فتحـي قاره بيبـان
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 10086
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
إن تصفح المواقع التونسية غير الحكومية على شبكة الانترنت يصيب المرء بذهول وحيرة. فجلّ هذه المواقع لا تعترف باللغة العربية ولا تستعملها، وكأنها ليست لغتها ولغة البلاد التي تنتسب إليها ولغة أبناء الوطن الذين تتواصل معهم.
و كمثال على ذلك نشير إلى أنه ما من أحد من مزودي خدمات الانترنت للقطاع الخاص الخمسة يستعمل اللغة العربية في موقعه ولا يعرضها حتى كاختيار لتصفح الموقع ضمن لغات أخرى بل كلهم يستعملون الفرنسية فقط. ومن بين 42 موقعا لأدلة تونسية على الانترنت تسنى لي تصفحها، وجدت عناوينها معروضة في موقع لأحد مزودي خدمات الانترنت، لم أجد سوى موقع واحد فقط يستعمل العربية وموقع واحد آخر يعرضها كخيار ضمن خيارات لغوية أخرى للتصفح، أي أن نسبة استعمال العربية في هذه المواقع أقل من 5 في المائة.
إن تفضيل أصحاب هذه المواقع للغة الفرنسية في تحرير مواقعهم على لغتهم العربية يمكن اعتباره كنتيجة من نتائج السياسة اللغوية التي انتهجت بعد الاستقلال وخلال العهد البورقيبي. فقد وقع تهميش العربية ودورها في المعاملات والتعليم. و أصبحت الفرنسية تدرس إجباريا في المدارس لتكون بعد ذلك اللغة التي يقع بها تلقي المعرفة العلمية وغير العلمية، وأصبح يرتبط بها كل ارتقاء علمي واجتماعي للفرد. وانحصر دور العربية في مجال أدبي ضيّق يكاد لا يتجاوزه.
وقد أنتج ذلك جيلا ارتبطت ثقافته باللغة الفرنسية واستعمالها بشكل كبير. و عندما يتحدث عدد من أفراد هذا الجيل عن العربية يتحدثون عنها وكأنها لغة من اللغات لا غير، و ليست اللغة التي تشكل هويتهم وانتمائهم وتستدعي غيرتهم وحميّتهم. ولم يجد قسم كبير من هذا الجيل حرجا ولا ممانعة من مجتمعه في استعمال الفرنسية كلغة بديلة للغته العربية للتواصل مع بني قومه الذين يشتركون معه في نفس اللغة والموطن، أو في الاستعمال المزدوج للغتين والمروق من لغة إلى أخرى والقفز بينهما قفز لاعب مختال.
و في هذا الوضع جاء انتشار الانترنت في العالم وفي تونس كنتيجة من نتائج التفاعل بين المجتمعات. فالمجتمعات البشرية ككل الكائنات الحية تتفاعل مع بعضها، إلا أن ما يؤول إليه هذا التفاعل وينتج عنه يرتبط بالظروف التي يقع فيها وبالأطراف المتفاعلة ودرجة وعيها.
فالتفاعل بين مجتمعات متقاربة في مستوياتها الثقافية و الحضارية و الاقتصادية، كالمجتمع الانكليزي و المجتمع الفرنسي مثلا، يختلف عن التفاعل بين مجتمعات متباينة تباينا شاسعا في المستويات الحضارية و الثقافية و الاقتصادية كالمجتمعات الغربية و مجتمعات العالم الثالث. كما يختلف التفاعل بين مجتمعين أحدهما في وضع المهيمن و الآخر في وضع المهيمن عليه عسكريا أو حضاريا عن غيره.
و كثيرا ما ينتج عن التفاعل بين مجتمعين غير متكافئين حضاريا علاقة تفاعل غير متكافئة تجعل المجتمع الأضعف يرى نفسه في مرتبة أدنى بالنسبة للمجتمع الأقوى، و لا يستطيع بموارده الذاتية مواجهته بنديّة، فيميل إلى تقليده و التشبّه به. و يسعى المجتمع الأقوى إلى دعم ذلك كي يضمن تبعية المجتمع الأضعف له و هيمنته عليه.
إن التفوّق الذي يمكن أن تبرز به ثقافة أجنبية في المجالات المعرفية و التقنية على ثقافة محلية لا تصحّ مواجهته من طرف أبناء الثقافة المحلية بالارتماء في أحضان الثقافة الأجنبية و رموزها اللغوية و التنكر للذات و مقوماتها، فذلك يؤدي إلى الاغتراب الثقافي و فقدان الهوية و الثقة في النفس و الذوبان في الآخر. و هذا من أخطر ما يمكن أن يصيب مجتمعا من المجتمعات.
و لكن الحلّ يكمن في إثبات الذات ببذل الجهد و الاستفادة من إنتاج الثقافة الأجنبية انطلاقا من الثقافة المحلية ومقوماتها التي أبرزها اللغة. فاللغة هي الترسانة الثقافية التي تبني الأمة وتحمي كيانها. وقد قال فيلسوف الألمان فيخته: "اللغة تجعل من الأمة الناطقة بها كلاً متراصاً خاضعاً لقوانين. إنها الرابطة الحقيقية بيـن عالم الأجسام وعالم الأذهان".
واللغة باعتبارها أداة التواصل بين أبناء الوطن الواحد و أداة التعبير عن الذات و الهوية لا تستبدل إلا إذا استبدلت الذات نفسها. وقد ورد في القرار الرئاسي للتعريب (أكتوبر 1999): "إن اللغة العربية من مقومات الانتماء الحضاري وهي رمز السيادة الوطنية وركن من أركان الدستور".
إن استعمال اللغة الفرنسية بشكل أساسي ومكثف في جلّ المواقع التونسية الخاصة على الانترنت فيه ضرب لقيم الانتماء الوطني والحضاري في الصميم وفصل للمتلقي عن بيئته ومحيطه الوطني والحضاري و ربطه بفضاءات وهويّات أخرى.
وقد استمعت في برنامج تلفزي على الفضائية التونسية لمسئولة كبيرة في الإدارة التونسية عن قطاع الانترنت تقول في جواب عن سؤال حول هذه المسألة : أنه علينا لإثبات وجودنا وكسب موضع قدم في شبكة الانترنت أن نفعل ما تفعله المجتمعات الأخرى التي تكتب بلغتها ولا شيء بغير لغتها حتى لو لم يقرأها أحد.
و نتمنى أن يكون للمسئولين عن المواقع التونسية الخاصة المستعملة للفرنسية من الوعي والحس الوطني ما يجعلهم يصحّحون الأوضاع اللغوية لمواقعهم كي تصبح معبرة عن انتمائها الوطني والهوية الحقيقية لأبنائها بكل فخر واعتزاز. و ما ذلك بعزيز على أبناء تونس المثقفين الذين أثبتوا طيلة تاريخهم المجيد إخلاصهم ووفائهم الدائم للوطن الذي أنجبهم وللغة التي أرضعتهم.
أي رد لا يمثل إلا رأي قائله, ولا يلزم موقع بوابتي في شيئ
22-10-2007 / 19:51:52 أبو سمية
أنا ارى انه على السلطات الرسمية ان تتدخل للدفع باستعمال العربية على مستوى الانترنت وذلك عن طريق التشجيع أحيانا والفرض احيانا اخرى:
- المواقع التي تمثل تونس, كمزودي الخدمات مثلا يجب ان يفرض عليهم استعمال العربية كلغة رئيسية في معاملاتهم ومواقعهم.
- باقي المواقع, يمكن ان يقع ابتكار طريقة يشجع بها اصحاب المواقع لاعتماد اللغة العربية, كحوافز مادية او غير ذلك.
22-10-2007 / 19:51:52 أبو سمية