أنس الشابي - تونس
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 1071
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
يعتقد حزب حركة النهضة أن ذاكرة التونسيين قصيرة ولا تحتفظ بشيء إن فوجئت بموقف مغاير لِما عرفت سابقا، لهذا السبب ولغيره اشتهرت هذه الحركة بأنها حركة قُلّب لا يقرّ لها قرار إذ تعترف بالشيء ونقيضه، غير أن متابعة نصوصها المكتوبة وخربشات قادتها تكشف أن لها خطا لا تحيد عنه مهما تظاهرت بخلافه، ففي مسألة المرأة ومجلة الأحوال الشخصية وإصلاحات دولة الاستقلال يلحظ المتابع اليوم أنها أصبحت تشبهنا في الكثير من المواقف إذ أعلنت أنها تقبل م أش وتعتبرها مكسبا وترى أن المثليّة الجنسية مندرجة ضمن الحياة الخاصة للمواطن وفق ما صرح به الغنوشي في حديث أجراه معه صحفي فرنسي كما أنها رشحت في الانتخابات البلدية السابقة بعض النسوة من غير المحجبات وخفّفت من نقدها لمكتسبات المرأة كل ذلك لأنها وجدت أن الظرف غير مناسب لإظهار حقيقة موقفها من هذه المسائل فخيّرت التقيّة والتخفي أما في القضايا التي تصادم قناعاتها المخفية كالمساواة في الإرث بين الذكر والأنثى فإنها تكلف تُبَّعها من منتسبي جامعة الزيتونة وبعض جمعياتها بإعلان المعارضة والقيام بحملة ضد الكوليب، وفي تقديري أن إحساس الحركة وتيقنها من أنها لن تستطيع ترويج تجارتها الإخوانية البائرة في تونس دفعها إلى التخفي والابتعاد كليا عن مواجهة التونسيّين الذين لم يتوقفوا عن الدفاع عن المكاسب الحضارية التي تحققت على أيدي نخبهم منذ نهاية القرن التاسع عشر وما جاء بعده، فالطاهر الحداد رغم أنه الأشهر من بينهم إلا أنه حبّة من عقد كامل من روّاد النهضة من بينهم الشيخ عثمان ابن الخوجة أوّل من أعلن صراحة ونشر في مقال مساندته لكمال أتاتورك لمّا ألغى الخلافة العثمانية وعبد العزيز الثعالبي المحبّذ لإلغاء تعدّد الزوجات وعلي بوشوشة رائد الصحافة الأهلية ورشيد صفر وحركة الشباب التونسي وعبد الرحمان الصنادلي صاحب جريدة الزهرة وعلي الورداني المترجم في الحكومة الذي عرّب المجلات القانونية ولكنه اشترط أن لا ينقل من العربية إلى الفرنسية أي شيء وهو موقف وطني يُحسب للرجل لأنه بذلك امتنع عن نقل أخبار أمته ومتعلقاتها إلى المستعمر وغيرهم كثير، هذه النخبة يقول عنها الغنوشي: "ولذلك لم تكن الحركة الإسلامية المعاصرة في تونس من ثمار جامع الزيتونة بل لم يكن للجامع دور يذكر في نشأتها، كانت الحركة الإسلامية إلى حدّ كبير انعكاسا لأثر الفكر الإصلاحي في المشرق.... واصطدمنا في المجتمع التقليدي بمشائخ جامع الزيتونة.... كنا نحمل نوعا من النقمة في الحقيقة على المشائخ الذين كنا نعتبر أنهم لم ينهضوا بالأمانة وفرطوا في البلاد وأسلموها إلى العلمانية"(1) ومن الجدير بالملاحظة أن من يخاصم جامع الزيتونة في ذلك الوقت إنما يخاصم الأمة جميعها لأن الجامع أيامها كان الحاضنة الفكرية التي فيها تربى وظهر قادة التنوير والحداثة كالحداد والشابي وابن عاشور والمهيدي وعلي الورداني ومصطفى خريف وآل الصنادلي وغيرهم كثير كما أن طلبته كانوا وقود الحركة الوطنية الذين يتظاهرون ويواجهون المستعمر في كامل أرجاء الوطن وما رسائل الزعيم بورقيبة إلى صالح بن يوسف وغيره المنبّهة إلى ضرورة الاهتمام بالجسم الزيتوني إلا الشاهد على صحّة ما ذكر، إن عداء الحركة الإسلامية لجامع الزيتونة ليست إلا الوجه الخفي لعدائها للوطن ولنخبه وما نلاحظه اليوم من تمسّح على أعتاب تونس والتونسيّين إلا محاولة لفكّ الحصار وانحناء حتى تمرّ العاصفة، وممّا لا مراء فيه أن مواقف الحركة التي تجهد هذه الأيام على إخفائها هي معلومة لكلّ من عاشر نصوصهم وفيما يلي أورد مواقف الحركة وقياداتها كما سجّلها التاريخ في مسألة المرأة ومجلة الأحوال الشخصية:
1) سنة 1979 نشرت مجلة المعرفة نصا لمحمد الصالح النيفر ادّعى فيه أن كتاب الطاهر الحداد عن المرأة وتحريرها طبعه القس سلام وروّجه الآباء البيض أي أنه نبت كنسي وهو ما يعني أن الحداد كافر وجب طرده من الملّة مستشهدا في ذلك بقول لعبد الحميد ابن باديس(2).
2) عرفت حركة الاتجاه الإسلامي ربيعها في فترة حكم مزالي حيث تجرّأت في تلك الفترة وشكّـكت في مجلة الأحوال الشخصية علنا وهو أمر ما كان من الممكن أن يحدث لولا تستر مزالي على صنيعهم، ففي ندوة صحفيّة عقدتها الحركة في 6 جوان 1985 بمناسبة تأسيسها تحدث مورو عن م أش بحضور الغنوشي قال: "من هي جماهير الشعب التي قرّرت عام 1957؟، من قرّر في مجلة الأحوال الشخصية وفرضها على المجتمع التونسي؟، هو فرد من طرف واحد فرض القضية على المجتمع..... ودعوتنا كإسلاميّين إلى تكوين مجلس وطني للإنكباب على هذه القضية التي يتآكل جراءها كل المجتمع... خاصة وأن النظام فرض علينا أن نعتبر قضية مجلة الأحوال الشخصيّة مفصولا فيها انتهت وتمّت في تونس لا يتجرأ أحد على رفع عقيرته بالدعوة إلى مراجعة هذه المجلة لماذا؟ إذا كانت هذه المجلة تقدميّة خلي الشعب يؤيدها ويؤيدها التقدميّون"(3) وقد كان لنشر هذا الموقف الداعي إلى الاستفتاء على م أش الوقع الشديد لخطورته حيث واجهته النخبة وسفهته فما كان من الحركة إلا العودة إلى صنيعها بالتكذيب والقول بأن الكلام أخرج عن سياقه وهو ما دفع بمجلة الموقف إلى النشر الحرفي لِما جاء في الندوة، وعبد الفتاح مورو فيما ذكر إنما هو ناقل وفيّ لِما كتب رئيس الحركة سنة 1984 في وثيقة من وثائقهم السرية التي نشرت فيما بعد، قال: "ومن هنا فإن خطورة هذه المجلة كما أكدنا في موضع آخر لا تكمن أساسا في بعض نصوصها التي أُسقطت على المجتمع إسقاطا بدون دراسة متأنية (مثل إباحة التبني)... وإنما تكمن خطورتها أساسا في الموجة التي صاحبتها وسبقتها ولحقتها وساهمت هي في إلهاب نارها أعني موجة التغريب"(4) مختتما ما ذكر بقوله: "إن المجلة البورقيبية المعروفة بمجلة الأحوال الشخصية كانت من خلال ما حفّ بها من أجواء استجابة لا وطنيّة لمطالب وطنيّة"(5).
3) يحتل الطاهر الحداد موقفا متميّزا في المنظومة الفكرية التونسية بمؤلَّفَيه الرائدين عن المسألة النقابية وعن تحرير المرأة ولا يمكن لدارس أو باحث أو سياسي أن يتجاوزه إن تحدث في هاتين المسألتين باستثناء راشد الغنوشي الذي تحدث عن المرأة في كتابين له ولكنه لم يذكر الحدّاد إلا مرّة واحدة في معرض الشتم قال: "والتهجم على العراء والاختلاط بين الجنسين وعلى عمل المرأة المأجور خارج البيت وعلى كتابات الحداد كانت تلك أهمّ القضايا التي شغلت الأدبيات الإسلامية في المسألة النسائية"(6).
تلك هي الأسس التي يقوم عليها موقف حركة النهضة من المرأة التي لم تحد عنها قيد أنملة ممثلة في عدائها للفكر الحداثي ولممثله الطاهر الحدّاد بصورة خاصة ورفضها لمجلة الأحوال الشخصية جملة وتفصيلا واعتبارها جزءا من مؤامرة تغريبية كنسيّة تستهدف مسخ شخصية الأمة، ولأن الحركة تعلم مليا أنه يستحيل عليها اليوم أن تصرّح بحقيقة مواقفها هذه فإنها تعمل على إثارة بعض المسائل الجانبيّة التي تبقي النقاش حول م أش حيّا ومتداولا، من ذلك أن الحركة لمّا تمكنت من الوصول إلى الحكم لم تستطع إلغاء م أش فما كان منها إلا أن التجأت إلى الخطة البديلة باقتراحها النص على أن المرأة مكمّلة للرجل في الدستور الذي اقترحته أو إثارة اللغط حول الحجاب بعد منع مضيفة في تونس الجوية من ارتدائه أثناء العمل علما وأن الغنوشي يصف المحجبات بأنهن حاملات للراية الإسلامية أو اقتراح إلغاء التبني أو معارضة المساواة في الإرث بين الذكر والأنثى وحث تُبَّع الحركة في جامعة الزيتونة على القيام بهذه المهام القذرة، فلا تغرنكم ذرابة اللسان أو الاحتفال بيوم المرأة في مونبليزير فذلك مجرد غطاء لِما يُعدّون ممّا هو قادم إن تمكّنوا من رقابنا.
------
الهوامش
1) "من تجربة الحركة الإسلامية في تونس" راشد الغنوشي، دار المجتهد للنشر والتوزيع، طبعة تونس الأولى، ص41 و44 و228.
2) مجلة المعرفة العدد4 السنة 5 عام 1979، ص9.
3) مجلة الموقف العدد64 السبت 10 أوت 1985 ص30.
4) "المرأة المسلمة في تونس بين توجيهات القرآن وواقع المجتمع التونسي" راشد الغنوشي، دار القلم للنشر والتوزيع الكويت 1993، ط2 ص139 و140.
5) المصدر السابق ص148 و149.
6) "المرأة بين القرآن وواقع المسلمين" راشد الغنوشي، مطبعة تونس قرطاج، دون تاريخ، ص35.
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: