سفيان عبد الكافي - تونس
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 5760
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
من ابرز ايجابيات الانتخاب على الأفراد لتشكيل البرلمان أنه يعطي الناخب مجالا اوسع من الإختيار، إذ يستطيع الناخب ان يختار شخصا بذاته بعيدا عن التحكم السياسي الحزبي المفروض عادة على النائب، ويستطيع الناخب ان يحاسبه على صفته الفردية المتحمل لها على حسب عمله واختياراته وما التزم به على النطاق الفردي فليس هناك مسار جماعي يتحكم في النائب، كما تعطي هذه الطريقة للمستقل مجالا حقيقيا للمنافسة والفوز، فالانتخاب على الشخص يجعل الناخب يحس بحريته وبعدم فرض شخصا عليه بحكم الإنتماء.
كما يصبح البعد الأكاديمي والعلمي والمعرفي للمترشح هام في تحديد نجاحه وفوزه، ويمكن ان تُحصّل هذه الطريقة الانتخابية خيرة الكفاءات في البلاد، كما يلعب الانتماء والإقامة في المنطقة التي يترشح عنها الفرد دوره الفعال فلا تجلب هذه الطريقة اشخاص نكرة ليمثل المنطقة ويكون شخصية حزبية او مستقلة مسقطة اسقاطا.
ولكن هذه الإيجابيات رغم اهميتها فهي تعتبر لا قيمة لها امام مخاطر سلبيات الانتخاب على الأفراد في تشكيل البرلمان، اذ من اهم مخاطرها انها تضرب في العمق الثقافة التشاركية ودولة المؤسسات ومنظمات المجتمع المدني، فالعمل السياسي هو عمل يستدعي التنظم والعمل الجماعي تحكمه البرامج والتوجهات ولا يحد بموقع جغرافي او تشيع عرقي او جنسي او ايديولوجي، ولو طبق هذا النظام في تونس سيظهر التشيع المقبور كالجهوية والعروشية والإنتماء القبلي وحتى الديني والعقائدي.
وستغلب هذه القيم التوجهات السياسية العامة المنظمة للبلاد لتعكس في ما بعد صراعا محموما على افتكاك اكبر قدر ممكن من التنمية لجهة النائب دون النظر الي الموازنة العامة للدولة ككل.
خطر اشتعال هذه النعرات المطمورة والتي وقع وأدها منذ الاستقلال تهدد بانقسام المجتمع، وتلغي كل المكتسبات التي تحققت في طوال انشاء الدولة الحديثة والتي قام بها الرئيس بورقيبة للتخلص من الجهويات والعروشية وتركيز الإنتماء لتونس البلد الموحد جغرافيا وبشريا.
من يدعي ان هذه النعرة انهت هو مخطئ، فهي مُسكّنة او مُنيّمة، ويكفي اننا نراها تستيقظ في المناسبات الرياضية الكروية، والأخطر من ذلك اننا نرى اليوم العديد من القوى السياسية والشخصيات تلعب على هذه النعرة وتحاول اشعال فتيلها من اجل كسب الأصوات في الإنتخابات.
كما ان هذه الطريقة ستنتج اشخاصا يعتمدون فقط على ملكاتهم ولا يتلقون دعما لوجستي سياسي التي توفرها الهياكل المنظمة، لتنتج حركات غير مترابطة بمخطط يؤطر وينظم الحركة السياسية العامة، خاصة وهم في موقع يقررون السياسة العامة للبلاد والقرارات الإستراتيجية وخاصة منها العلاقات السيادية، فالمجلس البرلماني اشمل واعم وليس كالمجلس المحلي.
الحركات والأحزاب والمنظمات تدعم نوابها بسيل من المعلومات والبحوثات الإستراتيجية التي تساعدهم على اخذ القرار الصائب وتنافس فيه بقية القوى العالمية والتنظيمات السياسية، والنائب المنفرد يصعب عليه توفير هذه الآليات الهامة لحسن الإختيار السياسي.
النائب المنفرد مفوض على شخصه ولا يلتزم بتوجهات سياسية عامة للبلاد بقدر ارتهانه لبوتقته المحلية الضيقة، وهذا ما يهدد استقرار الحكومات المنبثقة عن البرلمان في ظل غياب سقف توافقي عام حول النظرة البانورامية للبلاد عامة كرقعة تتجمع فيها جميع الجهات لأختيارات شاملة وموحدة، فالعمل تحت لواء الصفة الجماعية رغم انتماءات الجهوية المختلفة يجعل كل طرف يتنازل عن شيء لفائدة الآخر وتصنع التنمية.
النائب المنفرد في البرلمان يبقى رهين فكره وثقافته الذاتية غير المدعومة بالنظرات الإستراتجية العلمية الموضوعة التي يوفرها الفريق اللوجستي الذي يعمل داخل الأحزاب والمنظمات، وبالتالي ستبقى اختياراته متحولة وتفتقر إلى بعد نظر استراتيجي وغير مستقرة وهشة وهذا يهدد العمل الحكومي وقد يبعث الأزمات السياسية التي تؤثر بدورها على العمل التنموي بحكم ان التغيير الدائم في السلطة بسبب تبدل القوى البرلمانية والتحالفات، خاصة ونحن ركزنا نظاما برلمانيا في الحكم وبالتالي الحكومة ستكون تمثيلا للبرلمان وظلا له.
النائب المنفرد في البرلمان يمتلك سلطة تشريعية تعتبر العليا في البلاد، وهذا يهدد منظومة الشفافية والاستقرار في العمل الحكومي، لأنه يسهل للقوى اللوبية وخاصة المال السياسي ليلعب دورا هاما في توجيه الأصوات وشرائها، حتى ولو صغنا قوانين تصد هذا التلاعب بإلزام النائب المترشح عن الحزب بإتباع حزبه وعدم الخروج منه وإلا يفقد صفته النيابية باعتبار انه صاعد لتمثيل الحزب، ولكن هؤلاء اخذوا تفويضا على انفسهم وليس على حزب او تنظيم، وبالتالي سنرى اشكالا جديدة من السياحة الحزبية، وقد ينتمون إلى الأحزاب او التنظيمات بصيغ غير رسمية وظاهرة.
الخطر الكبير في هذه المنظومة هو انهاء الحياة السياسية المنظمة، سواء داخل الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني، ليتحكم المال السياسي واللوبي بالقرار السياسي والإقتصادي، فلا نرى احزابا او مكونات تنظيمية سياسية تكوّن نشئا منظما، فقط القوى اللوبية تنتظر نتيجة الانتخابات لتشتري النواب وتضمهم لمنظومتها واحزابها، وهذا باب تربح غير قانوني يضر بالمنظومة التشاركية والشفافية، فليس هناك ضمانات محسوسة تلزم النائب بمسار انتخب عليه كما توفره منظومة القوائم حيث من لا يلتزم او يخالف يخرج ويأتي المرشح الموالي مكانه، فتبقى الإرادة والتوجهات العامة ثابتة ولا تؤثر على موضوع التفويض، في حين داخل المنظومة الفردية لو عوض نائب بمن يليه ستؤثر جذريا في التوجهات لأن النائب الذي يليه قد يكون برنامجه نقيضا للنائب السابق ولكن في القوائم هم ملتزمون بنفس البرنامج، ولهذا لا تقام انتخابات جديدة في حالة الشغور في منظومة القوائم باعتبار بقاء نفس القيمة ولكن في الانتخابات على الفرد اذا حصل الشغور لابد من اجراء انتخابات اخرى، وما يتبع هذا من توقف للحياة السياسية والمصاريف الزائدة.
الانتخاب على الفرد في البرلمان لن تكون مجدية لأنها صف اول وسلطة اولى ظاهرة ولها قرار عام مؤثر على الدولة ككل داخليا وخارجيا، وتؤسس لفضاء خصب للفساد السياسي والسياحة الحزبية والكل يعلم ما ارسته السياحة الحزبية داخل المجلس التأسيسي والوصول إلى مرحلة عجز كامل وخروج كامل عن التكليف والانقلاب الواضح على ارادة الناخب، ولكن هذه الطريقة تكون مجدية في تكوين المجالس الترابية والمحلية والجهوية كصف ثاني رقابي ومقرر.
فطريقة الاقتراع على الأفراد قد انتهجتها بعض البلدان حيث تكون القوى الحزبية ضعيفة، او هي ملكية، او قبلية، وعشائرية فلا يمكن ان تترعرع فيها منظمات المجتمع المدني المختلفة، والتصويت او الانتخابات فيها يحكمه التشيع والانتماء.
أو تكون دولة بلغت من الرقي والوعي الجماهيري والشعبي درجات بحيث لا يخاف عليها من التمزق والتناحر بحكم ان السلوكيات الحضارية دخلت في عرفهم اللاشعوري وتعالت ثقافتها على مفهوم الحزبية، وهذه المعطيات نحن حقيقة مازلنا بعيدين عنها.
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: