الغنوشي وعائلته من قصور الحكم
إلى أروقة المحاكم: الأسباب والمسبّبات
أنس الشابي - تونس
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 943
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
اقترب موعد انتخابات 17 ديسمبر فاستدعيت القيادات النهضوية للبحث في قضايا مرفوعة ضدّها منها ما يتعلق بالتسفير أوبتبييض الأموال وبغيرهما، واللافت للنظر أن زعيم الحركة الذي دخل العقد التاسع من عمره ما زال مصرّا على تصدّر الساحة السياسيّة رغم خيباته المتتالية وفشله في كل المهام التي تقدّم للقيام بها خصوصا في إدارته للشأن العام طوال العشر سنوات الماضية، فتجده اليوم يقضي ما يفوق السبع ساعات في البحث دون أن يفعل فيه الزمن فعله وحتى بعد صدور بطاقة جلب دوليّة في ابنه أطل على أنصاره من سقف سيارته المصفّحة رافعا شارة النصر، كلّ ذلك في محاولة منه لإلغاء ومحو الصورة المهينة التي ظهر بها يوم 25 جويلية ليلا أمام أبواب مبنى مجلس باردو المغلقة.
إن المتأمّل في الأداء السياسي لراشد الغنوشي طوال مسيرته يلحظ أنها تقوم على جملة من المرتكزات هي نفسها التي نجدها لدى نظرائه في التنظيمات الأخرى وهي التالية:
1) زعامته للحركة زعامة مؤبّدة لا ينفرط عقدها إلا بالوفاة، ففي رسالة للغنوشي ردّا على المائة نهضوي الذين دعوه للتنحي سنة 2020 قال: "أمّا الزعماء... فهم الاستثناء من القاعدة لقدرتهم على الصمود في مواجهة عامل التهرئة... الزعماء جلودهم خشنة يتحمّلون الصدمات ويستوعبون تقلّبات الزمان ويقاومون عامل التهرئة إذ يتجدّدون... أمثال هذه الزعامات تبحث عنها الأحزاب تمييزا بين رؤساء الأحزاب –وما أكثرهم- غالبا لا تتحمّلهم أحزابهم لأكثر من دورة، وبين زعماء أحزاب لا يجود الزمان بمثلهم إلا قليلا فتستمسك بهم أحزابهم وشعوبهم ولا تحصي عليهم أنفاسهم تنتظر انقطاعها وإنما تخشى فقدهم وتتحسّر على غروب شموسهم... ومن أمثلة هؤلاء الزعماء الذين حفظ التاريخ ذكرهم تزعموا أحزابهم وهم شباب واستمروا في قيادتها وهم شيب إذ قادوها عقودا إلى قمة المجد والسلطة..."(1) وهو فيما ذكر يحافظ على إرث الحركات الإخوانية في شقيها السني والشيعي التي لا تعرف تغييرا إلا بالوفاة، ومن النوادر التي لن تمحى من أذهان التونسيّين أن من سمّي شيخ جامع الزيتونة حسين العبيدي في حفل حضره وزراء الشؤون الدينيّة والتربية والتعليم العالي وغيرهم من إطارات الترويكا رحب بحضور الغنوشي قائلا "رضي الله عنه" وهي الترضية التي لا تقال إلا للصحابة والتابعين وفق ما تواضع عليه علماء الأمة، ولو طال الأمر بالجماعة في الحكم لوصلنا إلى التصلية على الغنوشي تشبّها بالرسول عليه الصلاة والسلام.
2) هذه الزعامة تتأكّد بالبيعة التي يطالَب المنتسب بأدائها وهي التي عرّفها ابن خلدون بأنها: "العهد على الطاعة كأن المبايع يعاهد أميره على أن يُسْلِم له النظر في أمر نفسه وأمور المسلمين لا ينازعه في شيء من ذلك ويطيعه فيما يكلّفه به من الأمر على المنشط والمكره"(2) هذا المعنى نجد تفصيله فيما نشر منتسبو حركة النهضة حيث لا تتمّ المبايعة إلا بعد استيفاء شروط والمرور بامتحان عسير يقول لطفي زيتون: "هناك شروط، مثلا أنك تحفظ ستة أحزاب، ألا تدخن وأن تكون قضيت فترة تجربة في الأسرة المفتوحة، أنا كنت من سنة 1981 إلى 1984 فترة ثلاث سنوات في أسرة مفتوحة: متابعة وتكوين سياسي... وهناك من بقي حتى عشر سنوات في الأسرة المفتوحة دون أن يتحوّل إلى أسرة ملتزمة، القيادة هي التي تختار من ترشّحهم، كل منطقة ترشح مجموعة من الأعضاء، وفيما بعد تقع الغربلة على المستوى المركزي وتختار مجموعة تطرح عليهم المسألة وهي أنّهم مرشحون لأداء البيعة والالتزام ومن يريد أن يرفض له أن يرفض منذئذ... وهنالك من حصلت لهم صدمات فهم يظنون أنفسهم ملتزمين في الحركة ثم يتبيّن للواحد أنه ليس عضوا فيقوم بردّ فعل سلبي ينفعل ويقول (ماذا كنت إذن لأصبح الآن عضوا !!!)"(3) ترجمة لما ذُكر نصّ القانون الأساسي للحركة المنشور في كتاب الغنوشي سنة 2011 في تونس في الفقرة الثالثة من الفصل السادس على أن "يؤدي العضو بيعة الالتزام بالولاء وطاعة قيادة الحركة وحفظ أمانتها وبذل الوسع في تحقيق أهدافها والانضباط إلى نظمها ومناهجها"(4) غير أن هذا الفصل الذي ينصّ على البيعة الأبدية لقائد الحركة وليس لبرنامجها أو خطّها السياسي يحذف ممّا هو مكتوب ويعوّض بآخر في القانون الأساسي الذي نقّح في المؤتمر التاسع سنة 2012 نصّه في الفصل العاشر كالتالي: "تكتسب العضويّة لكلّ منخرط... طبقا لإجراءات يحدّدها النظام الداخلي" وفي المؤتمر العاشر اقتربت الحركة من الأحزاب المدنيّة في شروط العضويّة وتعمدت إخفاء البيعة ليصبح الفصل كالتالي: " ينبغي على أعضاء الحزب الالتزام بمبادئ الحزب والتحلي بقيمه والانضباط لقراراته والالتزام بالنظامين الأساسي والداخلي وبمقتضيات اللوائح الصادرة عن مختلف هياكل الحزب"، إلا أن هذا التغيير لم يتجاوز حدود إبدال كلمة بأخرى لأنه لم يغيّر من طبيعة العلاقة بين أمير الحركة ومبايعيه فحتى الذين أشاعوا استقالاتهم من الحركة ونشروا فرية خلافهم مع رئيسها صمتوا عن توضيح الأسباب الحقيقية لذلك منتظرين الفرصة للعودة وهو ما حصل مع احميدة النيفر الذي عاد من بوابة المؤتمر العاشر وغيره ممن تحينوا فيما بعد فرصة 25 جويلية أو حماية بؤرة القرضاوي لإثبات وفائهم للبيعة التي تطوّق أعناقهم، في هذا معنى نشر الشيخ خميس الماجري على صفحته يوم 20 ماي 2018 تعليقا جاء فيه: "لماذا لا يُعلن حمادي الجبالي عن خلافاته الضخمة مع حزب النهضة ومع الغنوشي وهو يتحدّث بها في مجالسه الخاصة؟ لماذا لا يتحدّث عن خلافاته معهم وهو خارج الحزب كما أعلن يوسف الشاهد خلافه مع حافظ السبسي وحزب النداء وهو في الحكم؟ هل يوسف الشاهد أشجع من الجبالي أم لأن بيعته الدينيّة للغنوشي لا تزال تكبله عن الصدع بالحق ونفع الشعب التونسي؟ أم لأن الجبالي يخاف من ردود الاستبداد الغنوشي والبطش النهضاوي ؟"(5) وهو ما يعني أن ما يمكن أن يشاع من خلافات داخل الحركات الدينيّة السياسيّة يمكن أن يلامس كل شيء سوى صورة المرشد /الشيخ وقراراته.
3) قادة الحركات الإسلامية جميعهم لا يقبلون أي معارضة لهم ولا يستسيغون مناقشتهم فيما يقرّرون وهي ظاهرة تعود إلى طبيعة العقيدة التي يصدرون عنها حيث يتوهّمون ويوهمون غيرهم بأنهم خلفاء الرسول يحتلّون موقع النبي في الأمر والنهي وإن لم يصرّحوا بذلك علنا قال الغنوشي: "إن طاعة المسلم لحكومته في هذه الحالة ليست طاعة لشخص حاكم بل هي طاعة لصاحب الشريعة طاعة يستحق عليها ثوابا وإن تمرّده على تلك الأوامر الملتزمة بدستور الدولة (الشريعة) يجعله آثما"(6) أبدلوا لفظ الحكومة بلفظ الغنوشي حتى تحصلوا على المعنى الحقيقي للبيعة في المنشط والمكره، لهذا السبب كانت قساوة زعماء الحركات الإسلامية مع مخالفيهم غليظة وشديدة من ذلك أنه في سبعينات القرن الماضي أيام كان العمل منحصرا في الدروس وتجميع المناصرين اشتهر من بين دعاة تلك الفترة المرحوم حسن الغضباني الذي كان جامع سيدي محرز يغصّ بالآلاف من مستمعيه الأمر الذي لفت انتباه مجلة جون أفريك فخصّصت ثلاثة أعداد تحدثت فيها عن الظاهرة الإسلامية مركزة على المرحوم بنشر صورته وهو ما جعل الغنوشي يغتاظ ويدفع بمجلة المعرفة إلى نشر نصوص لتشويه الإعلام الغربي كما اقترح على المرحوم الذهاب إلى أستراليا للدعوة هناك وهو ما رفضه وكانت النتيجة أن شُنت عليه حملة بذيئة أنزلوه فيها من فوق المنابر ومنعوه من اعتلائها(7) وهو الأمر نفسه الذي حدث مع الشيخ خميس الماجري الذي منعوه من إمامة الناس وحاكموه بمقتضى قانون المساجد ليقضي مدّة في سجن بنزرت حدث هذا في فترة حكم النهضة كل ذلك لأنه استقال منها معتبرا أن خط سيرها مخالف للإسلام وللشرع، أما ثالثة الأثافي فهي المأساة التي تعرّض لها المرحوم صالح كركر أحد مؤسّسي الحركة الذي عارض الغنوشي وكتب في ذلك رسائل وزعت داخلها ثم مقالات نشرت في الصحافة يقول كمال الحوكي أحد القدامى: "الجميع يعلم أن المرحوم كركر بعث رسالة للغنوشي في الثمانينات انتقد فيها الغنوشي بسبب عدم احترامه للمؤسّسات لذلك وقع التنكيل به واتهم بالإرهاب من قبل مسؤولين أحدهم في الحكومة الحالية وآخر في الحزب عقابا له على مواقفه"(8) ويضيف الشيخ خميس الماجري قائلا: "وأما مسألة صالح كركر فهذه مأساة وكارثة لقد أطرده الغنوشي سنة 2004 ووضعوا له مقلبا أمنيا خطيرا شارك فيه من هو في السلطة اليوم ثم جاؤوا به إلى المؤتمر ديكورا لأن الرجل مريض عاجز ليست له ذاكرة وقد جيء به رغما عن أسرته وكأنما اختطفوه خطفا والذي أدهشني ما قاله راشد أن صالح كرر تقدّم منافسا له للرئاسة"(9).
4) اعتماده على العائلة والأقارب في كبرى الملفات وما تعيين الغنوشي لبوشلاكة وزيرا للخارجبة رغم أنف قيادات نهضوية كثيرة إلا الدليل على صحة ما نقول فضلا عن الحبيب خذر وغيرهما، فقد روى محمد بن سالم أنه تمّ تعيين عبد الفتاح مورو نائب رئيس مكلف بالعلاقات الخارجيّة بصورة شكليّة إلا أنه لم يمارس هذه الوظيفة أبدا لأن هذا الملف من اختصاص الصهر(10) ولا بأس في هذا المجال أن نذكّر بقضية المليار الصيني المتهم فيها بوشلاكة ومبيته في نزل الشيراتون صحبة قريبته وهو ما جعل النقد الذي انصب على رأس الغنوشي يتمحور حول صهره الذي يقول عنه بلديّه المرحوم كمال الزغبابي: "وقد كان آخر عهد لي به لمّا كان طالبا أقلّ من متوسّط في الجامعة التي كان فيها مشغولا بتعنيف خصومه الإيديولوجيين أكثر منه بالدراسة"(11) وهو ما يحيلنا إلى صهر آخر شبيه بالذي ذكر هو عبد الحكيم عابدين صهر حسن البنا الذي كان يتحرّش بالأخوات المسلمات ورغم ثبوت التهمة عن طريق لجنة ألفها البنا ذاته إلا أنه ألغى نتائج أعمالها وحافظ على صهره كما هو الحال لدينا، أما معاذ الغنوشيي فقد صدرت في حقه بطاقة جلب دولية وهو الذي لا نعلم عنه وعن وضعه داخل الحركة سوى أنه ابن رئيسها بجانب نتف من الأخبار والمعلومات القليلة غير المؤكدة التي تذهب إلى أنه يحتل موقعا شبيها بموقع حافظ لدى السبسي أو صخر لدى ليلى.
ما كنت أرضى لأستاذ درسني قبل نصف قرن أن تكون نهايته "التمرميد" في كولوارت المحاكم ولكن لسوء التدبير وللتهافت على السلطة أحكامهما ونتائجهما.
2) "مقدمة ابن خلدون، نشر دار المصحف القاهرة بدون تاريخ ص149.
3) "سيرة ابن نقابي عاشوري أصبح نهضويا" لطفي زيتون، دار برسبكتيف للنشر، تونس 2017 ص89.
4) "الحريات العامة في الدولة الإسلامية" راشد الغنوشي، دار المجتهد للنشر والتوزيع، تونس 2011 ص384.
5) رابطه كالتالي: https://m.facebook.com/alkhamis.mejri/posts/pfbid03ShtXjpRoU7CQEK3UgKYDyaiKddHZD7 VrGzXiEwDn4fhMpG93iPoEgmpAcpDgQwSl?_rdr
6) الحريات العامة للغنوشي، ص117.
7) دراسة "حقيقة الخلاف بين حسن الغضباني وراشد الغنوشي (قراءة في الوثائق)" في كتاب "أعلام وقضايا" أنس الشابي، دار برسبكتيف للنشر، تونس 2015، ص186 وما بعدها.
8) جريدة حقائق العدد 222 بتاريخ 16 نوفمبر 2012.
9) جريدة الحصاد بتاريخ 8 جانفي 2013.
10) رابطه كالتالي: https://www.facebook.com/anas.chebbi.9/posts/pfbid02rd5E3oCRS QGsmSuMGNbB2zFxDBm 8gFsfxGGMgoen7NjqtrCwUub3G2GcHV8y8xTAl
11) مقال للمرحوم كمال الزغبابي "سمية... رفيق... حبيب...في السياسة العائلية وآفاتها" منشور على صفحته بتاريخ 29 ديسمبر 2011 رابطه كالتالي https://www.facebook.com/notes/712007459400785/
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: