البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبالاتصال بنا
 
 
 
المقالات الاكثر قراءة
 
تصفح باقي الإدراجات
أحدث المقالات

تونس.. الديمقراطية والاستئصال لا يلتقيان

كاتب المقال نور الدين العلوي - تونس   
 المشاهدات: 129



ما زلنا نجد الحاجة إلى تفكيك الاستئصال بصفته ممارسة معادية للديمقراطية، وقد علمتنا ذلك تجربة تونس السياسية منذ ما قبل الثورة. ونحن نتابع هذه الأيام محاولات النخبة التونسية الخروج من تحت سقف الانقلاب ونسمع حديثهم عن استعادة الديمقراطية، لا نشاركهم التفاؤل بقرب تحقيق مطلبهم لأننا نرى أن العاهة التي كسرت تجربة البناء الديمقراطية بعد الثورة لا تزال فعالة وتؤطر كل التحركات السياسية ونعني عاهة الاستئصال السياسي التي نجزم أنها عاهة مانعة للديمقراطية، بل مانعة لكل تقدم تاريخي على طريق الديمقراطية.

الاستئصال في تونس تخصص حداثي
من حيل الاستئصال في تونس أن الاستئصالي يميع الحديث بقول خبيث مفاده أن “الجميع يستأصل الجميع”، فيجعل الضحايا مساوين للمجرمين، لكننا نؤصل الممارسة الاستئصالية بلا وجل ولا تردد في ممارسات الزعيم المؤسس بورقيبة ومنه تعلم تلاميذه وواصلوا بناء السياسة على قتل الخصوم فعليًا ورمزيًا.

استلم بورقيبة مجتمعًا تعدديًا يوجد به تيار أصولي زيتوني وتيار يساري شيوعي وليبراليون وعروبيون قوميون فمنع بالقوة الجميع من الفعل السياسي باسم الوحدة القومية (مشروع الأمة التونسية ذات الرسالة التحديثية)، ومن هناك بدأ الاستئصال فصار أساس بناء الدولة ذات الصوت الواحد والرأي الواحد والزعيم الواحد الأوحد.

كان الاحتمال الديمقراطي بعد الاستقلال قريبًا، لكن الزعيم محاه وأسس أسطورته التي لا مثيل لها ولا شريك ولا بديل عنها، لقد شرع القتل السياسي فبنى دولة قاتلة لأبنائها قتلًا رمزيًا، لكنها لم تتورع عن قتل حقيقي لم تضع أسماء ضحاياه حتى الذين دفنوا في الخرسانة.

الغريب أن ضحايا الاستئصال في دولة بورقيبة تحولوا بسرعة إلى أدوات استئصال في دولته، فالذين تعرضوا للإلغاء السياسي هم الآن في قلب ماكينة الاستئصال التي تواصل الدولة توظيفها ضمن نفس المشروع، لقد تغير الضحايا.

الاستئصال دمر الثورة
حدثت انتفاضة أسميناها ثورة وبها صار احتمال بناء الديمقراطية أفقًا ممكنًا وشرع فعلًا في التمرين المؤسس وهو الانتخابات الشفافة وسار البلد خطوات مهمة حتى أوشك أن يقضي على الاستئصال أي أن يعيد بناء الدولة على أسس ديمقراطية، لكن ثقل الاستئصاليين غلب، فارتدت الدولة والمجتمع عن مسار البناء الديمقراطي وأقصى الطامعون الجدد في المشاركة أي ضحايا الاستئصال الذي استمر منذ تأسيس الدولة حتى حصول الثورة.

من هؤلاء؟ إنهم أبناء الداخل المفقر والضواحي المهمشة في المدن الكبرى منذ تأسيس الدولة والذين عبروا عن وجودهم بانتماء الغالبية منهم إلى الإسلاميين الذين كانوا مزيجًا من العروبيين اليوسفيين والزيتونيين والتيارات الإسلامية المستجدة المقموعين منذ البداية.

شكل هؤلاء مع آخرين يشبهونهم تيارًا غير متجانس غير أنه يشعر بأن له حقًا سلب منه وقد حان أوان استرداده، وكان مجرد ذكر الحقوق كالتنصيص على الميز الإيجابي في الدستور أو ذكر اللامركزية الإدارية (الباب السابع من دستور 2014) مثيرًا لمخاوف الاستئصاليين المالكين الفعليين للدولة ولمنافعها، فانطلقت حرب الاستئصال من جديد وبوسائل غاية في الخسة حتى وصلت تونس إلى وضعها الراهن وقد خسرت الديمقراطية وتعمل على استعادتها متجاهلة أسباب ضياعها.

الذين ضيعوا الديمقراطية لن يعيدوها
الأمر بسيط وواضح لكل متابع بأقل القليل من أدوات التحليل السياسي، الذين كانوا سببًا ووسيلةً لسقوط التجربة ينوحون الآن عليها ويزعمون السعي في إعادة إصلاح ما فسد، دون أن ينبس أي منهم بقول أو إشارة إلى دوره في أسباب سقوطها، بما يقلل من الثقة في خطابهم ولا يمكنهم من استمالة الجمهور الصامت إلى مشروعهم أو إلى أشخاصهم.

إن إحدى أسس الخطاب الاستئصالي وتعبيراته هي احتقار الجمهور والاستهانة بذكائه لأنه لا يملك اللغة الأنيقة التي تستعملها النخب، فيخيل إلى الاستئصالي أن الجمهور الجاهل سلس القياد، فيعيد عليه نفس الأكاذيب معتقدًا أنه نسى السابق منها، لكن الجمهور لا ينسى، إنه فقط يتجاهل لأنه لا يملك الوقت والرفاه ليخوض حروب النخب والاستئصالية منها بالخصوص، فالتونسيون في الأعم الأغلب منهم ليسوا إسلاميين بالمعنى الحزبي لكنهم لا يجدون سببًا للحرب على الإسلاميين، لذلك لا يصوتون لهم لكنهم لا يحاربونهم.

تحت تأثير التيار الاستئصالي وجد عامة الناس أنفسهم في حرب مع الإسلاميين يقودهم خطاب إعلامي منظم وماكر بمجموعة من الأكاذيب والخدع منها على سبيل المثال أن الإسلاميين (النهضة) حكموا وحدهم بعد الثورة وأنهم مكنوا لعناصرهم من مفاصل الدولة وأنهم سرقوا المال العام بتعويضات مالية.

بعد الانقلاب وبعد قضايا كثيرة رفعت ضدهم على أساس الأكاذيب المذكورة، لم يظفر قاض واحد بسبب متين لإدانة أي منهم، ولم يتخل الاستئصاليون عن كذبهم لكن قطاعًا واسعًا من الجمهور طرح أسئلة كثيرة عن الكاذبين والمكذوب عليهم.

ونظن يقينًا أنهم انسحبوا من حرب ليست حربهم، لا نظنهم اقتربوا من الإسلاميين (فالصندوق الانتخابي غائب) لكن يقينًا أنهم ابتعدوا عن الاستئصاليين، خاصة وهم يرون الاستئصاليين يتوددون للإسلاميين ويريقون كرامتهم أمام عتبات مقر حزب النهضة المغلق عسى أن يظفروا بأصواتهم في انتخابات قادمة.

بمثل هذا العقل الذي ولا يصحح أخطاءه ولا يعتذر عن أكاذيبه، لا يمكن للديمقراطية أن تعود، فكما في الأمثلة الاعتبارية المختص في الهدم لا يمكنه البناء، والاستئصاليون التونسيون هدامون لا بناة.

سنتابع بهدوء اللغو الكثير حول استعادة الديمقراطية، فالمبادرات تنهمر انهمارًا في الساحة، لكن نقول بيقين إن الديمقراطية لا تزال بعيدة عن تونس لأن قوة الجرثوم الاستئصالي متغلغلة في نفوس كثيرة وتقود عقولًا مؤثرة في مواقعها وتملك القوة المالية لتمويل خطابها وصناعة حراسها، وما هذه المبادرات إلا بعض لغوها للقفز على الدستور الوحيد الذي يعمل على إنصاف الضحايا من جلاديهم، وأي تخفيض أو تعديل في المفردات الاستئصالية هو رشوة غير مكلفة للفوز بأصوات الضحايا، لأن أي شخص يقف في منبر ليصرح بأن للإسلاميين الحق في المشاركة هو استئصالي بامتياز لأنه خول لنفسه أن يوزع حقوقًا لا يملك توزيعها على مستحقين وضعهم في وضع الدونية.

إن أي شخص أو تيار يعطي نفسه حق توزيع حقوق سياسية خارج الصندوق الانتخابي هو استئصالي غريزي يتعمد القتل ولن يكون سببًا من أسباب الديمقراطية.


 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

تونس، إنقلاب قيس سعيد، منظومة فرنسا، اليساريون،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 29-03-2024   المصدر: نون بوست

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك

شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
عواطف منصور، نادية سعد، محمد أحمد عزوز، المولدي الفرجاني، مراد قميزة، عراق المطيري، أحمد النعيمي، د. خالد الطراولي ، سيد السباعي، عبد الغني مزوز، إيمى الأشقر، عبد الله الفقير، أحمد ملحم، محمد عمر غرس الله، رحاب اسعد بيوض التميمي، حاتم الصولي، د. طارق عبد الحليم، مصطفي زهران، د - شاكر الحوكي ، محمود طرشوبي، أشرف إبراهيم حجاج، الناصر الرقيق، سلوى المغربي، محمود سلطان، سعود السبعاني، د. ضرغام عبد الله الدباغ، حميدة الطيلوش، الهيثم زعفان، د. عبد الآله المالكي، د- محمود علي عريقات، أبو سمية، د - عادل رضا، حسني إبراهيم عبد العظيم، إياد محمود حسين ، عزيز العرباوي، د - الضاوي خوالدية، رافد العزاوي، رضا الدبّابي، كريم فارق، د- محمد رحال، ماهر عدنان قنديل، فتحي العابد، رشيد السيد أحمد، صلاح المختار، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، د- هاني ابوالفتوح، محمد العيادي، د. أحمد بشير، مصطفى منيغ، د - صالح المازقي، عبد الرزاق قيراط ، محمود فاروق سيد شعبان، يزيد بن الحسين، د - محمد بن موسى الشريف ، د. صلاح عودة الله ، كريم السليتي، د. مصطفى يوسف اللداوي، علي الكاش، سفيان عبد الكافي، د- جابر قميحة، خالد الجاف ، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، محمد الطرابلسي، عمار غيلوفي، أحمد بن عبد المحسن العساف ، فتحـي قاره بيبـان، محمد يحي، سليمان أحمد أبو ستة، صالح النعامي ، سامر أبو رمان ، جاسم الرصيف، منجي باكير، فوزي مسعود ، سلام الشماع، ضحى عبد الرحمن، صباح الموسوي ، فهمي شراب، عبد الله زيدان، د. أحمد محمد سليمان، فتحي الزغل، طلال قسومي، محمد اسعد بيوض التميمي، أ.د. مصطفى رجب، العادل السمعلي، رافع القارصي، د - مصطفى فهمي، حسن عثمان، مجدى داود، علي عبد العال، د - المنجي الكعبي، تونسي، د. كاظم عبد الحسين عباس ، صلاح الحريري، محرر "بوابتي"، د. عادل محمد عايش الأسطل، خبَّاب بن مروان الحمد، إسراء أبو رمان، حسن الطرابلسي، الهادي المثلوثي، صفاء العربي، يحيي البوليني، د - محمد بنيعيش، د.محمد فتحي عبد العال، أنس الشابي، عمر غازي، محمد الياسين، صفاء العراقي، أحمد الحباسي، وائل بنجدو، أحمد بوادي، محمد شمام ، ياسين أحمد، سامح لطف الله، رمضان حينوني،
أحدث الردود
مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


It is important that issues are addressed in a clear and open manner, because it is necessary to understand the necessary information and to properly ...>>

وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضاة من طرفه أومن طرف "بوابتي"

الكاتب المؤشر عليه بأنه من كتاب موقع بوابتي، هو كل من بعث إلينا مقاله مباشرة