البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبالاتصال بنا
 
 
 
المقالات الاكثر قراءة
 
تصفح باقي الإدراجات
أحدث المقالات
   رأي مأزق هنية

حيرة تونس السياسية: نخب عاجزة وشعب يبحث عن قيادة ذات مروءة

كاتب المقال نور الدين العلوي - تونس   
 المشاهدات: 28



الحيرة هو العنوان المناسب للحظة السياسية التونسية، الغموض يكتنف كل فعل وكل قول، والناس يطرحون على أنفسهم سؤالًا واحدًا أين نحن ذاهبون؟. يجيب الجميعُ الجميعَ لا ندري. نقرأ ما يمكن وصفه باتفاق جماعي على أن الرئيس الحالي لا يقدم أملًا ولا يمثّل حلًّا لما تراكم من مشكلات، وجد الكثير منها قبله وراكم عليه من عندياته.

لكن هذا الاتفاق في قراءة اللحظة السياسية لم يتحول إلى موقف سياسي جماعي يعمل على إنهاء الوضع، ولا نلتقط أي مؤشر جدّي على أنه يتطور إلى موقف أو مسار سياسي بديل. توسع اتجاه الانسحاب من الشأن العام، وسمعنا حديث الغريق المستسلم لنهايته، لكن سمعنا أيضًا حديث الحيرة ممزوجًا بشعور عميق من القهر لسهولة الخديعة التي حصلت، وانكشاف العجز عن الخروج منها.

وعندما يطرح عوام الناس السؤال المركزي من سيقود الخروج من المأزق التاريخي؟ يقول الجميع لم تفرز المرحلة البائسة قيادة يعوّل عليها. ويدور الجميع في مقام الحيرة والغموض والتوجس، وقد يهل يوم 6 أكتوبر/ تشرين الأول دون أن يتخذ الناس موقفًا من الانتخابات.

تونس عيّنة
هل هذه الحيرة خاصة بتونس؟ إننا نقرأ تونس كعيّنة ممثلة لوضع عربي شامل مع اختلاف في بعض التفاصيل، لكن الخيط الرابط بين الحالات العربية وخاصة منذ الربيع العربي هو عجز النخب السياسية والفكرية على الاتفاق حول الحريات بصفتها الضامن للبناء الديمقراطي.

وعندما نستعيد على سبيل الفهم كمَّ التنظيرات التي سالت من أقلام هذه النخبة حول تلازم الحرية والديمقراطية، نصاب بالذهول لمقدار نكوص منظري الحرية العرب عن تنظيراتهم وارتماء الكثير منهم ومن أغلب الاتجاهات في أحضان الأنظمة المعادية للحرية. بل مساهمتهم في تبرير القمع العائد بعد الثورة، والانحياز التام ضد كثير من المؤمنين بالحرية، والآملين في البناء الديمقراطي بل التحريض عليهم وسحلهم في الميادين.

إن حيرة اللحظة الانتخابية في تونس ليست معزولة عن هذا التناقض الجبار بين تنظيرات النخب ونكوصها عن تنظيراتها. إننا نسمع الجميع يقول إنه لا يمكن التقدم في أي اتجاه دون تحصين الحريات من اعتداءات السلطة. ونسمعهم يؤكدون أن النظام القائم معادٍ للحريات ويجب العمل ضده بوسائل الحرية نفسها، ثم يقف الجميع عند نقطة لا يتجاوزنها كيف يمكن العمل المشترك ضد سلطة معادية للحرية.

اكتشاف العقل الاستئصالي
على الورق يكتبون باتفاق تامّ لا بدَّ من اتفاق جماعي، فالنضال الفئوي أو الحزبي أضعف من أن يقوم بالمهمة، والوضع يقتضي التجميع والتحرك الجماعي وتأجيل الاختلافات حول التفاصيل القابلة للتأجيل لحين ضمان وضع حريات دائم.

على الأرض يرفض الكثيرون أن يتجسد الاتفاق في الشوارع الكفيلة وحدها بإظهار قوة الغضب للحرية. يتجلى لنا الشرخ العميق بين اتجاهين في النخب السياسية والفكرية: الاتجاه الذي أسند لنفسه دون شهود عدل صفة التقدمية واليسارية والحداثة، مقابل الشق المنعوت بالرجعية والظلامية، وهي التسميات البديلة للإسلاميين ومن قد يتعاطف معهم أو يناصرهم وليس منهم.

عندما خرج الشق الثاني ضد الانقلاب منذ الساعة الأولى في تونس، سخر منه الشق التقدمي وقال إنهم قوم يبكون على رواتب ضاعت، وأن ليس هناك انقلاب بل تصحيح تجربة ديمقراطية، حتى وصل بهم مسار التصحيح إلى كارثة يعيشونها ويتفقون فيها ضمنًا مع الشق الأول.

وهي لحظة الوعي المتأخر التي بدأت تعبّر عن نفسها في الشارع، لكن دون البناء على موقف الشق المعارض مبدئيًا للانقلاب، بل بتجاهل وجوده وإقصائه من المشاركة إلا أن يكون بلا اسم سياسي (حطب مظاهرات فقط). أي دون فتح بوابات التواصل والتوافق لعمل مشترك ضد الانقلاب بهدف معلن هو إنهاء الانقلاب.

لماذا لا يتفقون على الخروج معًا من المرحلة؟ هنا يكمن سرطان التجربة الديمقراطية العربية الذي أحسنت الأنظمة استغلاله منذ نصف قرن، وجعلت الجميع يرزح تحت نير القهر والفساد. وبالغوص في التفاصيل نجد الأنظمة تصبّ باستمرار الزيت على هذه النار، فتطمئن إلى عدم تآلف/ تحالف الشوارع ضدها.

الاتفاق الديمقراطي المستحيل
الرافضون للعمل السياسي مع الإسلاميين يرون ما خلف الاتفاق الآني أو المهام التكتيكية (إسقاط الانقلاب)، إنهم يرون عودة الصندوق الانتخابي حيث يتحكم العدد في النتيجة، أي في توزيع السلطة في صورة إسقاط الانقلاب.

الصندوق الانتخابي في كل التجارب العربية التي نظمت فيها انتخابات وآخرها الأردنية، كشفت أن ليس للصف التقدمي جمهور يزن في الصندوق، وبالتالي فإنه في صورة الذهاب إلى انتخابات ستكون السلطة من نصيب الإسلاميين ويخرج هؤلاء من الصورة. أي من كل احتمال غنيمة متاح بالسلطة.

لقد وصلت الوقاحة بكثير من هؤلاء التقدميين في الحالة التونسية (ونظنها حالة عامة) إلى الذهاب إلى الإسلاميين والطلب منهم التصويت لهم بمبرر مخز أن الغرب لا يريد لهم أن يشاركوا في حكم أوطانهم، متغافلًا عن السبب الذي يجعل الغرب يقبله هو بصفته التقدمية واليسارية ويرفض الإسلامي.

أما السؤال لماذا يرفض الغرب الإسلاميين ولماذا يرحّب بمن يصفون أنفسهم بالتقدمية، فهذا سؤال لا يطرحه التقدمي الوقح الذي لا يتفطن إلى عمالته/ خيانته بل يعيش منها.

هنا يقف الشارع التونسي في لحظة حيرته التاريخية، ولدى الكثيرين يقين بأن ما يجري الآن لن يؤدي إلى مخارج سياسية يستعيد فيها الناس حرياتهم، ثم يبدأون في ترميم حالتهم الاقتصادية والاجتماعية التي أزرى بها الانقلاب.

لذلك نتوقع عزوفًا عن انتخابات السادس من أكتوبر. فقطاعات واسعة من الناس تردد النتيجة محسومة للمنقلب، لأن الشارع لم يتّحد ضده وسبب الفرقة لا يعني الشارع أو عوام الناس. فرقة النخب فتّت عزيمة الشارع، فهو منصرف إلى الحلول الفردية متجاهلًا الشخص الحاكم.

لا قيادة لمرحلة الحيرة
حصل تحول فجائي في موقف فئات التقدميين الذين برروا الانقلاب وناصروه، فنزلوا في موعدين متتاليين إلى الشارع وينوون المزيد، وقد رفعوا شعارات جدّية وسمّوا الانقلاب انقلابًا. من وراء هذا التحول الفجائي لم نعرفه إلا تخمينًا، لكنه خروج بعقل استئصالي لا لمشاركة الإسلاميين في الشارع ولو لمهمة ظرفية.

هذا التحيّز المسبق يفسّر قلة العدد، ليس لأن الإسلاميين غائبون أو مقصيون فحسب، بل لأن جمهورًا كثيرًا يئس من الانقلاب واكتشف الخديعة ويقف خارج الصفَّين، يرفض السير في مسيرات استئصالية، وهذا في جوهره طلب زعامة وقيادة تتسامى فوق الفرقة وتجمع الناس في مهمة تكتيكية واضحة، لكنها أخلفت موعدها كالعادة.

عموم الشارع يطلب وحدة سياسية ضد الانقلاب، ولا يجد في المتظاهرين الفجائيين بوادر تشجّعه على تقوية الصفوف. لأنه يرى المعركة القديمة كامنة في الشعارات المرفوعة وفي الوجوه المتصدرة، وما بالعهد من قدم. عموم الشارع التونسي ضد الانقلاب، لكنه لا يثق في من خرج لمعارضته فجأة، كأنه استفاق من غيبوبة طبية. ولسان الحال يقول ليس مع هؤلاء ولا بهؤلاء يكون الخلاص. لقد خبرناهم ونحتفظ بصور فرحهم بالانقلاب. ولم نسمع حديث توبة.

هنا الحيرة ومن هنا العزوف ومن هنا يمكن للانقلاب أن يفرك يديه، ما زالت لديه فرصة كبيرة للحكم بطريقته حتى إعدام آخر نَفَس للحرية. من يدري بعدها ما يكون؟ نعجز عن التوقع، ونستسلم لخيال روائي عن غابة محروقة تتجدد بعد دهر من بذور مدفونة.


 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

تونس، إنقلاب قيس سعيد، فرنسا،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 25-09-2024   المصدر: نون بوست

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك

شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
د. عادل محمد عايش الأسطل، أحمد بن عبد المحسن العساف ، د. أحمد بشير، رافد العزاوي، سلوى المغربي، عبد العزيز كحيل، د - المنجي الكعبي، محمد عمر غرس الله، عراق المطيري، د - صالح المازقي، د. طارق عبد الحليم، سفيان عبد الكافي، د - مصطفى فهمي، سامح لطف الله، حسن عثمان، كريم فارق، طلال قسومي، صلاح الحريري، الناصر الرقيق، سلام الشماع، د.محمد فتحي عبد العال، د - الضاوي خوالدية، د. ضرغام عبد الله الدباغ، كريم السليتي، الهادي المثلوثي، حاتم الصولي، د. خالد الطراولي ، نادية سعد، سيد السباعي، العادل السمعلي، صلاح المختار، رافع القارصي، عبد الغني مزوز، د. كاظم عبد الحسين عباس ، عبد الرزاق قيراط ، رمضان حينوني، د. عبد الآله المالكي، محمد الياسين، المولدي الفرجاني، سعود السبعاني، محمود طرشوبي، مجدى داود، حسن الطرابلسي، محمد علي العقربي، ضحى عبد الرحمن، فوزي مسعود ، سليمان أحمد أبو ستة، رضا الدبّابي، عمار غيلوفي، محمد الطرابلسي، حميدة الطيلوش، إيمى الأشقر، د - شاكر الحوكي ، صفاء العربي، عبد الله زيدان، محمد أحمد عزوز، د- جابر قميحة، يزيد بن الحسين، علي عبد العال، أحمد الحباسي، د. مصطفى يوسف اللداوي، جاسم الرصيف، صفاء العراقي، عزيز العرباوي، د- محمود علي عريقات، عمر غازي، أنس الشابي، أحمد النعيمي، أبو سمية، د - عادل رضا، أحمد ملحم، محمود فاروق سيد شعبان، محمد اسعد بيوض التميمي، ماهر عدنان قنديل، إسراء أبو رمان، صالح النعامي ، رحاب اسعد بيوض التميمي، أشرف إبراهيم حجاج، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، وائل بنجدو، أحمد بوادي، علي الكاش، عبد الله الفقير، محرر "بوابتي"، فهمي شراب، إياد محمود حسين ، د- محمد رحال، الهيثم زعفان، محمد شمام ، خالد الجاف ، أ.د. مصطفى رجب، محمود سلطان، محمد العيادي، فتحي العابد، حسني إبراهيم عبد العظيم، رشيد السيد أحمد، خبَّاب بن مروان الحمد، مصطفى منيغ، عواطف منصور، د. صلاح عودة الله ، فتحـي قاره بيبـان، سامر أبو رمان ، يحيي البوليني، د - محمد بنيعيش، ياسين أحمد، تونسي، د - محمد بن موسى الشريف ، د. أحمد محمد سليمان، منجي باكير، فتحي الزغل، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، صباح الموسوي ، مصطفي زهران، محمد يحي، د- هاني ابوالفتوح، مراد قميزة، بيلسان قيصر،
أحدث الردود
ما سأقوله ليس مداخلة، إنّما هو مجرّد ملاحظة قصيرة:
جميع لغات العالم لها وظيفة واحدة هي تأمين التواصل بين مجموعة بشريّة معيّنة، إلّا اللّغة الفر...>>


مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضاة من طرفه أومن طرف "بوابتي"

الكاتب المؤشر عليه بأنه من كتاب موقع بوابتي، هو كل من بعث إلينا مقاله مباشرة