عبد العزيز كحيل - الجزائر
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 34
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
لا يطلب من المتدين أن يكون مثاليا ولا معصوما لكن هناك سلوكيات تناقض أدنى درجات التدينّ، لا ينبغي للمؤمن أن يكون من أصحابها ولا أن تصبح صفة ملازمة له.
ما نقول في المتدين الذي يتجه إلى القبلة ويدير ظهره لليتامى والأرامل والمحتاجين وهو قادر على مساعدتهم؟ والذي يسجد لله ويتكبر على عباده؟ الذي في الصف الأول في المسجد لكنه في الصف الأخير في خدمة المجتمع وبذل شيء من المال والجهد والوقت؟ الذي يتصدق يوما وهو قادر على أن يتصدق دوما؟ الذي طاف بالبيت الحرام وكرر الحج والعمرة لكنه لا يطوف على بيوت أقاربه الذين يطحنهم الجوع والمرض والحاجة؟ الذي يقوم الليل ويصوم النافلة ويدير تجارته بالغش والأيمان الكاذبة ولا يتورع عن تنمية ثروته بالشبهات والحرام الصريح؟ الذي يتقاضى المرتب كاملا ويتهرب من العمل وقضاء حاجات الناس؟ الذي لا يفارق المصحف لكنه لا يرحم من بكى ولا يرقّ لمن اشتكى؟ الذي يعتني بمظهره "الإسلامي" لكن قلبه يغلي حقدا وبغضا وكرها للمسلمين، يرى أنهم أضل من اليهود والنصارى كأنه موعود بوراثة القصر الأبيض على يمين العرش؟ الذي يعدّ نفسه من الفرقة الناجية ومن النخبة وهو يصطف مع الظالمين ضد المظلومين، يلعن الضحية ويدعو للطاغية المتجبر بطول البقاء؟ الذي يرفع صوته بالإنكار على حليق اللحية لكنه ساكت عن قول كلمة الحق أمام حاكم جائر وهو قادر على ذلك؟ التي تبكي عند سماع موعظة لكنها تضحك وهي تمشي خارج البيت بلباس النوم؟
من عاش من بعيد مآسي غزة وإبادة شعبها ويداه مغلولتان لا ينفق على إخوانه مما آتاه الله ولو كان قليلا بل يضيف إلى ذلك التشكيك في المقاومة وفي وصول المساعدات إليها، يلمز الجمعيات العاملة والمقاومة نفسها ويظهر في مظهر الناصح الأمين؟ الذي يرى بعينه المسلمين يبادون إبادة بشعة في غزة ويتلذذ بمباريات كرة القدم ويتحمس لفريقه ويطير فرخا لتسجيل هدف أو يكاد يموت كمدا لخسارته؟
ما نقول في المتدين الذي يتمنى – من الناحية المبدئية – انتصار الإسلام ورفع رايته على أنقاض الرايات الجاهلية لكنه يصطف دائما مع المشككين في إي إنجاز لتحرير بلاد المسلمين وإثخان العدو، يشكك، يثبط، يخذل، يسيء الظن بالمجاهدين، يحمل أعمالهم على أسوأ المحامل، يروج شبهات المناوئين بل يؤمن بها ويكاد يقول عنهم "هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلا" !!! أي هو موضوعيا مع الأعداء، يستبشر المسلمون خيرا وهم يرون التدبير الإلهي بأعينهم حيث وفر طوفان الأقصى الظروف لتحرير سورية من استبداد النظام الطائفي المجرم ومن الاحتلال الروسي الإيراني، وهذا يحمل في طياته بشارة أنه سيحرر فلسطين، فذاك قدر الله المحتوم لكن ذلك المتدين مشكك غير مرتاح متذمر من الثورة لا يكاد يخفي حننيه إلى الاستبداد، ويغلف كل ذلك بالمآلات التي لا يراها إلا خرابا لا مفر منه، وما هذا إلا تعبير عن وقوعه تحت تضليل إعلام محور الشر العربي.
أجل، لا يخلو أحد من نقائص و ذنوب لكن التناقض إذا بلغ هذه المستويات أحال التديّن إلى مجرد طقوس لا روح فيها ولا فائدة منها، وأعتقد أن على الأئمة والمربين الرساليين أن يركزوا في دروسهم وخطبهم وندواتهم على مثل هذه التناقضات الصارخة التي تخرم الدين وتعطي عن المتدين صورة مقززة وتعطي عن الإسلام ذاته صورة مشوهة تنفر المقبلين عليه وتستفز المنتمين إليه، كما أن عليهم إحياء أخلاق الرجولة والشجاعة والشهامة والأنفة والعزة وعدم إحناء الظهر إلا لله، ورفض الظلم والحيف من أي كان، عليهم ربط التدين بهذه المعاني وتحريره من الذلة والسلبية والدياثة المعنوية كما هو شائع في صفوف من يسمون أنفسهم "الفرقة الناجية"...فليجددوا الخطاب المسجدي وليطعموه بهذه القيم لإعداد جيل النصر، ولا بأس أن يسألوا المتدين: هل غيّر طوفان الأقصى منك شيئا؟ إن كنت مقيما على معصية هل تركتها؟ إن كنت متهاونا عن الصلاة هل أصبحت تقيمها؟ إن كنت بعيدا عن الله هل أقبلت عليه؟ إن كنت هاجرا للقرآن هل تصالحت معه؟ إن كنت شحيحا هل تحركت يدك بالعطاء؟ إن كنت مشتغلا باللهو واللعب هل تركت ذلك وانخرطت في الجد؟
إن الأمة تنتصر بصلاح أفرادها وتهزم بذنوبهم، فلننصرها بإصلاح أنفسنا والخرص على التدين الصحيح المثمر...وفي نفس الوقت ننصر إخواننا بكل ما استطعنا.
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: