البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبالاتصال بنا
 
 
 
المقالات الاكثر قراءة
 
تصفح باقي الإدراجات
أحدث المقالات

التناصـف وحريـة الانتخـاب

كاتب المقال فتحـي قاره بيبـان - تونس    من كتـــــّاب موقع بوّابــتي
 المشاهدات: 8917


 يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط


من المعروف أن النخبة الثقافية في تونس تعيش استقطابا بين مرجعيتين فكريتين إحداهما محلية إسلامية والأخرى أجنبية غربية. والمائلون للثقافة الغربية ليس لهم من حلول يطرحونها على مجتمعاتهم سوى استنساخ الأنماط الثقافية الغربية في التصور وأساليب الحياة وإسقاطها على مجتمعاتهم، حتى تصبح مشابهة للمجتمعات الغربية، معتقدين أنهم بذلك يحققون لها ما تصبو إليه من تطور وقوة. وهذا غير صحيح، فمراكز الدراسات الاجتماعية في العالم تثبت - اعتمادا على التجارب التي عرفتها مجتمعات العالم الثالث - أن بناء مجتمع قوي ومتطور لا يكون إلا بالاستناد إلى هويته القومية والروحية ومكوناتها الأساسية وهي الدين واللغة والتاريخ، وليس باستيراد قيم وأنماط حياة خارجية ليس لها في الواقع المحلي أي جذور. والتفاعل السليم مع ثقافة المجتمعات الأخرى لا يكون بالنسخ منها، بل يكون انطلاقا ‏من الثقافة المحلية التي يجب أن تكون مُحَكَّمة في قبول أو رفض ما يرد عليها من الخارج و تحديد طريقة التفاعل معه.

ويبدو أن ما وافقت عليه الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة والإصلاح السياسي والانتقال الديمقراطي بتونس في مرسومها المتعلق بانتخابات المجلس التأسيسي من إقرار ما يسمى بالتناصف في تركيبة هذا المجلس وفي القائمات الانتخابية يعكس بوضوح تغلّب تيار الفكر المائل للثقافة الغربية لدى أعضاء هذه الهيئة، ويطرح كثيرا من الأسئلة عن تمثيليتها للمجتمع التونسي ومعرفتها بواقعه!

والتناصف كلمة غير متداولة في لغتنا اليومية، أتحفتنا بها الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة. وهذه الكلمة ولدت في الغرب وفي مناخ فكري يرتبط بما عُـرف بالحركة النسوية التي برزت في نهاية القرن التاسع عشر. وهذه الحركة هي نتاج المجتمع الغربي وثقافته، ومن أهم أسباب نشأتها الأفكار المتطرفة التي كانت رائجة نحو المرأة في ذلك المجتمع. وقد انتقلت إلى عالمنا العربي و الإسلامي من خلال الغزو العسكري والثقافي وعرفت بحركة تحرير المرأة.

والحركة النسوية تستبطن تصورا للعلاقة بين الرجل والمرأة قائما على أساس الصراع بين الجنسين. وتركز على المطلبية النسائية لمزيد من تحسين أحوال المرأة. وتنظر إلى اقتسام المناصب والمنافع الاجتماعية على أساس الهوية الجنسية للفرد. وهذا التصور للأمور لا يصح في كل الأحوال.

فعلى سبيل المثال: في مجال الحصول على عمل أو منصب ما في المؤسسات الخاصة أو العامة، التي تقبل كل من الرجال والنساء، فإن القاعدة الأساسية التي تطبق هي الكفاءة وليس الهوية الجنسية للفرد.

وتحديد نسبة الرجال أو النساء في مؤسسات المجتمع الخاصة والعامة يفرضه الواقع وكفاءات الأفراد من الجنسين، ومن هم وهن أهل لأن تسند المسؤولية لهم ولهن، ولا تفرض هذه النسبة فرضا على المجتمع. وفي الحديث النبوي الذي أخرجه البخاري عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة قال كيف إضاعتها يا رسول الله قال إذا أسند الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة".

إن اللجنة العليا لتحقيق أهداف الثورة هي لجنة استشارية تقوم بدور مؤقت في مرحلة انتقالية حساسة تؤدى إلى انتخاب مجلس تأسيسي. ومن غير المناسب في هذه الفترة الدقيقة وما تعرفه البلاد التونسية من عدم استقرار وانفلات أمني تقديم مقترحات صلب مرسوم انتخابات المجلس التأسيسي تتضمن تغييرات جذرية غير معهودة في طريقة الانتخاب من شأنها أن تؤثر بشكل كبير على مجريات العملية الانتخابية وما ستسفر عنه، وقد يرتكز عليها البعض لاحقا لتبرير مطالبات اجتماعية جديدة تؤدي إلى مزيد من الصراعات والتوتر الاجتماعي.

وفضلا عن ذلك فإن هذه التغييرات الجذرية تتطلب وحدها قانونا خاصا بها لإقرارها. ففي فرنسا لم يقع إقرار التناصف إلا بقانون خاص صدر سنة 2000، وبعد عشرات السنين من النقاشات والمداولات والتجاذب بين مختلف الأطراف الاجتماعية. ولم ينجح المجتمع الفرنسي في تطبيق هذا القانون بصفة كاملة لحد اليوم.

وفي سنة 1982 أقر الناخبون الفرنسيون تعديلا قانونيا ينص على أن لا يتجاوز عدد المترشحين من نفس الجنس في القوائم الانتخابية نسبة % 75، إلا أن المجلس الدستوري الفرنسي ألغى هذا التعديل بحجة أن المواطنة لا يمكن تصنفيها حسب الجنس، ولا يمكن تقسيم المواطنين ضمن أصناف معينة تقوم على أساس الجنس أو السن أو غير ذلك.

إن انتخاب أعضاء المجلس التأسيسي هي عملية انتقاء يقوم بها الناخب على مسؤوليته وبكامل حريته لاختيار أفضل المترشحين لتمثيله في هذا المجلس. وهذا الانتقاء ينبني على أساس الكفاءة وثقة الناخب في من يختاره من المترشحين.

إن فرض التناصف بين الرجال والنساء في القائمات الإنتخابية وفي تركيبة المجلس التأسيسي يمثل تدخلا سافرا في العملية الانتخابية قبل وقوعها، وتحديدا مسبقا للصورة النهائية التي سيكون عليها المجلس التأسيسي. وهو يصادر إرادة وحرية المترشحين والناخبين على حد سواء ويستنقص من وعيهم وتحملهم لمسؤوليتهم. وهذا كله يطعن في مصداقية العملية الانتخابية والتمشي الديمقراطي برمته.

إن حرية الترشح والانتخاب يجب أن تكون حرية تامة، غير مشروطة بنسب محددة قائمة على تصنيف الأفراد حسب الجنس وكونهم ذكورا أو إناثا، أو غير ذلك من التصنيفات. فممارسة هذه الحرية في الترشح والانتخاب هي وحدها التي تحدد نسب الرجال والنساء بين المترشحين والمنتخَبين سواء كانت بالتناصف أو بعدم التناصف. ولن يكون لنسبة الرجال أو النساء في المجلس التأسيسي أي أهمية أو تأثير يذكر على قيامه بواجبه مادامت هذه النسبة تعكس الإرادة الحرة للناخبين وليست مفروضة عليهم. فالمحدد الأخير في ذلك هي إرادة الشعب من خلال ممارسته لحريته ضمن الواقع الذي يعيش فيه. ومصادرة هذا الإرادة هي مصادرة لثورة الشعب التونسي التي قامت لترجع السيادة له، وتقضي على من يريدون التسلط على مصيره، ولمن يريدون فرض تصوارتهم في العملية الديمقراطية دون الرجوع إلى الشعب.


 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

تونس، الإنتخابات، التناصف، لجنة حماية الثورة، الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 20-04-2011  

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك

 مشاركات الكاتب(ة) بموقعنا

  مسؤولية المسلمين في العدوان على غزّة
  إسناد الولايات العامة إلى أهلها
  نقد نظام الانتخابات
  النقص الخطير
  الإطارات المسجدية في تونس وسياسات التهميش
  منهجية خطبة الجمعة
  المطالعـــة وجـودة الكتـــاب
  حياتنـا معين لا ينضب
  المرجع في فقه الدين
  التطـــرّف العدوانـــي
  الديمقراطيـة وإسنـاد الأمـر إلى أهلـه
  تكويـن وانتخـاب الكفـاءات للحكـم
  نـقــد النظــام الحـزبـــي
  الأحـزاب السياسيـة وعـودة العصبيّـة
  أولويـة الفقـه السياسـي
  وهـــم الـديمقراطيـــة
  هـل الأحـزاب السياسيـة ضروريـة؟
  مسؤوليـة المسلميـن في أحـداث سـوريا
  وزيـر العـدل والـمرسوم المنظـم لمهنـة المحامـاة
  التناصـف وحريـة الانتخـاب
  نحو استعمال أمثل للتلفــزة
  نحو تكامل اقتصادي عربي جديد
  سَبيلُ المسلمينَ لمعرفةِ الدِين
  كـرة الـقـدم و جمهورهـا
  اللغـة الوطنيـة و مواقـع الانترنـت في تونس‏
  لماذا يُخاطب أبناء تونس بغير لغتهم ؟
  اختيار اللــغة في تونس !؟

شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
د- محمود علي عريقات، طارق خفاجي، الهادي المثلوثي، عراق المطيري، حميدة الطيلوش، محرر "بوابتي"، عبد الغني مزوز، د- محمد رحال، د- جابر قميحة، فوزي مسعود ، محمد الياسين، علي الكاش، د. خالد الطراولي ، حاتم الصولي، المولدي الفرجاني، تونسي، د. كاظم عبد الحسين عباس ، إياد محمود حسين ، صلاح المختار، رمضان حينوني، أشرف إبراهيم حجاج، د - محمد بنيعيش، المولدي اليوسفي، سعود السبعاني، محمد العيادي، د - شاكر الحوكي ، ماهر عدنان قنديل، مجدى داود، صفاء العربي، جاسم الرصيف، د. أحمد بشير، حسن عثمان، د - محمد بن موسى الشريف ، رافد العزاوي، رافع القارصي، سامر أبو رمان ، ياسين أحمد، د- هاني ابوالفتوح، سيد السباعي، محمود سلطان، يحيي البوليني، محمود فاروق سيد شعبان، خالد الجاف ، محمد شمام ، أحمد بوادي، صفاء العراقي، د - صالح المازقي، خبَّاب بن مروان الحمد، مصطفي زهران، يزيد بن الحسين، فهمي شراب، محمد الطرابلسي، سامح لطف الله، نادية سعد، فتحـي قاره بيبـان، رحاب اسعد بيوض التميمي، فتحي الزغل، عمار غيلوفي، محمد يحي، عبد الله زيدان، حسن الطرابلسي، منجي باكير، فتحي العابد، عواطف منصور، مصطفى منيغ، د. صلاح عودة الله ، محمود طرشوبي، مراد قميزة، صالح النعامي ، صباح الموسوي ، كريم السليتي، عمر غازي، كريم فارق، سفيان عبد الكافي، أحمد النعيمي، أبو سمية، حسني إبراهيم عبد العظيم، د - مصطفى فهمي، صلاح الحريري، د. عبد الآله المالكي، محمد أحمد عزوز، سليمان أحمد أبو ستة، د. مصطفى يوسف اللداوي، أحمد بن عبد المحسن العساف ، الهيثم زعفان، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، علي عبد العال، إسراء أبو رمان، الناصر الرقيق، طلال قسومي، أحمد الحباسي، د. طارق عبد الحليم، عزيز العرباوي، د.محمد فتحي عبد العال، د. عادل محمد عايش الأسطل، أحمد ملحم، د - عادل رضا، أ.د. مصطفى رجب، عبد الرزاق قيراط ، وائل بنجدو، عبد الله الفقير، سلوى المغربي، د - الضاوي خوالدية، ضحى عبد الرحمن، رضا الدبّابي، أنس الشابي، سلام الشماع، محمد اسعد بيوض التميمي، د. أحمد محمد سليمان، د - المنجي الكعبي، عبد العزيز كحيل، بيلسان قيصر، العادل السمعلي، محمد علي العقربي، إيمى الأشقر، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، د. ضرغام عبد الله الدباغ، محمد عمر غرس الله، رشيد السيد أحمد،
أحدث الردود
ما سأقوله ليس مداخلة، إنّما هو مجرّد ملاحظة قصيرة:
جميع لغات العالم لها وظيفة واحدة هي تأمين التواصل بين مجموعة بشريّة معيّنة، إلّا اللّغة الفر...>>


مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضاة من طرفه أومن طرف "بوابتي"

الكاتب المؤشر عليه بأنه من كتاب موقع بوابتي، هو كل من بعث إلينا مقاله مباشرة