د - المنجي الكعبي - تونس
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 49
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
يتناول التجديد والإصلاح كل شأن من شؤون الحياة. ويجد صاحب الدعوة إلى التجديد أو الإصلاح الطريق أمامه غير سالكة بالموانع والعقبات والرسول أو النبي - ولا يمثّل - الذي يكذبه قومه، وقد يؤذيه حتى أقرب الناس إليه كزوجه وأخيه وصاحبه وأبيه. ولولا ثقته بالله مرسله ومؤيده بنصره وملائكته ووحيه وهاديه لتعذر عليه مواجهة الكفار به والمحاربين لدينه.ومن يلمس في نفسه القدرة على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يرى أن الله لم يبعثه رسولا ليكون مؤيدا بنصره على تولي شأن من شؤون مجتمعه أو قومه أو قبيله أو ما سوى ذلك ولكن ليس أمامه غير السياسة أو ما يسمى تدبير المنزل ليبلغ غايته، أي أخْذ الأمور من مآخذها الصحيحة لعدم الاصطدام بالمخالفين عليه والمعارضين له وخاصة الجاهلين. وإذا لم تكن له سلطة الحاكم أو الرئيس أو الأب فإنه يصعب عليه أن يحقق قبولا لآرائه وتفهما لأفكاره وربما يواجه بكل رفض لتجديد منه أو إصلاح يطلبه أو أدنى تغيير يحاوله ممن دونه سلطة أو سطوة. لأن كل دعوة لابد لها من عصبية تسندها أو تقوم بها وإلا تسقط بقلة سلطة من يحملها أو يتبناها أو بالأحرى انعدامها لديه. ولذلك لا تقوم الدعوات السياسية على ساق إذا لم تعزّزها دعوة دينية صادقة، أو تفشل كدعوة في اقتضاء نصيبها من الحياة أو حظها من البقاء ومغالبة التيارات المضادة. وقريبة منا فكرة الإصلاح الإسلامي في أول القرن الماضي التي قادها الأفغاني ومحمد عبده من باريس. فبقيت مسطورة في مجلة العروة الوثقى، ولم تأخذ بها سلطة من السلطات القائمة في البلدان الإسلامية لأن السلطة الاستعمارية كانت الغالبة والمسيطرة على الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والدينية وغيرها من شؤون الحياة فيها. ولم تتفاعل معها الجماهير العريضة للجهل المطبق عليها والفقر والأمراض المتمكّنة منها.ومثّل الاستعمار أحَد نواقض الدعوات الإصلاحية التى قادها أفرادها أو جماعاتها وأكسبوها لبوس الإسلام وتردّدت أفكارهم الإصلاحية داخل المساجد والمنابر الدينية.وكان المجددون من فئة الشباب المتعلّم في الأكثر الذين ضاقوا ذرعا من ناحية بالتغريب الاستعماري ومن ناحية أخرى بالرجعية الإسلامية المناقضة لهم من المشايخ في الأكثر في الزيتونة والأزهر مثلا، فحاولوا أن يرفعوا أصواتهم بالتجديد بعيدا عن محاريب المساجد وحلقات الدرس في بيوت العبادة بل تحت سقف المدارس الحديثة المختلطة وعلى منابر الجمعيات المجردة من مؤثرات التأثير الديني والسياسي كالصادقية والخلدونية وتحت أقبية دور التبشير المفتوحة للمساعدات الإنسانية والأعمال الخيرية ومجالس الاستشراق والنوادي الفكرية المختلطة والمرحّبة والداعمة للحوار والمناظرات في الخلافيات والنقاش في المحظورات.
***
ولما كان لابد من الدعوات الإصلاحية أو الأفكار الإصلاحية لمعالجة الأوضاع القائمة والمسيطر عليها التقليد والتقديس أو الحُرمة أن تأخذ طريقها للعموم والرواج والانتشار والغلبة من أن يسندها الاستعمار نفسه ولو من طرف خفي في ثوبه الثقافي والفكري، التنويري الحر المجرد عن التوجيه الديني أو السياسي بأشكاله المختلفة، الحزبي أو الصوفي دون تعصب لغوي أو عرقي أو مذهبي أو وطني.وهو ما يفسر منع تداول كتب حزبية بمكتبة الخلدونية أو سياسية أو إلقاء محاضرات أو خطب وطنية أو دينية على منبر جمعيتها.و جلسة افتتاحيتها بمقرها قرب جامعة زيتونة شهدت حضور المقيم العام ممثل سلطة الاحتلال في صدارة المدعوين وإلى يمينه الوزير الأكبر آنذاك عبد العزيز بوعتور وعدد من كبار مشايخ الزيتونة يتوسطهم الشيخ الشاب وقتها بطبقة المدرس محمد الطاهر ابن عاشور لقرابته المعروفة من الصدر بوعتور (الجد للام) رديف سلطة الاحتلال في الحفل. وكانت المحاضرة المخصصة للافتتاح التي ألقاها الشيخ سالم بوحاجب متجاوبة مع المقاصد المعقود على الخلدونية ودورها لاستقطاب النظرة الإيجابية للاستعمار والتفاعل باتجاه اهتضام لغته وثقافته وحضوره المادي والأدبي.ولم يكن الاختيار على آية بعينها من سورة الروم (الآية ٢٢) اختيارا اعتباطيا وهي قوله تعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّلْعَالِمِينَ) للمحاضرة بها أمام المقيم الفرنسي افتتاح مؤسسة ترفض التعليم الزيتوني التقليدي إن لم تنسخه ليصبح أكثر ملائمة للتزاوج اللغوي الذي تعمل عليه فرنسا والترابط الفكري الحضاري الذي تخطط له والذي ليس يقف في وجهه غير الرفض الديني والاجتماعي الذي تمثله الزيتونة كمؤسسة عريقة معظمة لنشر اللغة العربية وعلوم الدين والمنافحة عليهما من كل دخيل وغريب. ولم يكن داعية الإصلاح داخلها ليسقط من اعتباره عدم المساس بمقومات الأمة الأساسية لغة ودينا بعنوان التجديد والتعصير لكي لا تحكم ظروف الغلبة لسلطة الاحتلال والاستعمار الجاثم على صدرها فلا تراعي الدعوات إليه، أي دعوات التجديد والإصلاح، كل اندساس ممكن وضغوط محتملة فيصبّ في كفّة القوى المناوئة للأصالة والتميّز، كالحضور الصادقي المتميّز بوضع اليد الاستعمارية عليه بعد الحماية لخدمة سلطة الاحتلال في آخر المطاف بمتخرّجيه من أبناء العائلات الموسرة القريبة أو الموالية للسلطة القائمة دون تحفظ ولا توقف.
***
وهو ما يفسّر اصطدام الحركة الطلابية في جامع الزيتونة بزعماء الإصلاح المتطرفين شيئا ما إلى اليمين واليسار في الحزب الدستوري الجديد فانقسموا إلى أحد شقين، صوت الطالب والكتلة وكلهم زيتونيّ لا محالة ولكن الكتلة واقعة تحت ضغط الزيتونيين المنحازين إلى الحزب الجديد بقيادة بورقيبة وبن يوسف ورفاقهما المدرسيين من المناهضين للثعالبي وجماعته من أنصار الحزب القديم، الأكثر تشددا في المطالبة بتحرير البلاد من قيود الاستعمار ولا تَفاوض معه على استقلال صوري أو ذاتي وأيضا عدم القبول بمبدأ المشاركة. فكانت نزعات الإصلاح على مفترق طرُقين طريق الأخذ والرد مع الاستعمار وطريق رفض كل تنازل أمامه عن مقومات الدين والقومية والوطنية والسيادة وهو ما حققته بالعكس اتفاقية الاستقلال الداخلي التي وقعها حزب بورقيبة في ظل الخلاف بينه وبين خصمه بن يوسف، الشخصية الثانية في حزبه والذي تبنّى التيار الغالب في الحركة الوطنية وهو عدم التنازل عن المقومات الأساسية للأمة حتى لا يصعب فيما بعد استعادتها إذا تورطنا في التذيّل لفرنسا في الاتفاقية التي استدرجت الحكومة الفرنسية الطرف المقابل لبن يوسف للتوقيع عليها في باريس ٣ جوان ٥٥.ولم تكن ما يسمى باتفاقية الاستقلال لاحقا في ٢٠ مارس ٥٦ سوى مذكرة تفاهم أو بروتوكول مبهم لا يلغي اتفاقيات ٥٥ بل يقر بها ضمنيا وحكَمت مصيرنا في التبعية الثقافية والاقتصادية والسياسة الخارجية، فأخرجتنا من احتلال إلى تبعية قضت فيما بعد بإفشال كل مبادراتنا الوحدوية مع ليبيا وقبلها مع دول المغرب العربي واحدةً واحدة أو مجموعة، فضلا عما دونها من وحدة عربية أو إسلامية لائحة أو منشودة، وقضت على لغتنا بأن تبقى في مزاحمة مع الفرنسية التي تعيّن علينا أن لا نعاملها كلغة أجنبية في بلادنا. وكل مؤسساتنا التعليمية والبحثية والاقتصادية والاجتماعية إلا وتحتاج إلى موافقة من يَُعيّن على رأسها إلى تأشيرة من باريس. وغدت البلاد مرتعا لرهط من المتعاونين الفرنسيين الذين يقضون خدمتهم العسكرية وتربصاتهم المهنية بالبلاد التونسية مستعمرتهم القديمة التي لا زالت تظلها حكومة باريس.
***
ويشهد تاريخ الحركة الوطنية تصدي الزعيم بورقيبة أيام كان في الكفاح إلى تيارين إصلاحيين متجذرين في تربتهما الإسلامية هما إصلاح التعليم في جامع الزيتونة وإصلاح شؤون الأسرة بدءا بشؤون المرأة.أما الأول فلِينفتح الجامع وبالأحرى التعليم النظامي الإسلامي من جديد على سائر العلوم والمعارف وكذا علوم العصر الحديثة ولا يبقى منغلقا إلا على ما سواها من علوم الدين واللغة. فاختطف الاستعمار فكرة الخلدونية لرمزية صاحب المقدمة ونظريته في عمر الدول وسقوطها وولع المغلوب بتقليد الغالب وتبشيره بظهور حضارة حديثة في الغرب (بلاد الإفرنج) لتخلف الحضارات التي قبلها وما سطره في تاريخه من غلبة ثورات البربر على العرب في الغرب الإسلامي وما إلى ذلك من أفكار استنبطوها لصالح سياساتهم التوسعية في شمالي إفريقيا، ليحرم الجامع من بسط سلطته الدينية على سائر مواد التعليم ويفرغَها من كل تأثير وطني أو ديني موجه لمقاومة التأثير الاستعماري الذي أصبحت مؤسساته المنافسة تملأ الفضاء التقليدي الذي كانت فيه العلوم والمعارف والصناعات بيد الجمعيات الأهلية والمنظمات الخيرية وأصحاب الحرف والمهن الحرة انطلاقا من مبدأ الإسلام في تكفّل الآباء بتربية (وتعليم) أبنائهم كواجب شرعي لا يتولاه الحاكم عنهم لحرمة هذا الواجب وفرْضه العينيّ وحقّ الأبناء على آبائهم أو أولياء أمورهم أن يراعوا في تكوينهم على العقيدة الصحيحة والأخلاق الفاضلة حتى لا يعرضوا أبناءهم لعقيدة فاسق يؤدّبهم أو صاحب مذهب مخالف يربيهم عليه أو يكونوا وهم في سن القدوة به وهو ليس بالمثل الصالح.
***
وعرَف هذا الاستعمارُ (وخاصة بعد نشر المستشرقين كتاب محمد بن سحنون آداب المعلمين وغيره من الكتب في الموضوع نفسه وفي موضوع الحِسبة) وأخذ مسؤولوه بالتحوّط منه حتى كان لا يقبل بالتعليم العمومي الذي أشرفوا عليه من المدرسين من كانوا من خريجي الزيتونة من وحيدي اللغة حتى لتدريس اللغة العربية . ومنه نشأت فكرة الصراع المدرسي الزيتوني التي تصدى لها بورقيبة لكي لا يجعله صراعا يصب لفائدة المحافظين الزيتونيين الذين كان يخشاهم على مناوراته مع السلط الاستعمارية لتختاره كالطرف الأقل تعصبا دينيا ولغويا وبالتالي حزبيا لنسج مستقبل تفاوضها معه لنيل استقلال منقوص يبقى على تبعية البلاد لنفوذها ولو نفلته دون خصومه بالإمساك بمقاليد السلطة بعدها.فأوصى في رسالة مشهورة إلى صالح بن يوسف قرينه على رأس الحزب بأن فكرة الكتلة الزيتونة جيّدة شريطة أن نداري جماعة صوت الطالب خاصة بينهم من نعرفهم من أصحاب الوجاهة الذين يكنّون لنا الاحترام المتبادل كالشيخ الفاضل ابن عاشور. وخوفه في السياق نفسه بتجنب الصدام بين المدرسين والزيتونيين حتى لا يكون لفائدة طرف على آخر فيستغله الاستعمار لضرب أضعفنا. أي لنكن نحن في مركز القوة ليضرب بنا الاستعمار خصمنا وخصمه بالتالي.ولذلك ما أن تولى قيادة الدولة في 56 حتى سارع بإصلاح جامع الزيتونة بالمقتضى الذي كان يريده لمحاربة الاستعمار والانتصاب بدله كسيد للزيتونة ولا سيادة للمشايخ عليه فأحدث الإفتاء وولى عليه الشيخ الفاضل وعين عمر شاشية الزيتوني المعروف بمقارعته للزيتونيين من أنصار صوت الطالب على ولاية القيروان (الولاية الأكثر حساسية أو رمزية للدين) لمطاردة خصومه في الجهة فيوفر المناخ الديني المناسب لإصلاحاته المرتقبة وهي تحديد النسل وتحرير المرأة ومنع الضرة وإفطار رمضان لدعم الاقتصاد ومواجهة القروض المطلوبة للتنمية وتحرير الاجتهاد بضرب الفكر الديني "المتحجر" التقليدي، وإطلاق الحريات الفردية لضرب التقاليد والعادات الموروثة، وتنشيط السياحة بكل مقبحاتها.واختيار صفاقس للمؤتمر (مؤتمر القطيعة مع بن يوسف) لضرب الدين بالنقابات اليسارية ومن لف لفها داخلها. والقضاء على تأثير المحافظين من إصلاحيي الزيتونة بالمنهج الإصلاحي الذي يقاومه أنصار التجديد من طينة بورقيبة الفرنكوفونية في جميع مجالات الحياة العامة والرسمية. من ذلك أنه لم يتردد في مجال إصلاح التعليم من الشطب على اسم الجامعة الزيتونية التي تأسست قبيل الاستقلال بقليل ومثلت ثمرة النضال الزيتوني وشهداء صوت الطالب واستبدل بها تأسيس الجامعة التونسية وأحلّها مقرها (الكائن بشارع 9 أبريل 38) باعتبارها ملغاة، وهو المقر الذي بناه الزيتونيون بتمويل خيري وهبات من كافة شرائح الشعب وفي مقدمته هبة ملكية جزيلة لمكانة الزيتونة في الضمير الوطني الحديث. ودشن هو والحي الزيتوني كمبنيين رئيسيين للجامعة الزيتونية المحدثة بإرادة شعبية عارمة ونضال طلابي طويل ومشهود.وروعي فصل الزيتونة ككلية ملحقة بالجامعة التونسية الجديدة عن علوم اللغة العربية لتنفرد بها كلية الآداب المحدثة في قسم على حدة وحصر علوم أصول الدين (لا الدين إطلاقا حتى لا يقصد به الدين الإسلامي فقط) والشريعة وحدهما في الكلية الزيتونية المحدثة ككلية ملحقة بالجامعة التونسية التي عوضتها باسمها حتى لا تبقى علاقة بين الدين واللغة، ويجد حمَلة التبريز في العربية من السوربون، وهم جل الملحقين بها من التعليم الثانوي حرية البحث اللغوي المجرد لتخليص العربية من عقدتها في نظرهم بالقرآن وإعجازه نحوا وبلاغة ومعجما وتتسع للتطوّر كما اتسعت اللغات الأخرى القديمة (اللاتينية واليونانية) لأن النزعة التجديدية تركزت لدى بعض روادها على تقريبها من العامية الدارجة ولم لا، كما سماها دعاة التونسة بالعربية البورقيبية فتكون البورقيبية كالكمالية في تركيا؟ ولكن تعالت أصوات التعريب فانحسرت موجة الفركوفونية لتقْدر فقط على الممكن من الأرقام لأجل ما تحمله من اسم فرنسي (الملقبة بالصفر العربي بالشيفر آراب) فتتبناها كأرقام عربية وهو شيء لم يُقدم عليه الفرنسيون في تونس وظلوا يقابلون الرقم العربي بالرقم الفرنسي. وحجة التخلي على الرقم القديم أنه يطلق عليه صفة الفرنسي لتمييزه عن غيره من الأرقام المسماة الأرقام الهندية وهي تسمية تطلق في الواقع على الأرقام العربية لأنها كانت في الأصل هندية لما كانت الهند كقارة تحت حكم المسلمين وعلماؤها يؤلفون علومهم في الرياضيات بالقلم العربي واتخذت الأرقام في أقطار الشرق الإسلامي والغرب الإسلامي شكلها المناسب لزوايا وانسيابات الحروف العربية وتنسب للغة القوم الذين يقتبسونها ففي الفرنسية يقصدون بالتسمية (شيفر آراب) أرقامهم جملة) والمقصود فكرة الصفر الذي كان غير معروف في الأرقام الرومانية الشائعة الاستخدام قبل اكتشاف الصفر من علماء الهند المسلمين كالبيروني وغيره. لا أنها على اختلافها شكليا فرنسية الخط والنطق.ولذلك كانت العملية مخالفة كبرى للقطع مع الماضي ومع الشرق في حملته الاستقلالية الشاملة كل الانتماءات (عثمانية أو موحدية أو حفصية أو مصرية أو فاطمية أو عباسية أو أموية) السابقة للبلاد.
***
كذلك موقفه السلبي من الطاهر الحداد فيما يعرف بمعركة السفور بدعوى أنه ليس الوقت المناسب لتحرير المرأة قبل تحرير الوطن وهو إنما يؤجل ذلك بعد الاستقلال ليكون له فضل الزعيم الذي فكر الأول قبل كل أحد غيره في تخليصها من ربقة الرجل الزوج والولي والأخ الأكبر وينزع عنها حرمة البيت والشارع ومكان العمل والدراسة ويختطف المشعل من يد الحداد الكاتب الزيتوني الألمعي والنقابي المرموق. كما لم يشجع حركات التجديد في ميادين أخرى انطلقت من الخلدونية على يد زيتونيين رواد كالشابي الذي شجعه مناخ الخلدونية المتفتّح لكل جديد يَرمي بالقديم إلى الخلف وإلى النسيان، ويقلل من التقيد بالموروث مهما تكن قداسته أو حرمته في التقاليد والعادات، ويَفتح على مصراعين للتأثيرات الأجنبية أن تأخذ محلّه، ليكتب له منازعة الحداثة والمعاصرة والإبداع للتقليد والمحاكاة. فاقتصر الشابي في محاضرته على نزع الهالة عن الشعر القديم لإغراقه في المظاهر والحِسيّات وخلوّه من التحليق في أبعاد الخيال المطلق والسموّ باللغة والتعبير إلى مراتب الأنبياء والوحي الإلهي. ولم تكن دعوى الشابي لتجد نفسَها غريبة عن تيارات شرقية وغربية وبلغات أجنبية وترجمات عربية بل كانت تمتَح من تيار المدرسيين أمثال المعلّم (المربي) محمد الحليوي في القيروان الذي كان يمدّه منه وبمحصّلة ما يطالعه في الكوليج Collège (المعهد المتوسط) باللسانين المزوّد دوريا بالمؤلفات الفرنسية للأدب شعرا ونثرا والذي كان يروّج له داخل محيطه. حتى زعَم بعض من درسوا الشابي بأن أكثر التأثير الذي تلقّاه كان من مدرسة صاحبه الحليوي الغنية مكتبتها بترجماتها من الأدب الفرنسي منه من محيطه الزيتوني العربي الصرف وإنْ رفدته مكتبة الخلدونية التي أكثر ما عمرت به كانت المترجمات الشرقية من الأدب الغربي على اختلاف لغاته وفي مقدمتها الفرنسية.وأول من عرف هذا الجانب في تجديد الشابي هو الموظف الفرنسي الذي وقف على إحيائية بعد وفاة الشابي في بلده توزر فلاحظ لأهله أنهم مقصرون في إعطائه حقه من الإشادة به لدوره المتميز في الإبداع الشعري حَدّ التأثّر بالرومانسيين الفرنسيين وأنه تلطّفَ استجابة القدَر ولم يقل حربه أو دحره أو نحو ذلك (روى أحد قرابته هذه الحادثة في مذكراته (مسعود القروي الشابي).فيكون الشابي قد جدّد في حدود الخيال دون أن يصطدم بالخطوط الحمر التي قفز عليها معظم شعراء المهجر ومجلة أبولو ليحافظ هو على مسافته الزيتونية المتربصة بكل متجرئ على المحظور للواقع الاستعماري الذي كان يتصيد الأصوات المناسبة لإثبات وجوده والتفاعل الإيجابي في الساحة الشعبية مع كل من يدعم خصوصياته الفكرية والأدبية.وهذا ما يفسر إخفاء الشابي لشيء من كتاباته وأشعاره أن تصدر في حياته أو يعرف بها الجمهور قبل وفاته فتكون له الصدمة قاتلة بعد جَراءته على القديم في بعض أشعاره وتحفّظ الزيتونيين على قوله فلا بد أن يستجيب القدر، بجعله إرادة الله تستجيب لإرادة الشعب عكس ما يدرّس في علم الكلام. وإن تسامح بعضهم فقالوا القدَر يقصد به الاستعمار فأخفى لفظه للعلم به .
***
ويكون التجديد عند المسعدي مجرّد إحياء لبعض أساليب الكتّاب العباسيين لفظيا وبيانيا، قطعا مع ما تطورت إليه الصحافة المكتوبة في عصره من لغة سهلة مباشرة وقابلة للترجمة المتيسرة للتراكيب التي دخلتها بتأثير الاحتكاك اللغوي بينها وبين اللغات الحية. فكل من الشابي والمسعدى التمس السبيل المأمونة أكثر للتجديد دون مساس بجوهر البلاغة العربية المتمثل في الألفاظ الجزلة وأساليب البيان نثرا أو شعرا وإيجازا ليبقى مجال المعاني مفتوحا للخيال المجنّح الرومانسي عند الشابي والتفلسف الوجودي أو الفكري المطلق عند المسعدي. فالشابي والحداد لقيا من الترحيب لجرأتهما على القديم دون المدرسيّين الصادقيين وأمثالهم رجالا ونساء، للِباس الزيتونة الذي يتميّزون به ويمنحهم الثقة في نظر الشعب بأنهم غير موالين لأصحاب اللباس الإفرنجي والمتمرّسين بالثقافة الأوروبية ولغة المحتل. فكل ما يصدر عنهم من أفكار ودعوات إصلاحية وتجديدية إلا وتكون مقبولة أصلا من وسطهم الزيتوني ومبررة باجتهادهم الشرعي قبل كل شيء فهي بالتالي أقل عرضة ورفضا من عامة التونسيين في حين كل أفكارهم الصادرة أصلا من صادقيين وأشباههم إلا وتصطدم حتما بالرفض القاطع والتريّب من وقوف الاستعمار وأعوانه من ورائها. فهي مردودة على أصحابها للشبهة الثقافية بهم أو التهمة الماسونية أو العلمانية أو اللائكية المرفوعة بوجوههم.
فلما استقلت البلاد بعد الاحتلال بخمسة وسبعين عاما انكشفت كل الأصوات التي كانت تناهض الحضور الاستعماري وتدعو إلى الاستقلال تأكيدا لهوية الدولة التونسية العربية المسلمة، سَلّت سيوفها الماضية لرفع رايات التطور والتجديد الحقيقي الذي كانت تخفيه لأسباب من خوف الزيتونة والزيتونيين المهيمنين على المشهد الثقافي والصحفي والتعليمي والقضائي. فأصبحت تتساءل كيف نعتبر الشابي مجددا وهو لم يتجاوز حدود التقيّد بالعروض والقافية؟ والطاهر الحداد محررا للمرأة بالمعنى المطلق وهو لم يتجاوز تبرير إصلاحاته المحدودة في تعليم المرأة وحقوقها في الحياة الاقتصادية والاجتماعية ولم يخوّل لها المساواة في الميراث والتزوج بغير المسلم؟وانطلقت الدولة الجديدة بأيدي المتفرنسين والمتجنسين وطفقوا يعبّرون عن تحررهم من الزيتونة وأعلامها المجددين كالحداد والشابي والحامي والثعالبي فادعوا الإصلاح بدلهم وغيبوا ذكرهم فكان إلغاء التعليم الزيتوني والقضاء الشرعي وحل الأحباس وإسقاط الحجاب عن المرأة وفرض السفور والقضاء على الزوايا والمتصوّفة وكسر حرمة الأسرة وتشريع التبنّي والتزوج المدني وإفطار رمضان وشرب الخمر وإشاعة القمار والدعارة حتى نودي عاليا إلى ارتياد المقاصف ونوادي الصفر أخلاق وإسقاط الصفة الإسلامية والقومية والعربية من أسماء المؤسسات والجمعيات والمنظمات التي تحملها بدعوى سقوطها بسقوط الاستعمار والحاجة إليها وقته، وكذلك سقوط لفظ الأمة من مجلس الأمة لأن تونس لم تعد أمة أو كجزء من أمة حتى يطلق عليها ذلك بل هي أمة برأسها بزعامة البورقيبية.
ولا تجد مصلحة ولا إدارة ولا مؤسسة ولا معهدا عاليا أو كلية أو وزارة إلا وعلى رأسها من لا يشتبه في كونه مسلما قائما بالفروض أو عروبي تخرج من الزيتونة أو من الشرق، وإلا من يكون أقرب لذوي القربى أو بالمصاهرة بفرنسية أو بلجيكية أو بالمزاملة في ليسي أو كوليج معتبر.
وأصبح التسابق بين المدرسيّين على من يقطع أكثر شأفة الزيتونيين أو الخريجين من جامعات المشرق، من العراق وسوريا ومصر ولبنان، قطعَه عن التأثير في الحياة العامة والصحافة والتعليم والجيش حتى وصل القول بأحدهم وكان مديرا للتعليم الثانوي لقد كنا سنوات بالمرصاد للتضييق على الزواتنة أبواب التعليم في الثانوي حتى أصبحنا نرى أحدهم يتولى الإدارة ففتح الباب فكان نتيجة لما نرى اليوم من تسيّب وفساد وتدهور مستوى (وتخونج) ونرى الصراع الطلابي يتمحور في أداء الصلاة في مسجد أو قاعة بالجوار! ويتساءل آخر على لسان أستاذة جامعية تفاخرت (في كتاب لها منشور) في جمع من زميلاتها بأنها تصحى وتنام على كل الموبقات والفواحش دون رادع من دين أو قانون فلما أنكرت عليها إحداهن واصفة إياها بكذا وكذا (أوصاف منكرة) ضحكت منها بوسع فمها بأنها ما زالت رجعية وتساءلت هل بقي في المجتمع التونسي بفضل الحريات التي أخذتها المرأة مَن يمارس عليها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟! ويجد الجرأة من نفسه أحد زملائها في كلية الآداب في منصب متقدم ببعض المنظمات الوطنية، من المبهورين مثلها بتقدم الغرب وتخلف المسلمين لينقل لنا قولها ذاك في كتاب لها، للإشادة منه بما وصلت إليه المرأة من سخرية بالقيود الدينية التى كبّلتها لعقود بل لقرون حتى وصل به التعبير الحرّ بالقول هو نفسه بأن أزمة المسلم تتمثل في نهاية التدين! ولشدة "اقْتياته" - كما يقول عن نفسه - منذ حداثته من المصادر الأجنبية لا تراه يصرّف جزءا من كلامه إلا مشفوعا أو مردوفا بفكرة أو مصطلح غربي ألماني أو فرنسي أو حتى إسرائيلي. المهم أنه قطَع مع كل مرجعية دينية وأدبية أو فكرية تشتمّ منها القداسة أو الدين أو التعصب للقومية أو للعربية.ومشهور عن الطيب البكوش أستاذ العربية أنه كان يمتحن أحد الطلبة شفاهيا وزملاء هذا الطالب ينتظرون دورهم فما راعهم إلا وزميلهم يقوم غاضبا من أمام الأستاذ الممتحِن ودموعه على خدّه فسالوه فيقول أسقطني من أول كلمة قلتها أمامه قالوا وماذا قلت؟ قال بدأت كلامي ببسم الله الرحمن الرحيم فقال لي صفر ! قم صفر!
***
ومن أمثال هؤلاء من حدّث عن نفسه عندما تولى الإدارة العامة لدار الكتب الوطنية (العطارين) فذكر أنه استقبل يوما بمكتبه أحد الزوار الفرنسيين ففاجأه (محدّثه) بالثروة العظيمة التي تختزنها الدار من الكتب الفرنسية النادرة المفقود بعضها في المكتبات الأوروبية فقلتُ والسرّ؟ فقال بسيط لأن الحروب التي توالت على دول أوروبا ضيّعت الكثير من ثرواتها وبالعكس حافظت المكتبات التي خلّفتها في مستعمراتها على كمية هائلة من هذه الكتب المفقودة بفرنسا مثلا. فقلت له (المدير العام مخاطبا زائره) فكرة جيدة خطرت لي وهي أننا كنا نفكر في التخلّص من هذه الكتب لتخْلية المكان لكتب عربية كثيرة تأتينا من المشرق والتي تنتظر دورها لِما تغصّ به رفوفنا بمختلف الأقسام من هذه المكتبة، ولذلك علينا الآن تغيير رأينا بالتخلص مما لدينا من الكتب العربية القديمة الطبعة أو المهترئة بسبب التداول لنُركّز المحافظةَ بأكثر عناية على ما لدينا من الرصيد الفرنسي نظرا لما نبهتنا إليه من الأهمية!وما راعني في يوم من الأيام إلا ومن يلفت نظري بصفتي النائب بمجلس النواب (مجلس الأمة) إلى الكميات الهائلة التي عرضت للبيع في سوق الخردة منذ مدة بنهج زرقون من رصيد مكتبة العطارين. فانطلقت للاستطلاع فوجدتني وصلت متأخرا لأنه لم يبق أمامي من عشرات الصناديق كما قيل لي إلا القليل فاخترت منها أنفس الكتب، وعددٌ منها تحمل إهداءات نادرة (منها رسومات لجمجمة الطبيب ابن سينا بتحليل أحد العلماء الروس المشاركين في مؤتمر عقد تخليدا لذكره). وكانت بالصدفة المناقشات العامة السنوية للميزانية فلم أتأخر لحظة على أخذ الكلمة أمام وزير الثقافة يومذاك السيد محمود المسعدي لأجده مندهشا للخبر وأنا متطلّع للردّ على سوء ما قامت به المؤسسة للتفويت في كتب هي من الأهمية بمكان دون الانتباه إلى التأشير بالشطب على الترقيم الرسمي الذي بقي يحمله الكتاب، ما يعرّض مالكه إلى المساءلة القانونية لوجوده بحوزته. فلم ير الوزير بدّا بعد استشارة مسؤول ديوانه الأستاذ فرج الشاذلي لطلب تأجيل الرد إلى جلسة ما بعد الظهر، ليكون الرد بالنهاية شبه مفْرغ من فحوى إدانة العملية، وأنها كانت مناقصة واردة قانونيا ولكن شابتها بعض الهنات! (والقصة بتفاصيلها في مداخلاتي المنشورة).ويمكن تتبع تطوّر المنحنى البياني للتأثير التربوي الاستعماري على العقول أن أحد تلاميذ الصادقية بمستوى الباكالويا دون أن يحصل عليها كان يبعث من يصطاد له تلاميذَ في سنواتهم الابتدائية الأخيرة قبل التقدّم للشهادة يبحثون عن تحسين مستواهم في العربية أن يأخذوا عنده دروسا خصوصية خلال العطلة بمحل له بالقيروان بمقابل يدفعونه مسبقا عن شهرين لاحقين إذا رغبوا في التوقف عن المتابعة بعد الشهر المدفوع الأجر. وكان هذا المعلّم تلميذا محباً معجبا لأستاذه الشاذلي القليبي فكان لا ينفك يردد بأنه علينا أن نطالع الأدب التونسي أكثر من الشرقي الذي يرانا متهافتين عليه ويذكر لنا من الكتّاب القليبي ومحجوب بن ميلاد وعندما نقول له لا نجد كتبا لهم بالمكتبات يقسو علينا في الملاحظات على تحاريرنا في إنشاءاتنا التي يصححها كالشطب على بعض نقولنا من الرافعي أو المنفلوطي أو العقاد أو تصليتنا على الرسول صلى الله عليه وسلم أو ترضّينا على واحد من الصحابة أو علي كرم الله وجهه أو أمّ المؤمنين عائشة.. وأصبح يشجعنا إذ يرانا نستشهد بنقل عن أحد من الفرنسيين كفولتير أو روسو ويوصينا فقط بكتابة اسمه باللغة الفرنسية لإبرازه. ولذلك صُدمت لما علمت بعد ذلك في كِبَري أنه أصبح الساعد الأيمن لأستاذه المحبوب في أمانة جامعة الدول العربية في عشرية المقاطعة لمصر بتونس. ولا أفرغ منه من الشهائد الجامعية والعروبة الوحدوية ولا أَماراتها القومية في مقال ولا صحيفة.
***
ومن هنا عرفت لماذا ركّز مدرسو العربية في كلية الآداب على التنظير في كلامهم أكثر فأكثر باقتباسات من مراجع أجنبية لتحلية نصوصهم بالجديد والغريب والفريد من الأقوال، وبقدر تنامي نسبة الاستشهاد بفلان وفلان الفرنسي أو الألماني وما شابه يغرسون في طلبتهم الشدو بشدوهم في تعظيم ذوي اللسان الآخر غير العربي.
وبقي في ذاكرتي وأنا أطالع الأعداد الأولى من مجلة "إبلا" للآباء البيض بتونس بعد العشرية الأولى من الاستقلال فوقعت على مقال لأحد محرريها من الآباء يرصد فيه تغير أسماء الناجحين الجدد في شهادة الدخول للتعليم الثانوي عمن قبلهم في سنوات الاستعمار بتراجع مَن أسماؤهم عبد الله وما أشبه أو محمد وأبو بكر وعلي وعمر لسامي وأنيس وكريم الخ.. من الأسماء الجديدة ويرد ذلك بطبيعة الحال إلى تأثير الثقافة السابقة.
إلى أن أوسعتْ المجلة للقبول بين أعضاء تحريرها لزملاء من كلية الآداب بتونس لأحد المشرفين على المجلة زميلهم سابقا! ممن خاضوا مثله في الدينيات (هو الأب جان فونتان) حتى أنهم ينزعون عنه كل صلة لأفكاره بالأهداف الاستعمارية التبشيرية التي كانت تخدم سلطة الاحتلال ولو بشكل غير مباشر.
حتى أن هناك من ندد برفض منحه الجنسية التونسية بدعوى أنه مسيحي وراهب!ولم يفكروا في دوافع اختياره لموضوع شهادته الجامعية من تونس في موضوع لبناني دون ربط بأهدافه منه. فليس من البراءة أن يكون" التمرد الديني عند الأدباء اللبنانيين في القرن التاسع عشر" غير مقصود به إثارة المقارنة بين تونس ولبنان الفينيقيتين وطموحات دولهم إلى الاستقلال عن الدولة العثمانية بوجه إحياء ماضيهم القديم المشترك لصالح الاستعمار الفرنسي القائم على الأبواب. وفي ذلك أيضا ربط بدعوى الفرعونية في دراسته الأخرى عن توفيق الحكيم في"عودة الروح" بعنوان الموت والانبعاث - قراءه في توفيق الحكيم.
وتتطور العلاقة برمزية هذا القس المتقمص للثقافة التونسية الازدواجية اللسان بعد الاستقلال إلى أن يخلفه على رأس مكتبة هذا المعهد البابوي الواقع على مشارف الجامعة الزيتونية أستاذة العربية وآدابها بالجامعة التونسية التي كانت مديرة سابقة عامة لدارالكتب الوطنية، عرفانا بالزمالة وقديم علاقتها به.
دون أن ننسى أن أول من وضع الرجل في كلية الآداب في قسم اللغة العربية وفي التاريخ (كملحقين من التعليم الثانوي) هم من أصول جزائرية استقدمت عائلاتهم الحماية الفرنسية لتعزيز موقعها في المحمية الجديدة تونس فظلوا أوفياء للثقافة الفرنسية وللغة الفرنسية بالذات التي لم يتردد أحدهم في نعتها بالأم الثانية كالضرة للغة الأم العربية (اليعلاوي في بعض "خرجاته" بمجلس النواب ثم نكص على عقبيه لمّا هوجم في الجلسة العامة (وظهر صدى ذلك في لومند الفرنسية).
وأمعنت تونس بتأثير أمثالهم في التربية والتعليم في التصوّن والدفاع عن حظوظ اللغة الفرنسية في المواقع الرسمية والحياة العامة لأنها سلاحهم للتميز في المناصب والمهام في الدولة الجديدة. ولم تكن أكشاك بيع الصحف والمجلات وكذلك المكتبات التجارية إلا عامرة بالعناوين الفرنسية والمؤلفات الأجنبية وإلى رؤية العربية في الزاوية المدحورة لا تلامس إلا من رواد الثقافة الشرقية.
وأصبحت الجزائر بعد سنوات قليلة من الاستقلال معرّبة أكثر من تونس بل انقلبت تونس جامع الزيتونة إلى جزائر فرنسا لغُربة من أصبح يتكلم فيها باللغة العربية في الشارع وفي البنك وفي المقهى إلا تلعثم فيها لا في الفرنسية!
-------------------
تونس، في ١٣ شعبان ١٤٤٦ هـ / ١٢ فيفري ٢٠٢٥م
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: