سفيان عبد الكافي - تونس
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 6390
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
في الدولة التكنوقراطية لا ننظر للمسئول او المواطن المتعامل مع منظومتها الإلكترونية المفتوحة على اساس اعتقاده الديني، ولا نعول على تقواه او شرفه، لأن التعامل مع البرمجة وسبل تنفيذها، والبرمجة ليست لها احاسيس ولا تراعي احد مهما كان، ولكن نراعي الجانب الديني الغالب من خلال برمجة المنظومة التسيرية.
نتبني المتعارف عليه ونبني على الموجود. وبما ان الدين في تونس هو الإسلام، فإننا نتعامل معه ونسلّم به على أنه دين الدولة ومصدر التشريع و مأتى العرف.
تتشكل هذه المنظومةعلى حسب قاعدة معطيات المجموعة البشرية الموجودة في الرقعة الترابية الوطنية، ولا تتشكل قمة هرميتها إلا على اساس شكل قاعدتها، ولهذا قيام دولة تكنوقراطكية في تونس يجب بالضرورة ان ينطلق مما هو موجود في القاعدة و يحترمه. ومن هذا المعطى تصياغ تقنيات الملائمة ما بين الهوية والحداثة داخل الإسلام باعتباره دين الأغلبية المطلقة في الحدود المتعارف عليها.
المنظومة البرمجية تصاغ تحت مبدأ حرية المعتقد، وتعتبر السلطة الدينية مؤسسة مستقلة بذاتها، كما القضاء مثلا، ويتعامل مع ما تفرزه هذه المؤسسة/ السلطة من تصورات من خلال منتسبيها من العلماء المستقلين في تعبير صريح عن احترام هذه المنظومة واحترام إختصاصها و مجال تخصصها، طالما أن " التخصّص" هو جوهر التوجه البرمجي العلمي التقني.
فعلماء الدين المستقلين هم اولى بالخوض في الأحكام الدينية، ولكن هذا لا يعني هذا الإلتزام هو تسليم مطلق بما يأتونه من أحكام، فالبرمجة تأتي على حسب القوانيين التشريعية من السلطة التشريعية، وأن تبنت السطلة التشريعية قانونا من هذه الهيئات تدرجه المنظومة في برمجتها، فمبدأ الحوكمة يجبر الدولة ان تضع برامجها ملتزمة بما يحقق النهضة والتنمية والملائمة ما بين كل عناصر التعامل في الحياة السياسية وعلاقة الشعب بالدولة.
هذا المسار العلمي التقني التنموي يحترم الحرية والإستقلالية ويطالب بالموضوعية والشمولية، وكل طرح مقدّم، عليه ان يكون طرحا شاملا، فلا نقدم حلا لمعضلة ونتغاضى عن أخرى، بل نطالب ببرنامج تعامل واضح وكامل وشامل لكل القضايا والمعطيات وضرورة توقع تفاعلاتها مع كل القضايا المعاصرة في مختلف المجالات الاجتماعية والإقتصادية و الثقافية والفنية والفكرية و السياسية.
إن للهيئات الدينية سلطة وإن كانت معنوية وغير مؤطرة قانونيا، وهو ما قد يؤثر على استقلالية البرمجة أو التلاعب بها وعدم استقرارها، لأن البرمجة تستند إلى التشريعات النيابية، والمجالس النيابية يكونها السياسيون، والسياسيون لهم علاقة إما تجاذبية أو تنافرية مع السلطة الدينية، ولتستقر هذه البرمجة وتحمى وتكون محيادة وفعالة لابد من وضع شكل نتفيذى وقانوني لتنظيم وترتيب هذا الهيكل لضمان استقلاليته، ويقف هذا الشكل القانوني كحائل امام وصول رجل السياسية للدين.
إن العمل السياسي هو فعل للناس يرتجى به رضاء الناس، على خلاف العمل الديني الصرف هو عمل للناس يرتجى به رضاء اله، والفارق كبير هنا، ولأن السياسي يبحث عن كل السبل التي تسوق لشعبيته، حتى ولو استعمل الحس الديني، سواء بتفسيخه او بتطريفه. خاصة وأن الدين الإسلامي اكثر الأديان الذي يفتح باب البحث والإجتهاد بحكم انقطاع العلاقة الحوارية السماوية الأرضية بوفاة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، والصراع ما بين الحداثة والسلفية هو تجسيد لهذه المعضلة.
المشكلة هو انعكاس نتيجة هذا التصارع على المنظومة التشريعية المستندة عليها برمجة الحوكمة المفتوحة وقاعدة البيانات. ولأننا نريد برمجة وقوانين يمكن لكل الأطراف ان يتعايش تحتها ويتحاكمون إليها لابد ان نستقي التشريعات الدينية المؤثرة على التشريعات الوضعية من اناس مؤهلين ولهم خبرة وعلمية واستقلالية تامة عن كل التوجهات السياسية.
وهذه الإستقلالية في الهيكلة الدينية لا تمنع السياسيين والأحزاب من استراد مراجعهم واديوليجياتهم السياسية منها، فقط نسمع من رجل مؤهل ومحايد ليس له غاية سياسية في القاء الأحكام، فلا يعبث بالدين فيفسخ او يطرف.
في المنظومة التكنوقراطية لا نحكم على النيات والإعتقادات ولا نحاسب عليها، بل نحكم على التصرفات ونتائج الأفعال والإنجازات، وأن العبرة بالنتيجة، وأن الإعتقادات هي امر ذاتي و إحساس داخلي في الفرد ليس من حق احد ان يحاسبه عليه الا إذا تشكّلت تفاعلاته على الواقع السياسي والتنموي وظهر نتاجه فعليّا، وجب وقتها- إذا كان النتاج سلبيا- و ضع كامل المسار الذي قاد إلى تلكم النتائج تحت مجهر الدراسة و التقييم قبل الحسم فيه.
لأن تطوير الدولة والمنافسة على الحكم تقوم به مجموعات من مختلف الشيع والتوجهات، وفي منظومة ديمقراطية ليس هناك فئة منفردة بالحكم، كل يشارك، حتى وأن كانت هناك اغلية حاكمة فحتما هناك أقلية تشاركها الحكم، والكل يعمل داخل منظومة تسيير واحدة قوامها التقنية والعلم والمعلوماتية، ولهذا لابد من ان تكون هذه البرمجة المصاغة مقبولة من كل الأطراف ويستطعون التعامل معها ولا ينفرون منها.
الممارسة الدينية والعقائدية على المستوى الشخصي لا تهمنا في شيء، وهذا من باب الحريات، ولكن في الممارسة الحياتية الجماعية داخل مجموعة بشرية فيها خليط من الإديولوجيات المختلفة تكون الحدود والضوابط دوما واضحة المعالم، وهناك اخلاقيات متعارف عليها يجب مراعاتها، ويجرم الإعتداء عليها، فالصراعات الإديولوجية الدينية بين البشر ليس مردها الإعتقاد بل مردها الأخلاقيات التي يفرض الدين اتباعها، فهذا يريد ان يتملص وهذا يريد ان يلتزم، ولكن هذه الأخلاق في مجملها والدين الإسلامي خاصة لا تحد من الحريات و الحقوق الفردية التي خلقت معنا،
ولإنجاز منظومة علمية ذات برمجة مفتوحة تؤسس للديمقراطية التشاركية ما بين الدولة والمواطن لابد من قوانيين منظمة صادرة عن السلط المختلفة الحاكمة في المجموعة البشرية، ولابد من فصل السلط القانونية المتعارف عليها وهي التنفيذية والتشريعية والقضائية، حتى تصدر قوانيين علمية ومنطقية وقابلة للتطبق والإقناع، ولابد من تنظيم السلط المعنوية وتحييدها، ونعني بها السلطة الدينية والسلطة الإعلامية.
فلا نريد ان توجهنا الخطابات الدينية المصنوعة داخل السلطة التنفيذية، ولا نريد ان نرى اعلاما تقوده وتوجهه السلطة الحاكمة.
لا نريد ان نرى وزارة للشئون الدينية وإنما نرى فقط هيكل مدمج داخل الوزارة الأولي يربط ما بين المؤسسة الدينية والحكومة للتنسيق الإداري معها، اي كتابة دولة للشئون الدينية كأقصى حد.
ونفس الشيء مع الجانب الإعلامي.
بهذا الفصل والحياد لكل المنظومات السلطوية يمكن ان نحصل على قوانيين منطقية وعلمية مستجيبة للمواصفات نبني عليها منظومتنا التسييرية الإلكترونية في ما نسميه بالحوكمة الإلكترونية الشفافة التشاركية.
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: