البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبالاتصال بنا
 
 
 
المقالات الاكثر قراءة
 
تصفح باقي الإدراجات
أحدث المقالات

من بوليفار إلى غيفارا: كيف يظل النضال مستمرًا بعد رحيل القادة؟

كاتب المقال محمد علي العقربي - تونس    من كتـــــّاب موقع بوّابــتي
 المشاهدات: 257


 يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط


المقاومة تُعدّ قيمة إنسانية تتجاوز الحدود والأزمنة، فهي التعبير الأعلى عن إرادة الإنسان في مواجهة الظلم والطغيان، والسعي لتحقيق العدالة والحرية. تمثل المقاومة إرادة جماعية تتغذى من التضحيات والآمال، وتنبثق من الظلم الاجتماعي والسياسي. واحدة من الخصائص الأساسية للمقاومة هي أنها لا تعتمد على شخصيات القادة فقط، بل تمتد لتشمل الشعوب بأكملها، وتستمر حتى بعد رحيل القادة، إذ يصبح القادة رموزًا للإلهام، ويظل جوهر المقاومة حاضرًا في قلوب الناس وعقولهم.

إن قيمة المقاومة تتجلى في تحرر الشعوب واستعادة حقوقها المسلوبة، وفي قدرتها على خلق هوية جماعية تناضل من أجل العدل. المقاومة ليست مجرد أفعال مباشرة ضد العدو، بل هي أيضًا ثقافة تُكرس لحقوق الإنسان وكرامته، وتُعزز من روح التضامن بين الأفراد. إنها تتجاوز البعد العسكري لتشمل كل أشكال الاحتجاج، مثل العصيان المدني، والمقاومة الثقافية، وحتى الحياة اليومية في ظل ظروف قمعية، وهو ما يظهر في العديد من حركات التحرر حول العالم. من هنا، تبرز أهمية المقاومة كقوة تحولية تُعيد تشكيل وعي الشعوب، وتحفز الأفراد للانخراط في العمل الجماعي من أجل تحقيق العدالة والمساواة.

من المهم التأكيد على أن موت القادة، رغم تأثيره الكبير على الروح المعنوية للحركات المقاومة، لا يعني نهاية المقاومة. على العكس، فإن رحيل القادة في كثير من الأحيان يكون نقطة تحول تُشعل الروح النضالية وتعزز الوحدة بين الناس. الأفكار التي يبثها القادة والتضحيات التي يقدمونها تصبح في كثير من الأحيان وقودًا يستمر في إلهام الأجيال اللاحقة. في أمريكا اللاتينية، هناك العديد من الأمثلة التي تؤكد هذا المبدأ بوضوح.

يعتبر إرنستو "تشي" غيفارا من أبرز الشخصيات الثورية في تاريخ أمريكا اللاتينية، وقد لعب دورًا حاسمًا في الثورة الكوبية بجانب فيدل كاسترو، قبل أن يكرّس حياته لنشر الثورة في بقية دول أمريكا اللاتينية. عندما قُتل في بوليفيا عام 1967، لم تكن تلك النهاية لحركات المقاومة، بل كان العكس. تحوّل غيفارا إلى رمز عالمي للثورة والحرية، وظلت أفكاره تلهم أجيالًا من الثوار في كافة أرجاء العالم. الحركات اليسارية في أمريكا اللاتينية استمدت قوتها من تضحياته ورمزيته، واستمرت في نضالها ضد الأنظمة الديكتاتورية والإمبريالية.

سيمون بوليفار هو مثال آخر على كيف تستمر روح المقاومة بعد رحيل القادة. بوليفار، الذي قاد حركات التحرر في العديد من دول أمريكا الجنوبية ضد الاستعمار الإسباني، لم تكن وفاته عام 1830 نهاية لنضاله من أجل الحرية. بل على العكس، حلمه بتوحيد شعوب أمريكا الجنوبية ظل حاضرًا في وعي الناس، وألهم حركات التحرر التي تلت ذلك. لقد أصبح بوليفار رمزًا للوحدة والحرية، وتجسد إرثه في الاستقلال التام لمعظم دول القارة.

وفي المكسيك، كان فرانسيسكو مادييرو قائدًا للثورة المكسيكية ضد النظام الديكتاتوري لبورفيريو دياز. ورغم اغتياله عام 1913، إلا أن مقتله لم ينهِ الثورة، بل أدى إلى تعميق روح المقاومة واستمرار النضال الشعبي، الذي أسفر في النهاية عن تغييرات جذرية في النظام السياسي والاجتماعي للمكسيك. هذه الثورة كانت تعبيرًا عن إرادة الناس في مواجهة الاستبداد، مما يؤكد أن موت القادة لا يُطفئ جذوة الكفاح، بل يزيدها اشتعالًا.

سلفادور أليندي في تشيلي يُعدّ أيضًا مثالًا على استمرار المقاومة بعد رحيل القادة. أليندي كان رئيسًا اشتراكيًا منتخبًا، وسعى لإصلاحات تهدف لتحقيق العدالة الاجتماعية. ورغم الإطاحة به في انقلاب عسكري بقيادة أوغستو بينوشيه عام 1973، إلا أن وفاته لم تكن نهاية النضال من أجل الديمقراطية في تشيلي. بل على العكس، ظل الشعب يقاوم النظام الديكتاتوري لسنوات طويلة، حتى أُعيدت الديمقراطية في نهاية المطاف عام 1990. أليندي أصبح رمزًا للصمود والدفاع عن الحقوق الديمقراطية، وظلت حركته تلهم الناشطين حتى بعد رحيله.

من خلال هذه الأمثلة، يمكن القول بأن المقاومة تتجاوز الأشخاص لتستمر من خلال الأفكار والمثل التي يؤمن بها الناس. إن موت القادة لا يعني نهاية المقاومة، بل قد يكون أحيانًا بداية لتجديد القوة والتصميم على تحقيق الأهداف. هذه القيمة الجوهرية للمقاومة تجعلها حركة مستمرة، تُعبّر عن رفض الإنسان للخضوع وعن رغبته العميقة في العيش بكرامة وعدل. إنها دعوة إلى الأمل والتحدي، وهي شهادة على قدرة البشر على النهوض دومًا، حتى في أحلك الظروف، دفاعًا عن الحرية والكرامة.


 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

الثورة، المقاومة، القيادة، الزعامة، بوليفار، غيفارا،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 30-09-2024  

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك

 مشاركات الكاتب(ة) بموقعنا

  دور البرلمان في تنظيم الثورة التكنولوجية لضمان الاستدامة الاقتصادية
  أجهزة صناعة الوعي: السلاح الناعم للهيمنة على الشعوب
  العبور الجديد: مصر بين نصر أكتوبر وإعمار غزة
  المشترك الوطني ومراكمة الإيجابيات: دروس من التجربة التونسية الحديثة
  عودة ترامب إلى البيت الأبيض: فوز حاسم وتحولات سياسية
  الروح الثورية: من مطرقة النبي إبراهيم إلى عصا الشهيد السنوار
  من بوليفار إلى غيفارا: كيف يظل النضال مستمرًا بعد رحيل القادة؟
  التفكيك الاجتماعي: آلية للسيطرة والهيمنة في العصر الحديث
  تونس في حاجة إلى صفقة جديدة: دروس من تجربة روزفلت في مواجهة الكساد الكبير
  من الأبارتايد إلى BDS: مسارات المقاطعة العالمية

شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
د.محمد فتحي عبد العال، د. كاظم عبد الحسين عباس ، خبَّاب بن مروان الحمد، د. خالد الطراولي ، محمد يحي، الهيثم زعفان، مراد قميزة، رشيد السيد أحمد، د - عادل رضا، مصطفى منيغ، الناصر الرقيق، أحمد بوادي، عمار غيلوفي، عواطف منصور، أحمد ملحم، د - صالح المازقي، محمد شمام ، محمد أحمد عزوز، أنس الشابي، موسى عزوق، محمد الطرابلسي، سعود السبعاني، المولدي الفرجاني، نادية سعد، حسن الطرابلسي، فتحـي قاره بيبـان، وائل بنجدو، العادل السمعلي، سفيان عبد الكافي، د - شاكر الحوكي ، حسني إبراهيم عبد العظيم، أحمد الحباسي، د - المنجي الكعبي، محمود سلطان، طلال قسومي، أحمد النعيمي، محمد عمر غرس الله، حاتم الصولي، أشرف إبراهيم حجاج، د. طارق عبد الحليم، فوزي مسعود ، صفاء العراقي، د. أحمد بشير، رحاب اسعد بيوض التميمي، إسراء أبو رمان، سليمان أحمد أبو ستة، خالد الجاف ، د. عبد الآله المالكي، عبد الغني مزوز، د. مصطفى يوسف اللداوي، أ.د. مصطفى رجب، جاسم الرصيف، عبد الله زيدان، سيد السباعي، إياد محمود حسين ، الهادي المثلوثي، يزيد بن الحسين، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، كريم فارق، كريم السليتي، د- محمد رحال، منجي باكير، د- هاني ابوالفتوح، د. عادل محمد عايش الأسطل، أبو سمية، صالح النعامي ، د - الضاوي خوالدية، فهمي شراب، يحيي البوليني، أحمد بن عبد المحسن العساف ، مجدى داود، حسن عثمان، عبد الرزاق قيراط ، د. ضرغام عبد الله الدباغ، صلاح الحريري، صفاء العربي، محمد العيادي، طارق خفاجي، رافد العزاوي، تونسي، ماهر عدنان قنديل، عمر غازي، عزيز العرباوي، عراق المطيري، محمد الياسين، عبد العزيز كحيل، صلاح المختار، علي الكاش، ياسين أحمد، د - محمد بن موسى الشريف ، د - محمد بنيعيش، د- جابر قميحة، محمود طرشوبي، د. صلاح عودة الله ، رافع القارصي، صباح الموسوي ، رضا الدبّابي، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، سلام الشماع، علي عبد العال، د - مصطفى فهمي، عبد الله الفقير، ضحى عبد الرحمن، المولدي اليوسفي، رمضان حينوني، سامح لطف الله، محرر "بوابتي"، فتحي الزغل، إيمى الأشقر، حميدة الطيلوش، محمود فاروق سيد شعبان، محمد اسعد بيوض التميمي، بيلسان قيصر، د. أحمد محمد سليمان، فتحي العابد، محمد علي العقربي، مصطفي زهران، د- محمود علي عريقات، سلوى المغربي، سامر أبو رمان ،
أحدث الردود
ما سأقوله ليس مداخلة، إنّما هو مجرّد ملاحظة قصيرة:
جميع لغات العالم لها وظيفة واحدة هي تأمين التواصل بين مجموعة بشريّة معيّنة، إلّا اللّغة الفر...>>


مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضاة من طرفه أومن طرف "بوابتي"

الكاتب المؤشر عليه بأنه من كتاب موقع بوابتي، هو كل من بعث إلينا مقاله مباشرة

سياسة الخصوصية
سياسة استعمال الكعكات / كوكيز