سفيان عبد الكافي - تونس
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 6915
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
تعتبر منظومة الحكومة الإلكترونية ذات البيانات المفتوحة والحوكمة التشاركية مع المواطن هي من ارقى المنظومات التي جاد بها الفكر البشري الحديث نتاجا لما افرزته تقدم التكنولوجيا وشبكات الإتصال، وبما ان الحوكمة هي مسار ارساء العدل الشامل بين كل المواطنيين ومكونات الدولة، فليس هناك احد فوق القانون، والقيادة تكون للرجل المناسب داخل المكان المناسب، تكون بالتالي فرص نجاح هذه المنظومة داخل النظم الجمهورية أكبر، ولا يمكن ان تزرع في منظومات دكتاتورية حتى ولو كانت جمهوريات، لأنها تتعارض والقيم التسلطية التي تكرسها مختلف منظومات الإستبداد، كما انه لا يمكن الجزم بان هذه المنظومة لا تتماشى والمنظومات الأخرى كالملكية والقبلية وغيرها، ولكن حقيقة فرص نجاحها تكون اقل بحكم ان هناك مسئوليين فوق القانون ويتمتعون بحصانة.
إن تونس دولة ذات نظام جمهوري، وهذا مكسب تاريخي جاء نتاجا لنضال طويل على مدى عقود حقبة الإستعمار لا يمكن التفريط فيه رغم ما عاناه الشعب من دكتاتورية في ظل النظام.
وهذه نقطة اجابية ودفع هام لمشروع نجاح منظومة الدولة التكنوقراطية وحوكمتها.
وبعد الثورة وسقوط دولة الفساد، تزداد حظوظ نجاح هذه الفرصة التاريخية لإرساء اول منظومة حوكمة تشاركية داخل ادارة الكترونية، وهي تحتاج إلى عمل تأسيسي حقيقي، ونعتقد أن بانشاء مجلس تأسيسي للمرة الثانية في تاريخ تونس، هو فرصة تاريخية لتحقيق هذا التطلع العظيم لتقديم نموذج الدولة المتقدمة والمتحضرة.
فهذه المنظومة مرتبطة بحسن صياغة منظومة حكم تتفاعل معها، وتزرعها في البنية التحتية وتعطيها القوة الفاعلة التطبيقية، ويحميها دستور منتج بعلمية وعن وعي بالمصلحة الوطنية يتماشى وتطلعاتنا و يتلائم مع انموذجنا التونسي.
إن الدستور القديم برغم ما فيه من نقاط سلبية تخدم الدكتاتورية يمكننا ان نبني عليه ونعدله ونستأصل منه التحريف والزيف، فالأزمة الطاغية عليه لسيت ازمة تشريع بقدر ماهي ازمة حماية وتطبيق يمارسها المجتمع المدني ويعي بفحوى دستوره وقيمه.
إن امامنا فرصة تارخية اليوم لندخل فيه هذه المفاهيم الجديدة في ادارة الدولة بالمعطيات التقنية المستحدثة، لتتمكن الدولة من أن تعود وتُسيّر في كنف الشفافية والعدل والمواطنة التشاركية، وهنا تظهر لنا اهمية اختيار نظام الحكم الذي سيطبع الحياة السياسية والسلطة التنفيذية في المستقبل ما بعد التاسيسي، فآلياته ومرونته وفعاليته، ستحكم على التجربة الحوكمية التقنية الجديدة لو قبل الأطراف السياسية والوطنية والشعبية على ارسائها في البنية الجديدة للدولة بالنجاح او الفشل.
الأكيد أن أي مشروع قانوني مهما كانت صياغته مقاربة للمثالية فستبقى جدواه رهينة الفعل التطبيقي وحمايته من التشويه. لهذا جاء هذا البحث ليصوغ المنظومة التكنوقراطية العلمية المفتوحة التشاركية ويشكلها طامحا ان يحمي كل تشريع منتج من مغبة عدم تطبيقه أو تجاوزه.
ولهذا نطرح السؤال:
أي أنظمة حكم يمكن أن تتماشى معنا وتمكننا من ارساء هذه المنظومة بيسر وليونة وتحمينا من عودة الإستبداد والفساد ؟،
وماهي القواعد العامة التي يجب ان نحافظ عليها والأسس التي عليها نختار منظومة الحكم المواتية؟،
وماهو التصور الأنسب لهذا النظام الحاكم المقترح؟...
هل نحافظ على نظام الحكم الرئاسي؟، أو نتحول نحو النظام البرلماني؟، أم نستنبط نظاما وسطا من هذين النظامين؟....
رغم ان خيار تحديد النظام الذي سيحكم تونس هو موكول إلى حوار القوى السياسية والمجلس التأسيسي ولكن هذا لا يمنعنا إلى النظر بعلمية في هذا الخيار ونعتمد على معطيات تاريخية ومعطيات اقتصادية وسياسية وبشرية وتنموية لإستخلاص النموذج الواجب اعداده لنصنع دستورا راقيا فيه منظومة حكم ترضي الجميع وتتفاعل مع المواطن من قريب بعيدا عن عليائها.
من أسس الديمقراطية الإنابة، وشرعيتها تأتي من التصويت من خلال انتخابات نزيهة حرة مباشرة وسرية، وما ينتجه هذا الحراك الديمقراطي من حرية ومؤسسات مدنية فعلية ومستقلة تكون هي الرقيب على الحكم ومرجعنا الأساسي في تقييم أداء الحاكم.
إن البحث في إشكاليات نظم الحكم تبقى من أكبر القضايا السياسية، ولابد من البحث عميقا والتحري، لأنه الطريق الوحيد للتخلص من شبح عودة النظم الإستبدادية التي تعطل مسيرة التنمية والتطور، فتصبح الدولة غير مرتبطة بقدرات شعبها الفكرية والعلمية والإقتصادية، بقدر ما هي مرتبطة بقائدها ونوازعه، ويصبح لا رضاء إلا برضاء الحاكم ، ولا مصلحة إلا مصلحة الحاكم وليس مصلحة البلاد.
وربما أصبح الرأي السائد في الأوساط السياسية في تونس ما بعد 14 جانفي 2011 يعتبر أن منظومة الحكم الرئاسي منظومة فاشلة باعتبار ما أرسته من دكتاتورية رزح تحتها الشعب التونسي طوال عقود عدة خيبت أماله في تأسيس الدولة الحديثة المستقلة بدء من العهد البورقيبي مرورا إلى حكم بن علي الذي أسقطته الثورة.
ولهذا يتم الترويج نحو التوجه لنظام برلماني كسبيل للقطع مع الدكتاتورية بشكل نهائي...
ولكن على امتداد تاريخنا لم نجرب نظام الحكم البرلماني في تونس ولم نعشه - فقد عرفنا الملكية وعرفنا القبلية وعرفنا الرئاسية -(المشوهة)- ولكن البرلمانية مازالت مجهولة وليس لنا من مرجعيات إلا تجارب خارجية لم تكن بلدنا ميدانا لها...
ولهذا نتساءل هل حقيقة أن النظام البرلماني لا يخلف الدكتاتورية؟،
وهل هو مناسب لظروفنا الحالية ومكونات مجتمعنا التونسي؟،
وهل أن الأرضية التونسية الحالية جاهزة لتطبيق هذا النظام؟،
وهل أن مؤسساتنا وأحزابنا وجمعياتنا مؤهلة للتعامل مع هذا النظام دون تعثر وتعطيل؟...
وهل يخدمنا في تفعيل هذه المنظومة ولا يعطلها؟.
أنه لأمر صعب أن نحكم على هذا النظام أو ذاك، بحكم غياب الأنموذج الأكاديمي الحقيقي المعيش في الواقع التونسي العريق، فالنظام السابق كان استبداديا وكأنه ملكي بحكم تغول العائلات الحاكمة، استمد سلطته من الأسرة لا من الدستور، والبرلمانية المجهولة لدينا تخوفنا بانموذجها الرهيب حيث اخرجت اكبر دكتاتور في، ألا وهو هتلر.
في هذا المنهج التكنوقراطي، كل هذه النظريات المروج لها لا نعتد بها ولا نسلم لها، ولا ننساق لأي تيار دافع حتى ولو كان الشارع نفسه، بل دائما ننظر برؤية علمية داخل الحتمية التاريخية في الحضارة البشرية على منظور ابن خلدون ومقولته الشهيرة:" التاريخ في ظاهره لا يزيد عن الإخبار وفي باطنه نظر وتحقيق".
فالبرلماني والرئاسي لا تعدوان ان تكونا مصطلحين أكادمي، ولكن في المجال التطبيقي تظهر اشياء اخرى تنحى بعيدا عن هذه النظريات.
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: