ليست له.

فإذا أضفنا إلى ذلك عناصر أخرى منها اتساع الرفض الشعبي العربي لكل محاولات التطبيع أكثر مما كان عليه الأمر قبل الطوفان، ومنها ارتفاع معنويات الفلسطيني نفسه وقد قبِل البقاء في خرابته على الهجرة و"تسليك أموره الفردية" دون أن نغفل التغيير العميق الذي حدث في سوريا وفقدان العدو لنظام "سفيه كان يحميه حماية مطلقة"، وإليها نضيف تحولا عميقا في أوساط الرأي العام الغربي الذي بدأ يتحرر من السردية الصهيونية ويرى الحقيقة.

لماذا تخاف الأنظمة من ترامب؟ لا نراها خائفة من ترامب فعلا بل إنها تخاف أولا من شعوبها، وهي إذ تراود ترامب وتتمسكن أمامه تقوم بآخر محاولة للبقاء على عروشها. إنها تقول كما قال عباس "احمونا، احسبونا كلابكم واحمونا" من الفلسطيني المنتصر ومن شعوبنا المتوثبة. فعدوى النصر تسري في عروق هذه الشعوب التي رفضت التطبيع منذ أول اتفاقية.

نعم لم تفلح الشعوب العربية في العبور إلى غزة زمن الحرب (لأن جيوش الأنظمة حمت المعابر من تدفق الشعوب)، لكن النصر عبر إليها ورفع معنوياتها فزادت يقينا بأن التحرير الشامل ممكن. هنا تتسع الفجوة بين الشعوب وأنظمتها، والفجوة التي وسعها الربيع العربي مزقها الطوفان.

هنا لا يمكننا أن نتوقع تراجعات شجاعة من الأنظمة نحو شعوبها لتقر بأن شرعية البقاء لا يمكن أن تكون بغير الديمقراطية في الداخل العربي، ولكن استحقاق النصر الذي تحتاجه غزة من العرب هو أن تتحول المشاعر الإيجابية للنصر إلى فعل شعبي تقوده قوى حية مؤمنة بالتحرير، وهي الإمكانية الوحيدة لتصل رسالة واضحة لترامب في عليائه. انسَ التهجير وفكّر أن تتحدث حديث الديمقراطية مع الشعوب، فالطوفان انتصر في غزة والثمن دُفع في غزة والصدى وصل إلى آخر الأرض. هل تلتقط إدارة ترامب الرسالة؟ إن ترامب تجسيد مطلق للقوة الغبية، وستنتظر حتى تبدأ إدارته حسابات خساراتها في الأقطار؟ العام 2025 هو عام التحولات الكبرى في الشرق العربي. هذا يقين لا نفلح في وضع خريطة له.


 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

غزة، ترامب، طوفان الأقصى، فلسطين، إسرائيل،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 31-01-2025   عربي 21

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك

شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
د. كاظم عبد الحسين عباس ، عبد الله زيدان، محمود فاروق سيد شعبان، محمود طرشوبي، صفاء العراقي، عزيز العرباوي، علي الكاش، فتحي العابد، سلام الشماع، محمد علي العقربي، بيلسان قيصر، د - المنجي الكعبي، سلوى المغربي، ماهر عدنان قنديل، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، الناصر الرقيق، د- جابر قميحة، محمد يحي، عمار غيلوفي، يحيي البوليني، عبد الله الفقير، حسن الطرابلسي، منجي باكير، د - الضاوي خوالدية، نادية سعد، أنس الشابي، رافع القارصي، حميدة الطيلوش، د- محمود علي عريقات، الهيثم زعفان، سيد السباعي، المولدي اليوسفي، سامح لطف الله، العادل السمعلي، حسني إبراهيم عبد العظيم، مصطفى منيغ، د- هاني ابوالفتوح، صفاء العربي، طارق خفاجي، الهادي المثلوثي، عواطف منصور، د. ضرغام عبد الله الدباغ، مراد قميزة، د - محمد بن موسى الشريف ، أحمد بن عبد المحسن العساف ، فتحـي قاره بيبـان، رضا الدبّابي، أحمد بوادي، د.محمد فتحي عبد العال، د - صالح المازقي، حسن عثمان، أ.د. مصطفى رجب، إسراء أبو رمان، كريم فارق، فتحي الزغل، سعود السبعاني، عبد الرزاق قيراط ، عبد الغني مزوز، محمد الياسين، جاسم الرصيف، د. أحمد بشير، د. عبد الآله المالكي، أحمد النعيمي، المولدي الفرجاني، عراق المطيري، د- محمد رحال، صلاح الحريري، محرر "بوابتي"، يزيد بن الحسين، سفيان عبد الكافي، خالد الجاف ، سامر أبو رمان ، مصطفي زهران، رمضان حينوني، مجدى داود، صلاح المختار، أشرف إبراهيم حجاج، ياسين أحمد، حاتم الصولي، محمد اسعد بيوض التميمي، صالح النعامي ، عمر غازي، فوزي مسعود ، ضحى عبد الرحمن، سليمان أحمد أبو ستة، د - شاكر الحوكي ، محمد الطرابلسي، صباح الموسوي ، فهمي شراب، تونسي، د - محمد بنيعيش، كريم السليتي، عبد العزيز كحيل، طلال قسومي، د. طارق عبد الحليم، د - عادل رضا، محمود سلطان، د. عادل محمد عايش الأسطل، أحمد ملحم، رحاب اسعد بيوض التميمي، محمد شمام ، خبَّاب بن مروان الحمد، د - مصطفى فهمي، د. خالد الطراولي ، أحمد الحباسي، وائل بنجدو، محمد العيادي، علي عبد العال، أبو سمية، د. مصطفى يوسف اللداوي، د. صلاح عودة الله ، إيمى الأشقر، محمد أحمد عزوز، محمد عمر غرس الله، رافد العزاوي، رشيد السيد أحمد، إياد محمود حسين ، د. أحمد محمد سليمان، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ،
أحدث الردود
ما سأقوله ليس مداخلة، إنّما هو مجرّد ملاحظة قصيرة:
جميع لغات العالم لها وظيفة واحدة هي تأمين التواصل بين مجموعة بشريّة معيّنة، إلّا اللّغة الفر...>>


مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضاة من طرفه أومن طرف "بوابتي"

الكاتب المؤشر عليه بأنه من كتاب موقع بوابتي، هو كل من بعث إلينا مقاله مباشرة

سياسة الخصوصية
سياسة استعمال الكعكات / كوكيز