سفيان عبد الكافي - تونس
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 7086
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
طوال مرحلة كتابة الدستور التونسي حاولنا ان نقدم افكارا في باب الحوكمة الرقمية التشاركية ومنظومة الحكم الكونية الجديدة، علهم يأخذون بها، فاخذ ما اخذ، ولكن للأسف اهمل اكثره واهمه، ونحن اذ نواصل هذا التمشي لبلورة مفاهيم وشكل هذه المنظومة بغض النظر عن مدى التفاعل معها، فنحن نواصل بكل جد توضيح وتفصيل هذه المقترحات بالتوازي مع مرحلة تنفيذ خارطة الطريق المعدة من طرف الرباعي، حيث تتجه الجهود حثيثة لاعداد الإنتخابات البرلمانية والمجلة الإنتخابية خاصة بعد استكمال تشكيل الهيئة العليا المستقلة للإنتخابات والمصادقة على الدستور.
وعلى نفس المنوال نواصل طرح النظرة التصورية لمبادئ الحوكمة المفتوحة التشاركية داخل قاعدة البيانات الرقمية المتاحة، وكيفية تشكل البرلمان والمجالس المحلية والجهوية بما يؤسس لشفافية وتكافئ الفرص لأخذ مقاعد وتمثيل التونسيين تحت نفس الحظوظ بين كل التونسيين المترشحين مهما كانت مواقعهم الحزبية او المستقلة، مراعين مبدأ دعم وصول الفئة الشابة والمتعلمة والتكنوقراطية آملين في خلق تناسل سياسي وايجاد جيل قيادي وسياسي دائم له من الخبرة ما يجعله يقود البلاد بسلاسة وامان في مستقبل الزمان.
لقد اتي هذا الدستور بنظام غير واضح في منظومة الحكم وابرز ما يعاب عليه هو غياب التعادلية في السلطة التنفيذية وقبوله للتأويل والتأويل المضاد، ولكن الركائز العامة الأساسية فيه تقول انه نظام برلماني، بحكم ان الحكومة تنبثق من القوى المشكلة للبرلمان، وينفي عنه الصبغة الرئاسية باعتبار ان الرئيس لا يشكل الحكومة.
وعلى هذا الأساس فان العناية بتشكيل هذا البرلمان سينعكس على المنظومة التنموية باعتبار ان الحكومة مكلفة بالعمل التنموي من خلال امتلاكها الصلاحيات الترتيبية، وقد تحدثنا عن هذه المعاني في مقال سابق باعتبار اننا ننظر إلى البرلمان كصناعة.
اننا ننظر إلى الفعل النيابي أنه تكليف وليس تشريف، وعليه ان يتأسس ويتكون لصالح تماسك الحكم وفعاليته وليس لصالح الفيئات السياسية او الشخصية داخل الأحزاب والجمعيات إلخ...
من يصل للبرلمان أو الحكومة يكسب الشهرة والسلطة والخبرة ويتحول إلى مشروع قيادي، وقد اثبت التاريخ في وطننا ان الشخصيات التي تتموقع في السلطة عادة ما تلتصق بها ولا تخرج الا بالطرد أو بملك الموت، مما جعل نفس الوجوه تتكر وتفرض نفسها وتتبادل المراكز القيادية في دائرة مغلقة، وتفرض نفسها من خلال هذه المنظومة البالية في كل انتخابات برلمانية ومجالس محلية وتكوين الحكومات رغم افلاسها السياسي واخفاقها في قيادة البلاد، وبالتالي لا تُحلُّ الأزمات التي تحدث باعتبار ان العودة لشرعية جديدة عبر انتخابات جديدة او سابقة لأوانها لا تغير الوجوه وتنتج نفس النواب ونفس الوزراء، فالمواطن هنا خارج اللعبة وتصبح الإنتخابات تشريعا قانونيا للدكتاتورية وفساد شرعي مقنع، بحكم سيطرة هؤولاء القادة على الأحزاب والمنظمات فاصبحوا فوق الدولة وفوق القانون والمؤسسات.
فلا يمكن ان نطالب بتداول سلمي على قيادة الدولة ما لم يكن هناك تداول سلمي على قيادات الهياكل السياسية الحزبية والمنظماتية لمكونات المجتمع، ولا يكون هذا إلا عندما تكون حظوظ المرشحين داخل القائمات سواء كان ترتيبة الأول او في ذيل القائمة، والمتذيل للقائمة وله امكانية الفوز والوصول جنبا إلى جنب مع متصدر القائمة، بل قد يفوز المتذيل بالمقعد ويفقده المتصدر للقائمة، هذا هو العدل والأمل للجميع، فالتصنيم والشخصنة وامثولة المنقذ الوحيد والفاعل تُصنع في هذه الهياكل السياسية بفرض هذه الإحتكارية الترتيبية في منظومة القوائم قبل ان تُصنع في هياكل الدولة.
تحرص منظومة الحوكمة التشاركية بقاعدة بياناتها المفتوحة على حسن صياغة آليات فعالة وعادلة ومتكافئة لكل مواطن يدخل هذا السباق السياسي لدفة الحكم، وتجعله مكلفا وليس مشرفا، وتُبقى على اللجام بيد المواطن الذي يكون فاعلا بتموقعه في منظومة الرقابة الدائمة بما يمكنه من السيطرة على النائب فلا ينقلب على تعهداته.
فالقانون الإنتخابي الذي يعكفون على صياغته سيؤثر بكل تأكيد على مستقبل تونس وعلى استقرارها سواء ببناء ديمقراطية او بعودة الظلم والإستبداد والديماغوجيا، في ألفية تشهد اضمحلال المفهوم الحزبي التقليدي لصالح المواطنة والمعلوماتية، فالثورة التي تصبغ الإنسانية اليوم هي الثورة المعلوماتية بعد ان مرت الإنسانية بثورات مختلفة من الفلاحة إلى الصناعة.
الطريقة التي ستعتمد في تشكيل المجلس النيابي والحكومة ستنعكس آليا على استقرار الدولة امنيا وعلى فاعلية الحكومة والبناء التنموي، واذ نرى ان هناك دعوات تتشبث باعتماد القائمة وأخرى تدعو إلى اعتماد الإنتخابات على الأفراد، فاغلب هذه الرؤى بعيدة عن الموضوعية اذ تحتكم لمصالح ذاتية ضيقة وحسابات لوبية سياسية، انها لا تراعي فلسفة ولا علمية ولا مصلحة تونس، إذ ان همها منحصر في تهيئة اكبر قدر ممكن من فرص الفوز والسيطرة اكثر تحت لواء احد المسارات الذي يرونه يخدم مصالحهم ويعطيهم اصواتا اكثر.
ونحن في مجموعة الحوكمة نظرتنا لا تنبع من الذاتي والعاطفي، انما تنبع من دراسة وتقييم وتفاعل ومتماشي مع المستحدث الإنساني الذي يصبغ العالم في هذه القرية او البيت الصغير العالمي، ونحرص على ارساء مبدا التعادلية الكونية الذي تقوم عليه الفطرة الإنسانية والخلقية لتضمن الإستقرار والإستمرار تحت لواء تكافئ الفرص للجميع وتكريس سيادة حقيقية للشعب، ولا يتحقق هذا إلا بامتلاك المواطن للمعلومة الصحية والعبور السهل لها في كل وقت وحيث ما كان، ليقوم المواطن بفعل التقييم العلمي العقلاني الصحيح وليس التكهن والتنجيم، ويتوه ما بين الحقيقة والكذب، والحق والباطل، وتعصف الإشاعة به ويصبح المواطن في ظل هذا التواهان اهل للشحن والدمغجة واثارة النعرة بما يهدد السلم الإجتماعي ويهد البناء التنموي العام.
اننا لا نعطي تايدنا لأي طريقة من الطرق سواء القائمة او الأنتخاب للأفراد حتى ندرس ميزات كل الطريقتين ومنه نبحث على المسلك السليم والمتماشي مع المحداثات في ميدان الثقافة والتقنية والمعرفة الإنسانية والتوجهات العالمية العامة، ومنه ينبع تأيدنا سواء باعتماد القائمة أو اعتماد الأشخاص او الجمع بينهما، مع تقديم طرق تنفيذية واضحة نقدمها من خلال بحثنا ودراساتنا لكل هذه الأشكال من الإنتخاب والإقتراع وتوزيع المقاعد وتشكيل الحكومات وهذا نبينه في ورقاتنا القادمة تباعا.
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: