سفيان عبد الكافي - تونس
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 4784
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
الانتخاب باستعمال القائمة لا يخلو من مشاكل ومغامرة خاصة وأنها طيّعة لسوء الاستغلال الذي تحبذه القوى اللوبية المهيمنة والأنظمة الاستبدادية، فهذا النظام جيد اذا أُحسن استغلاله ولكن يصبح غير مُجد اذا أُسيء التحكم فيه، لأن الجدوى مرتبطة بطرق تشكيل هذه القوائم وطرق احتساب وتوزيع المقاعد.
قد لمسنا سوء استغلال هذه المنظومة خلال النصف القرن الماضي في العهد البورقيبي والنوفمبري بأن كرّست سياسة الحزب الواحد المهيمن لأنها اعتمدت التمثيل المطلق اي الفائز يأخذ كل المقاعد، وهذا اقصاء للأصوات الأخرى، وقد لمسنا كذلك سوء استغلالها في انتخابات التأسيسي رغم تعديل صيغ اسناد المقاعد باعتماد النسبية واكبر البقايا ورغم ان هذا التوزيع هو عادل ومنصف ألا إن النتيجة كانت سلبية باعتبار الثغرة الثانية الموجودة وهي اعتماد الترتيب في اسناد المقاعد، فبانت كأنها منظومة بليدة حمقاء اسهم المستوى الضعيف لنواب التأسيسي في تأكيدها.
ثغرة اسناد المقاعد بالإطلاق، اي باعتماد "الفائز يأخذ كل شيء"، هو قتل لفاعلية وجمالية منظومة الاقتراع عبر القوائم، حيث يصبح لا معنى للتعددية ولا معنى للتشاركية، اي ان القائمة الفائزة بأكبر نسبة من الأصوات ومهما كانت ولو بـ15% (نتحدث عن انتخابات غير مزيفة في منافسة متعادلة وجدية فلا مجال للحديث عن 99.99%) مثلا من جملة الأصوات المصرح بها تأخذ كامل المقاعد، وهذا ضرب من الاقصاء للأصوات الأخرى وتجن على القوائم الأخرى التي جمعت اصواتا مساندة لها رغم انها لم تبلغ نسبته ما جمعته هذه القائمة الفائزة.
لقد حكم الحزب الواحد البلاد بهذه الطريقة وهو ما فتح المجال للفساد والاستبداد ووئد الشفافية، وإلغاء ثقافة المواطنة والتشاركية، وحتى الإصلاحات التي ادخلت في الفترة الأخيرة من الحقبة النوفمبرية بأن اسندت 20% من المقاعد اجبارا للمعارضة هي ذر رماد على العيون وضحك على الذقون وتكريس معارضة صورية او معارضة مساندة كما يحلو للبعض ان يسميها.
ورغم ان انتخابات ما بعد الثورة تداركت هذا الضعف الفادح وعوضت التوزيع الأغلبي بالتوزيع النسبي مع اكبر البقايا وهو التوزيع العادل والمثالي الذي يجب ان يكون إلا انها وقعت في الثغرة الثانية القاتلة لفعالية وجمالية هذه المنظومة وهو اعتماد الترتيب في اسناد المقاعد، إذ يعتبر هذا دوس حقير وصارخ لإرادة المواطن واختياره وفرض شخصيات بالقوة عليه، وجعل الناخب فقط اداة لأخذ الشرعية ثم يرمى به عرض الحائط، وهو سبب رئيسي في عدم خروجنا الى حد الآن من عنق الزجاجة والتحول من الفترة الانتقالية الي فترة الإستقرار، فعلى اي أساس أسقطوا هؤلاء الأشخاص واختاروهم؟، وعلى اي مبدأ رتبوهم؟...
القائمة تكون قوية إذا وقع مراعاة مواصفات خاصة في تركيب القائمة بان يكون المرشح في القائمة من المنطقة التابعة للدائرة ومقيم فيها بأقدمية معقولة وناشط فيها، فيكون معروفا، وله المواصفات ثقافية وتعليمية التي تؤهله ليلعب دور النائب وليمثل الحزب، اما ان يسقط الحزب اسماء لا يعلمها الناخب ولا يعرفها، فهذا تهميش للعملية التمثيلية الشعبية النيابية.
إن الأحزاب تحبذ منظومة القوائم لأنها تعطي لرموزها التحكم في الحزب وتبقيهم في قيادته طويلا، وفي مراكز قيادة الدولة، ولهذا نرى العديد من الأحزاب تقوم على الشخصنة، ولا تتغير قياداتها، ثم يدعون الي التداول السلمي على السلطة، وهذا قمة النفاق والتضارب وانفصام الشخصية، فكيف يدعون الى تداول على سلطة الدولة والحزب لا يوجد فيه تداول؟.
تستعمل الأحزاب هذه المنظومة لتركيز سلط قياداتها القديمة وقطع الطريق على القوى الشابة للصعود، فالشاب لا يستطيع ان يبني كينونته السياسية والقيادية ما لم يدخل في المنافسة داخل الحزب نفسه ويأخذ المسئولية والتمثيل النيابي في مختلف المجالات وخاصة البرلماني، فنلاحظ ان نفس الأسماء تكون على راس القوائم لرموز الأحزاب وبالتالي هم يأخذون المقاعد آليا على حسب نسب الأصوات التي حصّلوها، وهذا يدمر الحياة السياسية، ولو قامت ازمة سياسية مثلا وحُلّ البرلمان ودعوا إلى انتخابات برلمانية جديدة سيتشكل نفس البرلمان باعتبار ان جل هذه القيادات التي كانت على راس القوائم في الانتخابات الماضية ستترأس الانتخابات التي تليها وتصعد من جديد، فلماذا اذا نحل البرلمان لنتحصل على نفس البرلمان مرة اخرى بنفس الأشخاص تقريبا مع تغير طفيف خاصة وان التشيع الحزبي والأنصار عادة لا يغير كثيرا الخارطة السياسية في البرلمان لتعاد نفس النسب لكل الأحزاب؟.
كما ان متذيل القائمة المعتمدة على الترتيب يعلم سلفا ان وجوده صوري، فقط لملأ الفراغ، وهذا احتقار شديد للعمل السياسي ولكينونة الشخص، والمواطن الحر لا يقبل بهذا، ومن يقبل بالمشاركة الصورية بصفر حظوظ لأخذ مقعد يكوّن لنا جيلا سياسيا مدحور الشخصية ويمثل خطرا على السيادة الوطنية لو وصل يوما ما الى السلطة بعد خروج القيادات والزعامات لكبر السن او الموت، فقد يبيع البلاد للأجنبي واللوبي المتحكم ولا يقاوم، خاصة وانه من المفروض وبحكم الأقدمية سيطالبون بالمناصب القيادية فقد صبروا طويلا ليروا هذا اليوم.
وللأسف، تضع الأحزاب المتمسكة بالنمطية التقليدية السياسية الشباب والمرأة في هذه المراكز ، في تحد صارخ للقيم الثورية وتضارب واضح مع الشعارات التي تراهن على الشباب وتعطي للمرأة دورا رياديا، وهذا من غرائب النمطية الحزبية التقليدية التي تعصف وتضر بالحياة السياسية المدنية وتجعل الشعب يكره التحزب والسياسية والسياسيين، اذ هذه التصرفات تقتل الفعل الإبداعي والقيادي والطموح وخاصة لدى الشباب والجنس اللطيف، وتزرع فيهم ثقافة البيادق (بلغة الشطرنج)، وهذا مخالف للقوانين الدستورية العامة المنصوص عليها ووجب بحكم القانون التصدي له ورفضه، لأن مبدأ المساواة بين الجميع هو مبدأ دستوري أساسي، والطعن في اي منظومة لا تكرس هذه القيمة من المساواة والعدل والتشاركية واجب وطني.
ان المبدأ العام الذي يريد المتحزبون النمطيون التقليديون تركيزه في القانون الانتخابي هو ان الشعب ينتخب الحزب والحزب يضع من يشاء في المقاعد البرلمانية، فلا يتدخل المواطن في الأسماء إذ هذا ليس من شأنه، وهذا ضرب من الاستبداد واستبعاد المواطن من دائرة القرار واستعمال الصندوق لمشروع العقوق، وتؤسس لانقلاب النائب على منتخبه، فلا نستغرب اذا ان تبقى المطالب الشعبية في صف ثاني، لأن النائب عليه ان يلبي طلبات حزبه قبل ان يلبي طلبات الشعب، لأن تواجده مرتبط بقرار حزبه وليس بمشروعية التصويت.
ان الديمقراطية التشاركية ذات البيانات المفتوحة ترتكز على مشاركة المواطن وتفعيل دوره وتبنيها للانتخابات عن طريق القائمة في تكوين البرلمان لأنها مؤمنة بالمجتمع المدني وأهمية التنظيم لترسيخ الدولة المدنية بعيدا عن النعرات الجهوية والطبقية والعقائدية، وتقدم التصور التي تحل به هذه الإشكاليات بان تكرس منظومة من مجموعة افراد يلتقون في قائمة ولهم دعم لوجستي سياسي ليتمكنوا من القيادة العلمية الواعية، وتقضي على الترتيب المعتمد بان تجعل لكل مترشح في القائمة نفس الحظوظ للوصول للبرلمان، ولا تجعل اي مترشح متأكد من فوزه بمقعد حتى ولو كان حزبه هو الفائز بالأغلبية، ولا تقطع الأمل بالوصول للبرلمان حتى ولو كانت القائمة غير فائزة، المهم هو ان تتحصل القائمة على اصوات كافية التي تمكنها من مقعد في البرلمان.
ان الحلول الإبداعية لا تنقص الشعب والشباب ليقدم طريقة تجمع ما بين التمثيل الفردي والتمثيل بالقائمة في تشكيل البرلمان، بان يأخذ محاسن كل طريقة ويتفادى مساوئ المنظومة الفردية ومنظومة القائمة.
لهذا يكون التنافس عبر الدوائر والقوائم لتشكيل او بالأحرى صناعة البرلمان، اذ نرى ان البرلمان هو صناعة وإنتاج مطالب بان يربحنا ولا يخسرنا، وهذه الطريقة هي الأفضل للحراك السياسي المدني ولكن بآليات وأفكار وطرق جديدة مختلفة تخرجنا من النمطية التقليدية التي تكرسها الحزبية الضيقة والممارسات المصلحية لنتفتح على المواطن الذي هو من المفروض صاحب المال وهو الزعيم ولا زعيم غيره وبالتالي تجبر هذه الآلية التنظيمات السياسية ان تكون تنظيمات مفتوحة لا مجال فيها للصنمية والرموز، وبانفتاح التنظيمات السياسية تنفتح الدولة آليا.
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: