فتحـي قاره بيبـان - تونس
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 5476
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
إن جرائم القتل والتدمير التي يقوم بها النظام السوري في حق شعبه وبلاده منذ أكثر من سنة ونصف لهذا اليوم تتجاوز قدرة كل عقل سليم على الفهم. وكل اﻷوصاف التي يمكن أن تعطى لهذه الجرائم كوصفها بالوحشية أو عدم اﻹنسانية أو غيرها تبدو قاصرة وغير كافية. وشخصيا ﻻ أجد وصفا يناسب جرائم النظام السوري غير وصفها بأنها أعمال جنونية، ﻻ يمكن أن تصدر إﻻ من مجانين، إذ ﻻ يمكن لبشر يملك ذرة من عقل أن تصدر منه مثل هذه اﻷعمال.
ماذا يريد أن يكسب بشار اﻷسد وجنوده المجانين من قتل أبناء شعبهم الأعزل ومن قتل اﻷطفال والنساء وتدمير وطنهم؟ هل يريدون البقاء في الحكم وهو زائل عنهم بطبيعة اﻷشياء طال الزمن أو قصر؟ هل يستحق البقاء في الحكم لفترة أخرى مهما طالت أن يفنوا من أجله شعبهم ويدمروا بلادهم؟ وحتى إن بقوا في الحكم فماذا سيحكمون في سوريا بعد أن قتلوا شعبها ودمروا بنيانها؟ ألا يدركون ما ينتظرهم يوم الحساب من عقاب وخلود في الدرك الأسفل من النار وفي أشد العذاب نتيجة جرائمهم الكبرى؟
إن كان ما يقع في سوريا يتجاوز كل منطق عقلي، فإن ردّ فعل المسلمين شعوبا وحكومات تجاه ما يتعرض إليه إخوانهم في سوريا يمكن وصفه بأنه مقصّر جدا، ودون ما يجب أن يكون عليه الأمر بين المسلمين بكثير.
ومن المؤسف أن حال اﻹسلام في كثير من الدول اﻹسلامية بقي كما وصفه محمد عبده منذ حوالي قرن: حيث نجد مسلمين ولكن ﻻ نجد إسلاما، أي ﻻ نجد العمل باﻹسلام بين المنتسبين إليه.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ﻻ إيمان إﻻ بعمل وﻻ عمل إﻻ بإيمان» (أخرجه اللالكائي). ومن الفرائض التي فرضها اﻹسلام على المسلمين التناصر فيما بينهم، وهو أن يقدم كل منهم العون ﻷخيه المسلم ليدفع عنه الظلم إن كان مظلوما، ويرده عن ظلمه إن كان ظالما. والظلم في اﻹسلام هو كل فعل لا يوافق ما أمر به الله ورسوله.
قال الله تعالى: « وَإِنِ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلاَّ عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَاقٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ» (الأنفال 73). وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «انصر أخاك ظالما أو مظلوما، فقال رجل: يا رسول الله أنصره إذا كان مظلوما، أفرأيت إذا كان ظالما كيف أنصره؟ قال: تحجزه أو تمنعه من الظلم، فإنّ ذلك نصره» (أخرجه البخاري). وقال عليه الصلاة والسلام: «من أُذِلَّ عنده مؤمن فلم ينصره وهو قادر على أن ينصره أذلّه الله عزّ وجلّ على رُءُوسِ الخلائق يوم القيامة» (أخرجه أحمد بن حنبل).
وقال ابن بطال في شرح صحيح البخاري : «نصر المظلوم فرض واجب على المؤمنين على الكفاية، فمن قام به، سقط عن الباقين، ويتعيّن فرض ذلك على السلطان، ثمّ على كلّ من له قدرة على نصرته، إذا لم يكن هناك من ينصره غيره من سلطان وشبهه».
وقال النبي صلى الله عليه وسلّم: «المؤمن للمؤمن كالبنيان يشدّ بعضه بعضا» (أخرجه البخاري). وقال عليه الصلاة والسلام: «مثل المؤمنين في توادّهم وتراحمهم وتعاطفهم، مثل الجسد، إذا اشتكى منه عضو، تداعى له سائر الجسد بالسّهر والحمّى» (أخرجه مسلم).
إن علاقة المسلمين ببعضهم تبدو اليوم أبعد ما يكون عن توصيف الرسول صلى الله عليه وسلم لما يجب أن تكون عليه. فمسلمو كلّ دولة قطرية يكادوا ينغلقوا على أنفسهم، وكأنهم أجسام معزولة لا تربط بينهم وإخوانهم في الدول الإسلامية الأخرى أخوّة الدين، ولا يهمهم من شأنهم شيء.
ويغلب على الموقف العام للمسلمين حكاما وشعوبا وعلماء من أحداث سوريا التخاذل والتفرق والتهاون. وهو ليس مدعاة افتخار للمسلمين في حاضرهم ولا في مستقبلهم. بل إنه يقدم أسوأ مثل لأجيال المستقبل المسلمة.
إن سلبية الدول الإسلامية في حماية الشعب السوري مما يتعرض إليه، سيشجع الدول الكبرى التي لها رغبات في الهيمنة والاستيلاء على غزو الدول الإسلامية الواحدة تلو الأخرى، حيث أنها أدركت بالواقع الملموس أن هذه الدول –التي لا يستطيع أغلبها الدفاع عن نفسها بنفسها- لا تقف إلى جانب بعضها بشكل مؤثر في الأحداث.
إن التناصر بين المسلمين هو فرض سواء كانوا أفرادا أو جماعات أو دولا. ويستوجب عند كل ظلم يلحق بهم مهما كان مصدره من خارج أرض المسلمين أو من داخل أرض المسلمين، وقتل النظام السوري لأبناء شعبه الأبرياء وتدميره لديارهم لا يختلف عن عدوان تقوم به إسرائيل مثلا على أي دولة إسلامية. ويتحتم على المسلمين التناصر بينهم بأنفسهم، ودون اللجوء في ذلك إلى دول أجنبية غير مسلمة.
وإن كان تناصر المسلمين واجبا تجاه أبسط المظالم، فما بالك إن كانت هذه المظالم تتعلق بإزهاق أرواح بشرية بغير حق. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «لزوال الدنيا أهون على الله عزّ وجلّ من سفك دم مسلم بغير حق» (أخرجه البيهقي). ويقول الله تعالى: «وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا» (النساء 92).
وإني أتساءل إلى أي شيء تصلح منظمة التعاون الإسلامي التي تضّم أكثر من خمسين دولة مسلمة يبلغ عدد سكانها حوالي مليار ونصف، وإلى أي شيء تصلح الجيوش الجرارة لهذه الدول إذا لم تكن قادرة كلها على نصرة المظلومين من المسلمين في سوريا وغيرها من بلاد الإسلام؟
إن التناصر بين المسلمين لا يكون بالضرورة بالقتال واستعمال الأسلحة دون غيره من الوسائل. فعدم السكوت على الظالمين وتوجيه الرسائل المستمرة لهم، وتهديدهم إن لزم الأمر بالجيوش الإسلامية وبوسائل أخرى، والقيام بأعمال معاقبة لهم، والعمل على إحباط مخططاتهم وأعمالهم الإجرامية، كلها وسائل لنصرة المظلومين في أوطانهم، إلى جانب وسائل وخطط أخرى يمكن ابتداعها للوصول إلى الهدف. فالمهم هو عدم السكوت تجاه المظالم، ورد الفعل بما يستوجبه الحال والقدرة لنصرة المظلومين.
وختاما نذكّر أن التناصر بين المسلمين هو فرض كفاية، أي أنه واجب على كل المسلمين القادرين عليه، ويسقط هذا الوجوب بفعل البعض له، ولكن يأثم الكل إذا تركوه. وإنّ أخشى ما يمكن للمرء أن يخشاه أمام تقاعس المسلمين وعجزهم عن نصرة إخوانهم في سوريا، أن يصبح كل مسلم منهم حاملا لبعض وزر الدم الذي لا يزال يراق غزيرا في هذا البلد المسلم.
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: