أنس الشابي - تونس
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 903
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
يوم 25 جويلية 2021 وبعد عشر سنوات من التدمير المُمنهج لقدرات البلاد وخيراتها خرج الشعب مطالبا بإخراج حركة النهضة من الحكم وكان الهجوم على مقرّاتها الرسالة الواضحة والجليّة لهذا الطلب، يومها التقط رئيس الدولة الرسالة ففعّل الفصل 80 من دستور 2014 معلنا تجميد مجلس النواب لنشاهد رئيسه واقفا عند البوابة المغلقة في مشهد لن ينساه التونسيّون لأنه مثّل نهاية حقبة أُغلق بها قوس من الفساد الذي استشرى وعمّ كل مجالات الحياة.
بعد سنة ونصف من ذلك اليوم عرفت البلاد تغييرات سياسيّة طالت مختلف المؤسّسات الرسميّة فبعضها ألغي تماما وبعضها جُمّد وبعضها الآخر غُيّرت تركيبته، وبعد أن أجريت استشارة عقبها استفتاء وصدور دستور في انتظار انتخابات تشريعيّة قادمة، من الواجب أن نقيّم الأوضاع وأن نحدّد الجهات الرابحة والخاسرة من قرارات 25 جويلية 2021 دون غيرها بحيث ينحصر حديثنا في ما له علاقة بها فقط.
في البدء نقول بأن الجهات التي نقصدها هي التي شاركت في الحكم بعد سنة 2011 وكانت فاعلة في مؤسّساته بما مكّنها هذا الحضور من القدرة على التأثير في الوقائع والتوجّهات العامة، وهي لا تخلو عن جهتين قيس سعيد المدجّج بصلاحيّات رئيس الجمهورية والمراسيم وحركة النهضة التي تمتلك حضورا لافتا في مؤسّسات الدولة هو حصيلة عشر سنوات من حكمها للبلاد، أمّا باقي التنويعات السياسيّة التي تعيش على هامش هذين الطرفين وتقتات من فضلاتهما وسبق لها أن شاركت في العشريّة السوداء كحركة الشعب وقلب تونس والتيار الشعبي والديمقراطي وغير ذلك من التسميات فلن نلقي لها بالا لأنها لا تمتلك قرارها بيدها بل هي مرهونة لأحد الطرفين، أمّا الحزب الدستوري الحرّ فهو خارج هذه المعادلة لأنه لم يشارك في الحكم وبقي متمسّكا بخطّه الرافض للخلط بين الدين والسياسة والمدافع عن مدنيّة الدولة لهذا السبب لم يكن لقرارات 25 جويلية لديه أي تأثير على الخطّ العام لسياسته الذي أكّدت الأيام صحّته.
نعود إلى ما كنا فيه لنستنطق مؤشّرات الربح والخسارة لدى الطرفين الرئيسيين وهما:
1) قيس سعيد، اضطررت لذكر الاسم فقط لأنه لحدّ الآن لم يُفصح عن تنظيم سياسي يعبّر عن توجّهاته ويدافع عن سياساته بصورة رسميّة وإن كان هنالك مفسّرون وتجمّعات تروّج انتسابها إليه، ولم أذكر صفته لأن مؤسّسة رئاسة الجمهورية خارج هذا التقدير، فحديثنا لن يكون إلا عن قيس سعيد فاعلا سياسيّا، وفي تقديري أن الخاسر الأكبر من قرارات 25 جويلية هو صانعها يدلّ على ذلك أنه لم يتمكّن من المحافظة على المساندة الشعبيّة التي توفّرت له بعد إعلان قراراته التي تكاتف حولها الناس من فئات مختلفة بجانب قسم كبير من النخبة المدافعة عن الدولة المدنيّة، ذلك أن الخطوات التي تلت ذلك اليوم المشهود وكان من المفروض أن تكون ترجمة حرفيّة لإخراج النهضة من البرلمان ومن الحكم ومحاسبتها على ما ارتكبت طوال فترة حكمها كانت دون ما كان متوقّعا إن لم نقل أنها كانت مناقضة للمأمول، فمنذ الأيام الأولى أصرّ الحكم على حماية بؤرة القرضاوي فضلا عن الفصل الخامس المتعلّق بالمقاصد وكلمات قيس سعيد حول الإرث والحكم في الإسلام والحرية التي جاء بها الخضر حسين واستشهاده بعتاة التطرّف والانغلاق كالبشير النيفر جدّ احميدة النيفر صاحب رابطة تونس للتعدّد والثقافة التي يلعب فيها نوفل سعيّد دورا رئيسيّا، كل هذا أدّى إلى قناعة لدى قسم كبير من النخبة بأن قيس يتحرّك في نفس الفضاء الذي تتحرّك فيه حركة النهضة وأنّ خلافه ليس مع توجّهات الحركة وأهدافها بل هو خلاف شخصي مع رئيسها ظهر بصورة مكشوفة في الاجتماع الذي دعا إليه الرئيس وحضرته المنظمات القوميّة للنظر في الترشيح لرئاسة الحكومة إثر انتخابات 2019 إلا أن الغنوشي بعنجهيّته المعهودة وعدم احترامه للمقامات أنهى الاجتماع حالما ابتدأ بالقول إن المفاوضات حول الموضوع انتهت، بما يعني أن هذا الاجتماع الرئاسي ليس له أي معنى، هذا الفشل في المحافظة على السند الشعبي فضلا عن توسيعه نلحظه كذلك في القدرة الغريبة لقيس سعيد على دفع الأصدقاء إلى الابتعاد عنه فحتى الذين ساندوه إلى آخر لحظة كالعميد الصادق بلعيد والأستاذ أمين محفوظ تعرّضا إلى معاملة نعفّ بقلمنا عن وصفها فانقلبا إلى الصفّ المعادي، في نفس الوقت لا يجد قيس حرجا في أن يعيّن في الهيئة الوطنية الاستشارية من أجل جمهورية جديدة متنافرات لا يجمع بينها سوى خيط واحد هو التقرب من السلطان أيّا يكون، وإلا ما الذي يجمع الرحوي بالحمامي بالدزيري ببودربالة بالخلفاوي بطوبال بالمسدي..... في نفس الوقت نجد أن عمداء كليات القانون الذين يعرفون ويعرفهم صاحب الدعوة حقّ المعرفة يقاطعون الهيئة وهو أمر محيّر خصوصا إذا وجدنا أن قيس سعيد لحدّ الآن لم يستقبل مثقّفا واحدا أو صاحب رأي كما أنّنا لا نجد لديه مستشارا ثقافيّا وهو أمر ينبئ بفشل محتّم، قال ابن أبي الضياف في إتحافه: "يُستدلُّ على إدبار الملك بخمسة أمور، أن يستكفي الملك بالأحداث ومن لا خبرة له بالعواقب، واستهانته بنصائح العقلاء وأراء ذوي الحكمة..."، غياب أصحاب الرأي وعدم الإنصات إليهم نلحظ نتائجه في عجز الحكم عن سدّ الشغورات في المناصب العليا لأن تسيير الدولة عمل جماعي يَنْظُم خيطه وفاق إيديولوجي وفكري وسياسي يعبّر عنه اصطلاحيّا بالكفاءة وهو أمر مفقود في حالتنا، حيث خضعت التعيينات التي تمّت إلى مجرد ولاء شخصي لا يعتدّ به وهو ما نلحظ نتائجه في الاستقالات والإقالات وفي السلوك المتخبّط لبعض الولاة مثلا.
2) أما بالنسبة لحركة النهضة فإن قرارات 25 جويلية والنكوص عنها فيما بعد مكناها من العودة إلى الساحة مجدّدا من خلال:
* استعادة فرية المظلوميّة وترويجها باعتبارها فصيلا سياسيّا مضطهدا.
* عودة كلّ الذين أعلنوا أن لهم خلافا معها ووقوفهم جميعا في صفّ واحد وراء الغنوشي ضد قيس سعيد وقراراته.
* امتناع الحكم عن إثبات أي اتهام للحركة بالفساد أو بالإرهاب أو بالتسفير رغم أن الملفّات موجودة على مكتب الرئيس منذ أيام الباجي.
* التخلّص نهائيا من تبعات الفشل الاقتصادي والسياسي التي ظهرت آثاره ممثلا في فقدان المواد الأساسيّة كالحليب وغيره وإلباس جبة الفشل لقيس سعيد الذي يحكم وحده منذ سنة ونصف، بحيث خرجت الحركة من الحكم كما يقال "صابونها نظيف" في انتظار العودة إليه.
* محافظة الحركة على سيطرتها على الخطاب والجمعيّات الدينيّة من خلال تعيين قيس سعيد لوزير شؤون دينيّة يشرف على حوالي 5000 مسجد وجامع سبق له أن اعتبر أن الغنوشي مجدّدا وصاحب فكر سياسي شرعي، كما يصرّ الحكم على حماية بؤرة القرضاوي التي أسّسها الغنوشي هذا فضلا عن العلاقة التي تربط القصر برابطة تونس للثقافة والتعدّد عن طريق شقيق الرئيس وهي الجمعيّة التي يرأسها احميدة النيفر المشارك في المؤتمر العاشر لحركة النهضة ضمن لجانه الرسميّة.
إن استعادة الأنفاس التي عرفتها حركة النهضة بعد قرارات 25 جويلية المجهضة ما كان لها أن تحدث لولا نكوص قيس سعيد عن تعهّداته ذات مساء، والذي نخلص إليه أن الحركة وإن استعادت الحياة هذه الأيام وطال لسانها من خلال بياناتها وكلمات رئيسها فإن ذلك مؤقت لأن حياة أي تنظيم وبقاءه رهين رضا الناس، ولأنها فقدت السند الشعبي رغم الأكاذيب التي تروّجها وتنشرها أبواقها المأجورة فإنها إلى زوال محتّم، هذا عن الذي يبدو أنه رابح فما بالك بالخاسر.
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: