سفيان عبد الكافي - تونس
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 7645
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
لا تكتب الدساتير المتميزة إلا بإعداد مخطط مسبق يوضح القيم والأفكار الواجب تكريسها فيه، فالاتفاق يكون على المعاني قبل النص، والمعاني ترتكز أساسا على القيم، ومن اهم هذه القيم هو نظام الحكم وتوزيع السلط وتفاعلها.
لقد أدخلونا في متاهة الجدلية العقيمة ما بين نظام رئاسي ونظام برلماني، ورغم ان هذه المصطلحات هي اكادمية بحتة ولا نرى اي منظومة حكم في العالم تتضمن التفاصيل التنظرية لأحد النظامين، اذ ان لكل بلد قيمه ونظمه، قد يشترك في الحدود العامة مع أحد النظامين ولكن ليس هناك قالب جاهز يحتكمون له.
ان طرح قضية بهذا العمق وبتلك الطريقة في حد ذاته مغالطة كبرى، وكأننا في متجر عرض الموضة، نختار الموديل، في حين اننا في وضع لا نختار فيه، إنما الدواعي المحركة للبلاد هي التي تختار وتحدد الموديل المناسب لنلبسه ونحيك به منظومة حكمنا.
ان القراءة للواقع والتاريخ يوجه اخيارنا لعمومية منظومة الحكم المناسبة لنا، حيث تبقى المنظومة الرئاسية اقرب للواقع من البرلمانية، واكثر امانا وسلامة، لا لشيء إلا لأن الرئاسي منظومة إذا ما استبدت يكون اقتلاعها اسهل من المنظومة البرلمانية باقتلاع الدكتاتور، والأهم من ذلك انها تقتلع بفعل داخلي، اما المنظومة البرلمانية فهي منظومة استبداد تشيعية يصعب اقتلاعها من الداخل إذا ما استبدت وتحتاج في الأغلب تدخلا خارجيا، ونحن مازلنا لم تمتلك حقيقة سيادتنا وقرارنا الوطني، ولم نبلغ من النضج السياسي الذي يؤهلنا لإرساء منظومة برلمانية صرفة، ووقاية لأنفسنا وحماية لثورتنا علينا بعدم المغامرة، ونحن نرى الدفع القوي من طرف الفيئة التي تعتمد على التشيع لإرساء هذه المنظومة باعتبار انها تخدم مصالحها.
ان المنظومة التشاركية التي ندعوا إليها تتشكل على مبدأ مختلف عن التشكل التبعي والنقلي، حيث تطرح اسئلة ذاتية وتجيب عنها، ومنها تحدد هدفها ومرادها وعليه تصوغ تشكلها، وأول هذه الأسئلة: هل نحن في حاجة إلى رئيس؟، وماهي دواعيه وإسهاماته؟، وهل نحن إلى في حاجة إلى برلمان وما هي دواعيه واسهاماته؟.
الرئيس في منظورنا أساسي، اذ لابد لكل مجموعة من قائد ورمز وممثل، ولكن هل لهذا الرمز معنا بدون قدرة وفعل حقي وصلاحيات، طبعا لا، فرئيس بدون صلاحيات هو عبثية سلطوية.
ونواصل التساؤل: ما المطلوب من هذا الرئيس حتى نحدد الصلاحيات؟. بالنظر إلى المرجعيات التارخية والكونية لدور الرئيس نرى ان أهم دور هو الجانب الأمني والسيادي للدولة، حيث يحرص على بقائها وبقاء دواليبها وحسن سير المنظومات فيها.
هنا تتضح لنا الركيزة التي نبني عليها مهام الرئيس، وتحديد صلاحياته في الجانب السيادي والأمني وكل ما يتعلق به وبالتالي نجد انفسنا نعفيه من الجانب التنموي من باب التفرغ والإستطاعة، لأننا نعلم ان الشخص له قدرة محدودة، فاذا ما كرس جهده في الجانب السيادي اضاع الجانب التنموي، او العكس، إذ لبد من مراعاة القدرات البشرية حتى نحصل على نتائج محسوسة وحقيقية، وهنا نجد مسألة البناء التنموي تمر مباشرة للحكومة التي هي انعكاس مباشر لاختيار الشعب من خلال الحملات الانتخابية البرلمانية، وما اختيارهم لزمرة من الناس او توجه حزبي إلا على اساس تنموي، وطبعا اختيار الرئيس سيكون بالتالي على اساس الشخصية والقيمة والسيادة التي قد يضيفها لسلطة الدولة.
هذه التعادلية التي تفرضها المنظومة التشاركية، تقوم على تفرق السلط على حسب الدواعي والمتطلبات والأدوار وليس من باب المحاصة أو الإقتسام، لهذا يتولى الرئيس بحكم السيادة الصلاحيات الأمنية ليحرس البلاد من الداخل والخارج، ويحرص على تفعيل الدور التنموي للحكومات المنتخبة والشرعية المنبثقة من البرلمان، فان حادت يعيدها للجادة وان عملت بجد عليه ان يوفر لها الوضع السليم لحسن عملها في نطاق السلم الإجتماعي، وحواره معها يكون عبر البرلمان المسئول عنها، وبالتالي لن يكون الرئيس في حاجة الي السلطة الترتيبية التي تمكنه في التحكم في الإدارة، حيث تنتقل هذه السلطة مباشرة الي الحكومة التي بدورها لا تمتلك السلطة الأمنية، وبالتالي تحمى المنظومة من الإستبداد، فكيان الإستبداد هو التحكم الكامل في الإدارة والقوة الأمنية.
قد تحدث سيطرة لون معين على السلطتين، وهذا وارد جدا، ونقع في نفس الإشكال المؤدي للإستبداد، ولكن هنا لابد من القول ان هذا لا يكون بنفس الحدة باعتبار أداة السلطة تكون في يدي شخصين على الأقل، وليس الأمر كما لو ان السلطتين بيد شخص واحد، اعتمادا على المبدأ الفلسفي مقامة السلطة بالسلطة، فلا يستبد أحد على الآخر، ورغم ان امكانية تفوق طرف على آخر واردة وهنا يظهر اهمية قاعدة الديمقراطية التشاركية التي ندعو لإرسائها داخل منظومة الحوكمة وفتح البيانات، في تجلي تطبيقي لمفهوم التعادلية بين السلط، حيث اننا نضيف ارتكاز جديد في السلطة ما بين السلطة التمثيلية في منظومتها التقليدية إلى السلطة الشعبية في تفاعلها وممارستها المطلقة.
فإضافة لما توفره منظومة الحكم التقليدية من فصل المهام وتقسيمها داخل السلطة التمثيلية الحاكمة والمختارة من طرف الشعب، فهذه المنظومة تدعم هذه التعادلية في السلطة ما بين الشعب والحكومة في العموم، تحمي الشعب من تسلط الحكومة عليه، من خلال تواجد منظومة رقابية وسلطوية يمارسها الشعب افرادا وجماعات مهما كان موقعهم، لتبليغ صوتهم المباشر، والمتحرك، دون وساطة، ليوجه المسار العام للبناء التنموي والقرارات السيادية التي تعبر عنه للسلطة التنفيذية المنتخبة عبر الوسائط المتعددة والمتعارف عليها في المجتمع الحضري المتقدم والمعولم سواء عن طريق الإعلام أو شبكات التواصل عبر قاعدة البيانات المفتوحة، وكذلك بالطرق التقليدية الواجب تفعيلها حقيقة وهي منظمات المجتمع المدني الذي سيبقى يراقب ويضغط ويحمي كينونة الدولة ومدنيتها والحقوق الكونية للإنسان.
ان كنا نؤمن ونشيع ان ثورة تونس مبدعة ومستحدثة ولم يكن لها انموذج مرجعي وجب ان يترجم هذا الفعل الثوري في البناء الواجب ارسائه بان يكون هو الآخر مستحدث من صنع تونسي، اما التوجه نحو النقل والتقليد يحكم على الثورة بأنها لم تكن ثورة بقدر ما هي انتفاضة.
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: