البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبالاتصال بنا
 
 
 
المقالات الاكثر قراءة
 
تصفح باقي الإدراجات
أحدث المقالات

أولويـة الفقـه السياسـي

كاتب المقال فتحـي قاره بيبـان - تونس    من كتـــــّاب موقع بوّابــتي
 المشاهدات: 6478


 يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط


إن علاقة الحكام بشعوبهم كانت خلال فترات طويلة من تاريخ البشرية على غير وجهها الصحيح. فعوض أن يكون الحكام في خدمة الشعوب فإن العكس هو الذي كان يحدث؛ فنجد أن الشعوب هي التي صارت في خدمة الحكام الذين يستبدون بالحكم فيورثونه عائلاتهم، ويتصرفون في العباد والبلاد وكأنهم ملكهم الخاص، ولا يُسألون عما يفعلون، أما المحكومين فهم وحدهم يُسألون عن طاعتهم وواجباتهم. ولا يزال الوضع على هذه الحال في كثير من دول عالمنا المعاصر.

وفي هذا المجال فإن الثورة التونسية تعتبر حدثا فارقا في التاريخ المعاصر من شأنه أن يفتح باب الأمل في الدول التي لم تستقم فيها بعد العلاقة بين الحكام وشعوبهم على وجهها الصحيح.

ولكن ما هي المرجعية التي يجب أن يُـستمد منها بناء علاقة جديدة على أسس صحيحة بين الحكام والشعوب؟ من المفترض بالنسبة لمجتمع مسلم أن الجواب على هذا السؤال معروف؛ كما هي معروفة مرجعية المسلمين الذين إذا قضى الله ورسوله أمرا فليس لهم الخيرة من أمرهم. فمن له الخلق له الأمر والتصرف في خلقه بما يشاء. وإن كان العمل بأوامر الله ونواهيه اختياريا بالنسبة للبشر وليس قهريا كما هو الحال بالنسبة لغيرهم من المخلوقات فلأنهم محل تكليف وابتلاء يترتب عليه الجزاء. إنها الأمانة التي حملها آدم بما فيها فإن أحسن جُزي وإن أساء عُوقب كما جاء في الحديث النبوي.

ومن المؤسف أن كثيرا من المسلمين يعيشون في شبه غربة عن دينهم من حيث العلم والعمل به. وقد يرجع ذلك إلى الجهل أو الغفلة أو أسباب أخرى ذات جذور تاريخية واجتماعية. كما أنه من المؤسف أن كثيرا من غير المختصين الذين يتطرقون في كتاباتهم إلى نظام الحكم في الإسلام يتناولون الموضوع بطرق بعيدة عن النهج العلمي الصحيح؛ فتجدهم يخلطون في نفس الوقت بين الأحكام الشرعية والاجتهادات الفردية، أو يخلطون بين الأحكام الشرعية والوقائع التاريخية، أو يتناولون الموضوع دون الإحاطة به من جميع جوانبه، أو يطرقون إشكاليات فقهية لا يقدر على الفصل فيها سوى العلماء الراسخين في العلم. وهذا ما يجعل مسائل الفقه السياسي التي يتعرضون إليها تبدو لعامة الناس شبه معقـدة، يستعصى فهمها أو الفصل فيها، بينما الأمر هو أبسط من ذلك بكثير.

فمن المعروف أن مواضيع الشريعة الإسلامية تنقسم إلى ثلاثة وهي: العبادات والأخلاق والمعاملات. ويمثل الفقه السياسي أو السياسة الشرعية بابا من أبواب المعاملات يشمل الأحكام والوسائل التي تُـدبّـر بها شؤون الدولة وسلطاتها وتنظيماتها وعلاقتها بغيرها من الدول. والأحكام المتعلقة بهذا الباب وردت في القرآن الكريم والسنة النبوية بشكل إجمالي، ويتطلب العمل بها في الواقع آليات ووسائل إجرائية قد تختلف باختلاف المجتمعات والأزمنة. وهذه الآليات والوسائل يقع أغلبها إن لم يكن كلها في مجال الاجتهـاد.

إن اهتمام فقهاء المسلمين في الماضي بالفقه السياسي كان ضعيفا جدا مقارنة باهتمامهم بأبواب الفقه الأخرى. وعدد من اجتهدوا وألّـفوا في هذا الباب محدود من أشهرهم الماوردي والفراء وابن تيمية. ولقد اُعتبر ذلك تقصيرا من فقهاء المسلمين جعل الفقه السياسي من أقل أبواب الفقه تطورا ونماء، وأدخل الفكر السياسي الإسلامي في حالة ركود غير مسبوقة، وهذا الركود كان وراء استبداد الحكام بشعوبهم حينا وصراعهم العسكري على السلطة حينا آخر على نحو هدّد مقدرات الأمة ومقومات الدولة. يقول الدكتور فؤاد عبد المطلب في تقديمه لكتاب قام بترجمته وصدر في سلسلة عالم المعرفة في نوفمبر 2012 عنوانه "الغرب والإسلام الدين والفكر السياسي في التاريخ العالمي" ما يلي: «لم يكن ازدهار المسلمين وتقدمهم في ميادين كثيرة ينفي أو يسوغ تقصيرهم في حقل الفكر السياسي، والموضوع الأساسي في هذا النقاش: هو النظر في المشكلة السياسية التي يمكن أن تعد سببا رئيسا وخطيرا في ضياع أمجاد الماضي، ووضع إنجازاته العلمية الرائعة على رفوف المكتبات من جهة, وفي خلق مشكلاتنا في العصر الحديث: من فقر وتجزئة وتخلف، ومن ظلم وقهر واستبداد، وضعف وفقدان للهوية واعتماد على الآخر، ومن طمع وهيمنة أجنبية استمرت منذ أيام الغزو الاستعماري العسكري حتى أيامنا هذه».

وفي السنوات الأخيرة تزايد الاهتمام بالفقه السياسي، وظهر عدد كبير من المؤلفات الهامة منها عدد من الرسائل والبحوث الجامعية. كما أن الثورة التونسية قد استنهضت علماء المسلمين للاهتمام بالموضوع، فنظمت الجامعة الزيتونية بالاشتراك مع الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين مؤتمرا دوليا بعنوان: «نحو تجديد في الفقه السياسي الإسلامي» انعقد خلال شهر ماي 2012 بتونس؛ وألقيت فيه محاضرات علمية تطرقت إلى مواضيع هامة كالتطبيقات المعاصرة للشورى والتمثيل الشعبي وآليات الاختيار.

إن التغافل عن أحكام الفقه السياسي في الإسلام كان من نتائجه ارتكاب عديد الأخطاء في المسار السياسي للثورة التونسية. وحسب رأيي فإن أكبر خطإ اُرتكب يتعلق بالطريقة التي وقع بها اختيار وتعيين من تولوا مهام إدارة شؤون البلاد. فهذه الطريقة ارتكزت على الانتماء الحزبي والفوز في الانتخابات دون شروط أخرى. بينما نجد أن أحكام الشريعة في باب الفقه السياسي تنصصّ على أن إسناد مناصب الولاية لا يكفي فيه الحصول على رضا الشعب من خلال تصويتهم في الانتخابات، بل يجب أن يتوفر فيمن تسند لهم هذه المناصب شرطا: الكفاءة والأمانة، ويجب أن يكونوا أفضل الأكفاء الموجودين. وهذه الشروط وردت في نصوص عديدة من القرآن الكريم والسنة النبوية وقد بلورها الفقهاء في القاعدة الفقهية التي نصّها: «يُـقـدّم في كل موطـن وكل ولايـة من هو أقـوم بمصالحها» ويعني هذا أنه يجب أن يقدّم في كل موطن وكل ولاية أو وظيفة أو عمل يتصل بالناس من هو أقوم وأقدر وأعرف بمصالح هذا العمل.

والأمور يجب أن تسند إلى أهلها، والنبي صلى الله عليه وسلم كان يراعي التخصص في الولايات والمسؤوليات التي يسندها إلى أصحابه. ولذلك اُعتبـر أنـه من الضـرر إسنـاد الأمـور إلى غيـر أهلهـا. وإسناد الأمر إلى غير أهله من أسباب فساد الناس، ومن علامات الساعة المذكورة في الحديث النبوي.

إن الفقه السياسي هو من أكثر أبواب الفقه مرونة وهو يرتبط ارتباطا وثيقا بالواقع، وهو في حاجة إلى تجديد يقطع مع دعاة الجمود والمغالين في الدين المسيئين لصورته الناصعة. هذا التجديـد ذو أولويـة في حاضرنا، وهو لا يتعلق بالأحكام الكلية أو المبادئ العامة كمبدإ السلطة للأمة ومبدإ الشورى والمشاركة في صنع القرار ولكن بآليات تطبيقها في الواقع. وليس علماء الدين وحدهم معنيين بهذا التجديد بل يجب أن يشارك فيه علماء المسلمين بمختلف تخصصاتهم.


 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

تونس، الثورة التونسية، المرجعيات الفكرية، الثورة الثقافية، الفقه السياسي،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 18-01-2013  

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك

 مشاركات الكاتب(ة) بموقعنا

  إسناد الولايات العامة إلى أهلها
  نقد نظام الانتخابات
  النقص الخطير
  الإطارات المسجدية في تونس وسياسات التهميش
  منهجية خطبة الجمعة
  المطالعـــة وجـودة الكتـــاب
  حياتنـا معين لا ينضب
  المرجع في فقه الدين
  التطـــرّف العدوانـــي
  الديمقراطيـة وإسنـاد الأمـر إلى أهلـه
  تكويـن وانتخـاب الكفـاءات للحكـم
  نـقــد النظــام الحـزبـــي
  الأحـزاب السياسيـة وعـودة العصبيّـة
  أولويـة الفقـه السياسـي
  وهـــم الـديمقراطيـــة
  هـل الأحـزاب السياسيـة ضروريـة؟
  مسؤوليـة المسلميـن في أحـداث سـوريا
  وزيـر العـدل والـمرسوم المنظـم لمهنـة المحامـاة
  التناصـف وحريـة الانتخـاب
  نحو استعمال أمثل للتلفــزة
  نحو تكامل اقتصادي عربي جديد
  سَبيلُ المسلمينَ لمعرفةِ الدِين
  كـرة الـقـدم و جمهورهـا
  اللغـة الوطنيـة و مواقـع الانترنـت في تونس‏
  لماذا يُخاطب أبناء تونس بغير لغتهم ؟
  اختيار اللــغة في تونس !؟

شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
صلاح الحريري، طلال قسومي، عراق المطيري، أ.د. مصطفى رجب، د - محمد بن موسى الشريف ، د- محمود علي عريقات، د - الضاوي خوالدية، سامح لطف الله، إياد محمود حسين ، محمد الياسين، رضا الدبّابي، رافد العزاوي، تونسي، العادل السمعلي، صالح النعامي ، كريم السليتي، محمد أحمد عزوز، د - مصطفى فهمي، الهادي المثلوثي، علي الكاش، د.محمد فتحي عبد العال، عزيز العرباوي، محمد الطرابلسي، مجدى داود، رشيد السيد أحمد، أحمد بن عبد المحسن العساف ، منجي باكير، د- هاني ابوالفتوح، سامر أبو رمان ، نادية سعد، د. كاظم عبد الحسين عباس ، محمد شمام ، رمضان حينوني، محمد العيادي، مراد قميزة، حاتم الصولي، حسني إبراهيم عبد العظيم، صلاح المختار، الناصر الرقيق، حسن عثمان، د - محمد بنيعيش، سفيان عبد الكافي، ضحى عبد الرحمن، عبد الله زيدان، عبد الله الفقير، سيد السباعي، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، الهيثم زعفان، إيمى الأشقر، أنس الشابي، عبد الرزاق قيراط ، د. مصطفى يوسف اللداوي، مصطفى منيغ، حسن الطرابلسي، فوزي مسعود ، د. أحمد محمد سليمان، كريم فارق، خالد الجاف ، مصطفي زهران، أحمد الحباسي، فتحي الزغل، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، محمد يحي، أحمد النعيمي، فتحي العابد، عواطف منصور، سلام الشماع، سلوى المغربي، د. عادل محمد عايش الأسطل، رحاب اسعد بيوض التميمي، أبو سمية، ياسين أحمد، وائل بنجدو، أحمد بوادي، صباح الموسوي ، أشرف إبراهيم حجاج، عمار غيلوفي، د - شاكر الحوكي ، يحيي البوليني، خبَّاب بن مروان الحمد، سليمان أحمد أبو ستة، د - صالح المازقي، رافع القارصي، د. أحمد بشير، د. خالد الطراولي ، د- جابر قميحة، د. عبد الآله المالكي، د. صلاح عودة الله ، إسراء أبو رمان، صفاء العراقي، سعود السبعاني، علي عبد العال، المولدي الفرجاني، محمود سلطان، أحمد ملحم، د - المنجي الكعبي، محمد عمر غرس الله، ماهر عدنان قنديل، فتحـي قاره بيبـان، د. طارق عبد الحليم، صفاء العربي، جاسم الرصيف، د. ضرغام عبد الله الدباغ، حميدة الطيلوش، د - عادل رضا، يزيد بن الحسين، د- محمد رحال، محمد اسعد بيوض التميمي، محمود طرشوبي، عبد الغني مزوز، محمود فاروق سيد شعبان، فهمي شراب، عمر غازي، محرر "بوابتي"،
أحدث الردود
مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


It is important that issues are addressed in a clear and open manner, because it is necessary to understand the necessary information and to properly ...>>

وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضاة من طرفه أومن طرف "بوابتي"

الكاتب المؤشر عليه بأنه من كتاب موقع بوابتي، هو كل من بعث إلينا مقاله مباشرة