د. ضرغام الدباغ - ألمانيا
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 650
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
مرتان فقط التقيت فيهما هذا القائد الذي شغل مساحة غير بسيطة في تاريخ العراق السياسي الحديث، مرة في لقاء عرضي في القاهرة (مطلع السبعينات)، ومرة في بغداد بعد الاحتلال، ولم يكن لقاءنا سوى عرضياً، وإن كنا في خندق واحد، ولكن بالطبع لدي معلومات تفصيلية عن سيرته الذاتية والسياسية. ولم يتسنى لي للأسف قراءة مذكراته إلا قبل أيام، وتركت لدي انطباعات عميقة.
وأسم صبحي عبد الحميد ليس شيئاً عابراً في تاريخ الحركة القومية في العراق. وسيرته الذاتية حافلة بمؤشرات تدل على ذلك، فهو ضابط لامع في سجله العسكري، متفوق في كافة مراحل دراساته، درس في الكلية العسكرية العراقية، وكذلك نال الماجستير في العلوم العسكرية في العراق، ألا أنه درس في كلية الأركان البريطانية (كامبرلي)، وهو وإن لم يشارك فعلياً في حروب، إلا أنه عمل في مراكز مرموقة وحساسة، منها ضابط في الحرس الملكي، وفي شعبة الحركات العسكرية بوزارة الدفاع حتى درجة مدير حركات، وأستاذاً في كلية الأركان، ساهم فعليا في الحياة السياسية، وشغل منصب وزير الخارجية، ووزير الداخلية، وقاد تشكيلات سياسية / عسكرية ومدنية، وحاضراً في معظم الفقرات المهمة في تاريخ العراق السياسي (1958 ــ 1975).
وفي صفحات الكتاب نتعرف، على قلم مهذب، يحترم حتى من لا يتفق معهم بالرأي، ومع من يعارض، بل وناضل ضدهم، فهو يصف عبد الكريم قاسم بكلمات ودية كنت قد سمعت مثلها من المرحوم اللواء الركن إسماعيل العارف (الوزير والسفير) وأنقل ما كتبه الاستاذ صبحي عيد الحميد نصاً عن مصرع الزعيم قاسم :
" وهكذا نفذ حكم الإعدام بعبد الكريم قاسم ومن جاء معه. وبتنفيذ حكم الإعدام انتهى حكم فاسم الذي أستمر أربع سنوات وسبعة شهور، بسلبياتها وإيجابياتها، وانتهى عبد الكريم ذلك الشخص الذي كان قبل الثورة (14 / تموز)، وديعاً ، خلوقاً، شجاعاً، خجولاً، كريماً، نظيفاً وأنقلب بعدها بفعل المنافقين والمهرجين، والانتهازيين، والشيوعيين، الذين أحاطوا به، إلى طاغية، يؤمن بالفردية وحب الذات، وتنكر لأهداف الثورة، ونكل بأخوانه الثوار، ولكنه بقى حتى النهاية كريم النفس ونظيف اليد ".
وهو وإن عمل بمعية الرئيس عبد السلام عارف (*)، في مراكز متقدمة في الدولة كوزير للخارجية والداخلية، إلا أنه يوجه الانتقادات لفترة حكمه، ويتهمه بالفردية. ونجد أحكاماً صائبة في وجهات نظره، عن المرحوم عبد الكريم قاسم، (عززتها قراءات أخرى عن سيرة الزعيم قاسم) أجد في الإجمال أنه كان قومياً، لا يقل عن عبد السلام عارف، بل وربما أعمق في فكره القومي، فهو من كان داعماً رئيسياً للثورة الجزائرية، والقضية الفلسطينية،(تأسيس جيش التحرير الفلسطيني) ولكن قائدا ثورة تموز أختار كل معسكره بناء على مرتسمات، لها علاقة بالانفراد بمستقبل الحكم الذي هبط على كلاهما من غير استحقاق واقعي، واختارا، كل المعسكر الذي ينسجم وتطلعاته الشخصية وطموحاته.
كافة المؤشرات المادية والعقلية، تؤكد أن الزعيم قاسم، حين لاحظ أن الجانب الوطني/ القومي قد أحتضن عبد السلام عارف، وأن هذا المعسكر هو الجانب الأقوى داخلياً وعربياً، الأمر الذي دفع به دفعاً إلى الطرف الآخر، وهو العسكري المحترف لا يعرف مسالك السياسة وأبعادها، إلى الطرف الآخر المتمثل بالضباط الوطنيين، اليساريين، والحزب الشيوعي العراقي، وكان الاستقطاب على هذا النحو بين قائدي الثورة يلحق الضرر الفادح بالحركة الوطنية العراقية، التي ساهمت بمواقفها هذه تحول النظام الذي أفرزته ثورة تموز / 1958 إلى نظام فردي ديكتاتوري، وبدلاً من أن تقود الاحزاب الوطنية والقومية التقدمية الوضع، بل سايروا رغبات العسكريين، حتى تحولوا بأنفسهم إلى أدوات استخدموها في صراعاتهم على الحكم،
الحكم العسكري الفردي هو ما جرى خلال حكم القائدين : عبد الكريم قاسم، وعبد السلام عارف من تموز / 1958، إلى مصرع الرئيس عبد السلام عارف في نيسان / 1966، في حين شهد عهد الرئيس عبد الرحمن عارف انفراجاً داخلياً سياسياً ووصول أول شخصية سياسية مدنية لرئاسة الوزراء(عبد الرحمن البزاز) بعد ثورة تموز / 1958. وبتقديرنا أن ثورة تموز / 1958، ما كان لها أن تحدث لولا دور العقيد الركن / المشير الركن عبد السلام عارف، ولولا دور العقيد / المهيب أحمد حسن البكر، هاتان الشخصيتان المحوريتان في تاريخ العراق المعاصر.
ويبدو لنا من خلال دراسة إجمالية للتاريخ السياسي العراقي منذ الاستقلال (1920) أن الحكومات المتعاقبة، كانت بالرغم من الصراعات السياسية، إلا أنها كانت حكومات وطنية، تهدف (كل حكومة بوسائلها الخاصة) إلى حماية الاستقلال وتعزيز سيادة الدولة العراقية، وحماية أمن البلاد الخارجي والداخلي، وتطوير الاقتصاد الوطني، ولكن هذه المسيرة انتهت (نيسان / 2003 ) حين وقع العراق بيد محتلين، أمعنوا في تخريبه تدميره في إطار استراتيجية تدمير الشرق الأوسط، خدمة لمصالحهم الاقتصادية والسياسية الاستعمارية، وجعله عاجزاً عن مواصلة الأهداف الوطنية.
ومن خلال قراءات معمقة لتاريخ العراق، ودور الحركات الوطنية والقومية والتقدمية، والقوات المسلحة الوطنية، في التطور السياسي العام، في المرحلة ما بعد 14 / تموز / 1958، وحتى نيسان / 2002 (44 عام) كان العراق يحرز برغم العراقيل والصعوبات خلال (81 عام)، يحرز التقدم، بحسب الظروف السياسية المتاحة، وكانت القوى الخارجية لا تترك ثغرة إلا ووسعتها واستغلتها لتأخير وعرقلة نمو البلاد . واستخدمت كافة الوسائل ببراغماتية لا مجال فيها للأخلاق والتعامل النزيه. مع الأطراف العراقية كافة، وأبرز دليل مدهش هو ما ذكره الأستاذ صبحي عبد الحميد، من استعداد الولايات المتحدة للعودة (1964) بتزويد العراق بالأسلحة والأعتدة لمواجهة التمردات الداخلية، ولكنها عادت وقطعتها بعد أن دفع العراق أثمانها، لأسباب سياسية، حين رفض العراق أن تكون المساعدات مدخلاً للهيمنة على المقدرات الوطنية.
مذكرات الأستاذ صبحي عبد الحميد، مهمة، بقراءتها، تضاف مرتسمات جديدة للوعي السياسي العراقي، تستفيد منها الأجيال الشابة في العراق، من أجل تكوين صورة واضحة المعالم لطبيعة التحولات وأبعادها.
القائد صبحي عبد الحميد (1924/ 2010)..... عاش حياة حافلة، كان خلالها الضابط الكفوء المخلص، وعلى أستعد للتضحية، وسياسياً / دبلوماسياً، ناضجاً خدم الدبلوماسية العراقية، وإداريا كوزير للداخلية، ووقف إلى جانب القيادات السياسية يقدم النصح، والمساعدة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(*) هامش
ــــ عن سيرة الرئيس عبد السلام عارف في حياته الخاصة، كما وردت في الموسوعة الألمانية
" حصل المشير الركن عبد السلام محمد عارف على شهادة الماجستير في العلوم العسكرية. كان يهوى التصوير الفوتوغرافي والزراعة المنزلية «أثناء الإقامة الجبرية» ورحلات الصيد والطيران، على الرغم من أن صنفه سلاح المشاة، إلا أنه لم تتح له فرصة قيادة طائرة وحده الا مع طيار. كان يعكف على قراءة الكتب التاريخية والفلسفية والعسكرية والسياسية إضافةً إلى الكتب الدينية والروايات العربية وكان متابعاً جيداَ للأفلام العربية ويعشق المقام العراقي وناظم الغزالي الذي كان يرتبط به بعلاقات شخصية تعود إلى حرب فلسطين عام 1948 حيث زار الغزالي الجبهة للدعم المعنوي للجيوش العربية. وكذلك كان من المعجبين بمحمد عبد الوهاب وأم كلثوم، الذان انشدا «لثورات» العراق لاسيما أم كلثوم التي اهدته أنشودة «ثوار لاخر مدى» عام 1963 بعد حركة 8 فبراير/شباط، بعد أن انشدت «بغداد يا قلعة الأسود» بعد حركة 14 يوليو/تموز 1958، وكان من محبي الرياضة ومن مشجعي كرة القدم حيث أوعز بعد افتتاحه لاستاد ملعب الشعب الدولي لاستضافة وتنظيم البطولة الأولى لكأس العرب في بغداد عام 1966، كما كان معجباً خصوصًا باللاعبين قاسم زوية وهشام عطا عجاج ولديه مراسلات خاصة مع الملاكم محمد علي كلاي. كان يهوى جمع التحفيات والأسلحة الشخصية والمسابح الثمينة والسجاد. وبسبب دراسته في ألمانيا وسفراته الطويلة والمتكررة لعدد من العواصم الأوربية اتقن بطلاقة اللغة الألمانية وتكلم الإنجليزية. ألف عددا من الكراسات والمقالات المتخصصة المنشورة في المجلة العسكرية، أهمها كراسة التدريب العسكري «حرب الاغمار» والتي بقيت تدرس في الكلية العسكرية/الحربية العراقية إلى وقت قريب. حاز على عدد من الأوسمة والأنواط أثناء سيرته العسكرية لمشاركاته في حرب فلسطين عام 1948 وتفوقة في دوراته داخل وخارج العراق. متزوج وله خمسة أبناء. كان الرجل الثاني من القادة العرب بعد الرئيس جمال عبد الناصر. قال فيه أبا إيبان وزير خارجية إسرائيل الأسبق «لا امن لإسرائيل بوجود حكام عرب مثل عبد الناصر وعارف "..
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: