سفيان عبد الكافي - تونس
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 5180
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
تعتبر المنظومة الجمهورية من ارقى المنظومات التي توصلت إليها الحضارة الإنسانية، وهو تجسيم للفعل التشاوري الذى له دعوة فطرية باعتبار ان الإنسان كائن اجتماعي عاقل، وحتى المنهج الإلهي يدعو لهذا الأمر داخل مختلف الديانات ومنها الإسلامية" وامرهم شورى بينهم".
وكلما اتسعت الرقعة التشاورية كلما كان التسيير والحكم اعدل وانجع واكثر استجابة لمتطلبات المجتمع باعتبار ان السلطة التنفيذية تصبح في حوار واسع مع الشريحة المجتمعية المختلفة مكانيا، وكلما غاصت اكثر في عمق المجتمعات كلما تعرفت اكثر إلى الإحتياجات الجهوية ولبت اكبر قدر ممكن من المتطلبات.
وحيث ان هذا المفهوم - نظريا على الأقل- تبلور على مدى التاريخ حتى في فترات الحكم الفردي المطلق، حيث ربط صلاح الحاكم بصلاح الحاشية، والحاشية هي عصبة الشورى حول الحاكم، فبدأت المجتمعات تحاول ان تطور هذه المجموعة المحيطة حول الحاكم، بدءا من اختيارهم من اهل الراي والعلم، مرورا بالتمثيل عن الأسر والقبائل والأقليات والأقاليم، حتى وصل إلى شكله الحالي، التمثيل العام للشعب عبر انتخاب ممثلين عنه، ولم يتم هذا إلا عندما سمحت الوسائل العملية والتكنولوجية والارشفة بهذه الإمكانية، فظهر ما يسمى المجالس النيابية.
وإننا نلاحظ ان مفهوم الشورى الواسع تأقلم مع منظومات الحكم المختلفة، فصنعت الممالك الدستورية، وظهرت الرئاسات البرلمانية، وفي اقاليم عدة انتجت الدول ذات النظام البرلماني.
ورغم هذا التمثيل الواسع للشرائح المجتمعية واخذها للسلطة الا ان الإستبداد تسلل لهذه المنظومات الشورية عن طريق الفساد وضُرب عرض الحائط بكل هذه القيم السامية، اذ غيب الإستبداد القيم الشورية بالفساد فغاب العدل، بسبب غياب الرقابة الحقيقية واخفاء المعلومة واحتكارها من طرف الحاكم واخراجها في القالب المواتي له صادقة او كاذبة خاصة وان وسائل الإعلام والإخبار رهينة لدى الحاكم يتحكم في بوقها.
ولعل العولمة اليوم - رغم مساوئها - قدمت خدمة عظيمة للإنسانية من حيث لا تعلم وذلك باخراج وسائل التواصل والإعلام من يد الدولة إلى القطاع الخاص، ورغم ان قيامها بذلك جاء من منظور ربحي مادي وليس من منظور ثقافي سياسي، ورب ضارة نافعة، وبانفلات التحكم في هذه الآليات انكشفت الحقائق ولم يتمكن الحاكم من اعادة السيطرة عليها، ولم يجد من مجال إلا التأقلم معها والرضوح لطلباتها، وهو ما حصل في عديد الدول، حتى المتقدمة منها في صعيد الديمقراطية، وأما الموغلة في الفساد والإستبداد فقد سقطت انظمتها بثورات، وتبدلت اخرى لصالح المعارضة، وأخرى تحاول الإصلاح واعادة الترتيب على هذا المنهج المستحدث.
قلبت الثورة التكنولوجية في ميدان الاتصالات والتواصل والإعلام موازين القوى ما بين الحاكم والمحكوم، لتأخذ من كفة سلطة المجموعة وتضع في كفة الفرد، واصبح للفرد اليوم قيمة وهو واحد، ويستطيع ان يمارس سلطته من خلال فرديته، فالمنظومة الإعلامية التواصلية والفضاءات الإفتراضية صنعت له دائرة الضوء ونسجت له طوقا يحميه من خلال ايصال المعلومة وانتشارها، وهذا ما ارهق الطغاة والظلاميين باعتبار ان الظالم يكره دائرة الضوء.
هذه الثورة المعلوماتية لها اثرها في حياة الشعوب وحتميتها الأكيدة في تحويل وجهة منظومة الحكم وآلياته، حيث ادخلت مفهوم جديد على الشرعية وهو المشروعية، اي الإنجاز، فشرعية الحكم المنبثقة من المبايعة سواء بالإنتخاب او غيرها من الوسائل المتعارف عليها مرتبطة بحقيقة التنفيذ، اي الفعل الذي على اساسه وقعت المبايعة، فان لم يكن تواجد لهذه اللمسة الإنجازية او هناك انقلاب وتحول لإنجاز آخر مخالف لما كانت عليه اصل البيعة، يفقد الحاكم شرعيته بانتفاء المشروعية، وحيث ان المنظومة التقليدية كان فيها تعتيم على الإنجاز او تصنع انجازات وهمية تحاك بمختلف الاشكال في ابواق الدعاية المعروفة، وليس هناك خيار للمبايع إلا ان يصدق ويسكت بحكم عدم توفر المعلومة الصحيحة، والأهم من ذلك ليس هناك تواصل بين مختلف افراد المجتمع، ولكن اليوم بظهور هذا الشكل الجديد من التواصل اصبح المبايع -اي المواطن- يعلم بما يحدث له ولغيره حتى وان لم تكن هناك قاعدة بيانات يوفرها الحاكم ليطلع عليها المحكوم، فالمواطن اليوم يرى بعينيه كل شبر على ارض بلاده ويقيّم الإنجازات، فلا مجال اليوم للتعتيم، ولا يمكن لأي كيان حاكم ان يصنع تنمية وهمية تنسجها له ابواق الدعاية كما هو في السابق، فاساس الحكم اليوم ليس الشرعية بقدر المشروعية، فقد ينتخب حاكم او يولي لخمس سنوات ولكنه يعزل في السنة الأولى بحكم انتفاء مشروعية الإنجاز وقد يولى حاكم لفترة قصيرة ويواصل لفترة اطول بحكم ايفائه بمشروعية الإنجاز.
هكذا اليوم تطرح بقوة مبدا فتح البيانات وحق المواطن للوصول إلى المعلومة ليقيم ويقترح ويوجه من موقعه، وهو بهذه الطريقة يشارك في الحكم، اي اصبحت قاعدة الشورى اوسع وأشمل، وهو يمارسها سواء بصفة فردية او من خلال منظمات المجتمع المدني،فكأنما البلاد مجلس نيابي كبير وكل فرد فيه هو نائب يعبر عن نفسه وعن اخيه فان يتبين هو خلل ما بينه اخاه، وعبر عنه بالنيابة، انه ما نعني به البرلمان المفتوح في الحوكمة التشاركية، ولهذا لا يمكن لأي مجموعة ان تحكم وحدها في ظل هذه العولمة.
ونلاحظ في العقد الأخير الصعود السريع لتاثير منظمات المجتمع المدني، حيث فاق تاثيرها الأحزاب السياسية التي اصلا صنعت لتقوم بهذا الفعل وتراقب كمعارضة وتحكم كسلطة في مبدا التداول السلمي على الحكم، واصبحنا نتحدث اكثر عن مبدا الحوكمة الرشيدة والتي لم تكن تطرح في الماضي إلا كشعارات انتخابية او اعلامية للتضليل وللتغطية عن الفساد، واصبحنا نتحدث عن حكومة الكترونية وبرامج الكترونية تنفيذية توقف برمجيتها كل تلاعب، وكل هذا نجمعه في ما يسمى الديمقراطية التشاركية ذات البيانات المفتوحة والحوكمة الإلكترونية المفتوحة.
هذا لا يعني ان المنظومة التقليدية غير صالحة او نلغيها، فهذه المنظومة باقية، ولكن يجب ان نطورها على حسب المستحدث الذي طرأ على الحياة البشرية، أما الإصرار على بقاء هذه المنظومة بشكلها القديم التقليدي هو بمثابة انتحار، كالراكب على حمار يسير به في طريقة سريعة مع السيارات، فليس الخطر في الوصول متأخرا بل الخطر ان يصدم ويموت وينتهي ويزول اثره في الحياة الإنسانية.
الفساد والإستبداد شيئان مترابطان لا ينفصل الواحد على الآخر، وتفتيت منظومة الفساد هو تفتيت لمنظومة الإستبداد، ونحن نرى في العالم ان هناك العديد من المنظومات الديمقراطية التي يتداول فيها السلطة سلميا وديمقراطيا ولكن الفساد منتشر فيها، وطبعا التداول فيها من فاسد لآخر، فيبقى المواطن هو الذي يدفع الفاتورة دائما من ثروته وجهده.
اننا نحاول ان نبحث داخل هذه المنظومة عن آليات التطوير والتفعيل الحقيقي للتمثيل السياسي بحثا عن مشروعية الإنجاز وتاهيل المنظومة التمثيلية النيابية لتكون تعبيرا حقيقيا على الشعب، وان تكون البنية التمثيلية تصاعدية من القاعدة إلى القمة.
نسعى داخل هذه المنضومة إلى تاهيل النائب ومنه نصنع مجلسا نيابيا يدافع عن مصالح الشعب ويوقف الفساد... نواب ذو اهلية يراقبون الحكومة دون تهديد لكيان الدولة او خلق فراغ في سلطه... نقيم تعادلية ما بين السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية...
اجمالا نبحث على طريقة فعالة تدمج الطرق التقليدية لتواكب المنظومة التشاركية ذات البيانات المفتوحة التي يساهم فيها المواطن من موقعه في رسم حركة السلطة وممارستها وتنفيذها على ارض الواقع.
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: