فتحي قاره بيبان - تونس
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 742
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
إن ردّة فعل المسلمين تجاه ما يحدث في غزّة من عدوان إسرائيلي غاشم يستهدف البشر والحجر ولا يبقي ولا يذر تثير كثيرا من الحيرة والتساؤلات. فالموقف الغالب للمسلمين شعوبا وحكومات من هجوم قوات الاحتلال الإسرائيلي على غزّة يغلب عليه التخاذل والوهن. وهو ليس مدعاة افتخار، بل إنّه يقدّم أسوأ مثل لأجيال المستقبل. ومن المؤسف أنّ حال الإسلام في كثير من الدول الإسلاميّة بقي كما وصفه بعضهم: حيث نجد مسلمين ولكن لا نجد إسلاما، أي لا نجد العمل بالإسلام بين المنتسبين إليه. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا إيمان إلا بعمل ولا عمل إلا بإيمان» (أخرجه اللالكائي).
ومن الفرائض التي فرضها الإسلام على المسلمين التناصر فيما بينهم، وهو أن يقدّم كلّ منهم العون لأخيه المسلم ليدفع عنه الظلم إن كان مظلوما، ويردّه عن ظلمه إن كان ظالما. قال الله تعالى: « وَإِنِ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلاَّ عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَاقٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ» (الأنفال 72). وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «ما من امرئٍ مُسلمٍ يخذُلُ امرأً مسلمًا في موضعٍ تُنتَهكُ فيه حرمتُه، ويُنتقَصُ فيه من عِرضِه إلّا خذله اللهُ في موطنٍ يُحِبُّ فيه نُصرتَه، وما من امرئٍ مُسلمٍ ينصُرُ مسلمًا في موضعٍ يُنتَقصُ فيه من عِرضِه، ويُنتهَكُ فيه من حُرمتِه إلّا نصره اللهُ في موطنٍ يُحبُّ فيه نُصرتَه» (أخرجه أبو داود).
وقال ابن بطال في شرح صحيح البخاري: «نصر المظلوم فرض واجب على المؤمنين على الكفاية، فمن قام به سقط عن الباقين، ويتعيّن فرض ذلك على السلطان، ثم على كل من له قدرة على نصرته إذا لم يكن هناك من ينصره غيره من سلطان وشبهه».
وقال النبي صلى الله عليه وسلّم: «المؤمن للمؤمن كالبنيان يشدّ بعضه بعضا» (أخرجه البخاري). وقال عليه الصلاة والسلام: «مثل المؤمنين في توادّهم وتراحمهم وتعاطفهم، مثل الجسد، إذا اشتكى منه عضو، تداعى له سائر الجسد بالسّهر والحمّى» (أخرجه مسلم).
إن علاقة المسلمين ببعضهم تبدو اليوم أبعد ما يكون عن توصيف الرسول صلى الله عليه وسلم لما يجب أن تكون عليه، فبعض المسلمين في غفلة عما يلمّ بالبعض الآخر، ولا يألمون لما يألم له بعضهم، ولا يجيش لهم جأش، يلازمون الصمت ويتظاهرون باللامبالاة لما ينال جيرانهم من تقتيل وتدمير لكل القطاعات الحياتية في غزّة، وهم بصمتهم هذا يشجعون قوى الاحتلال الإسرائيلي على التمادي في عدوانها الغاشم ويشاركون فيه.
إنّ الإسلام يأمر المسلمين بالتناصر بينهم سواء كانوا أفرادا أو جماعات أو دولا. فالتناصر واجب عند كل ظلم يلحق بالمسلمين مهما كان مصدره. والتناصر بين المسلمين لا يكون بالضرورة بالقتال واستعمال الأسلحة، فعدم السكوت على المعتدين الظالمين وتوجيه الرسائل المستمرّة لهم، وتهديدهم إن لزم الأمر بالجيوش الإسلامية وبوسائل أخرى، وتسليط العقوبات عليهم، والعمل على إحباط مخططاتهم وأعمالهم الإجرامية، كلّها من الوسائل الممكنة لردع الظالمين ونصرة المظلومين. فالمهمّ هو أن لا يكون المسلمون سلبيين تجاه المظالم وأن يردّوا الفعل بما يستوجبه الحال.
إن التناصر هو فرض كفاية، أي أنه واجب على كل المسلمين القادرين عليه، ويسقط هذا الوجوب بفعل البعض له، ولكن يأثم الكلّ إذا تركوه. وإنّ أخشى ما يمكن للمرء أن يخشاه - أمام تقاعس أغلب المسلمين وعجزهم عن نصرة إخوانهم في غزّة - أن يصبح كلّ واحد منهم حاملا لبعض وزر الدم الذي لا يزال يراق غزيرا في هذا البلد المسلم.
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: