سفيان عبد الكافي - تونس
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 4213
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
“الريفايون”، هذه الليلة الفاصلة التي دئبنا أن نحتفل فيها بدخول عام جديد ونودع فيها عاما رحل، قد نقف على أطلاله نستعرض ذكرياته المؤلمة فنقول للعام المنصرم ارحل غير مؤسوف عليك، وان وقفنا على ذكرياتنا الجميلة نقول رحلت وحملت معك أجمل أيامنا.
في منتصف الليل تدق الساعة لتعلن انتقالا جديدا أو عبورا آخر لتدوين زمني جديد، في كل عام نعبر، ليس كأشخاص فقط، بل كمؤسسات وشريكات، كل يعد التقرير المالي، والحكومات تعد ميزانياتها، وكل نواميس الحضارة في هذه الليلة تقف على اهبة الإستعداد للعبور.
مازلت اتذكر ليلة رعب عاشتها الإنسانية، قد تكون مرت على العديد من الناس في غفلة منهم، ولكنها كانت لحظة مفصلية في تاريخ الإنسانية، والتي انتجت هذه التداعيات التي عشناها في العقد الأخير، انها الليلة الفاصلة ما بين سنة 1999 و2000. حيث كان الكل ينظر بحذر وترقب كيف ستستجيب المنظومة الرقمية والإتصالية في لحظة المرور الي الألفية الموالية، انه رقم عادي في سلسلة العد، وقد لا يستدعي كل هذا القلق والرهاب، ولكن هذا الرقم كان مفصليا في مرحلة دخول الالفية، خاصة وان الشبكات كانت معدة على رقمين، في منظومة التعرف على العالم والتواصل، وبالتغير نحو اصفار قد تعود بنا إلى الوراء في تاريخ انقضى وتفقد المنظومة بوصلتها وتتيه اتجاهاتها الأربع بعد ان كنا وثقنا فيها وأمّناها على معطياتنا.
قد تبدو الأمور لا تكتسي هذه الجزع ولكن حقيقة كانت لحظة رعب، لأنه لو فشل الإنتقال ستكون كارثة على الأنسانية وتضيع كل المنظومات التعريفية والحسابات وكل البرمجيات تصبح لا تستجيب وستصاب هذه المنظومة بفقدان التوازن، كما لو ان انسانا اتلفت عنده عصب التوازن في اذنه، فكيف سيسير او يجد توازنه، او يصاب بفدان ذاكرة فلا يعرف احدا، كذلك هي المنظومة الرقمية كانت على قاب قوسين او أدنى من انهيار فضيع يهدد الحضارة الإنسانية والتكنولوجيا المتطورة وانظمة الدفاع الحربية وانظمة الدفاع المالية والبنية الإتصالية، وفي المقابل النجاح في العبور سيقلب العالم رأسا على عقب ويثبت ان هذه المنظومة اهل للثقة التي وضعت فيها وستولد مفاهيم وتقنيات جديدة في التحكم والحكم والتواصل تهدد المنظومات التقليدية التي تعتمدها الإنسانية في كامل أقطار هذه الأرض.
وعبرت المنظومة، ولم تفقد اتجاهاتها ولا بوصلتها، وحافظت على تماسكها وتواصلها واثبتت اهليتها، وكانت في مستوى ثقة الإنسانية بها، كان عبور مذهلا، فالقت بظلها على الإنسانية في تحول جذري في مفاهيم السلطة، اذ نقل الإنسانية من وضعية المحكوم إلى وضعية الحاكم، وها نحن اليوم بعد فترة قصير نجني حصاد هذه المنظومة بسقوط المنظومات الحكمية الدكتاتورية الواحد وراء الآخر، تتساقط كمكعبات الديمينو المصطفة، وليشمل مد هذا العبور وطننا العربي الذي يئسنا فيه من التغيير واصبحنا متأكدين ان هذا من المستحيلات السبع.
إننا نقوم اليوم كأفراد او كجماعات او منظمات تعمل داخل المجتمع المدني تحت لواء المواطنة والمبادرة الحرة في التعريف والتنظير وتقديم الأفكار والسبل لإرساء هذه المنظومة الجديدة في النظام الحكمي السياسي والمجتمعي التواصلي والإقتصادي المالي، انطلاقا من ثقتنا في هذه المنظومة بعد ان اثبتت جدارتها واستحقت ثقتنا بها، نطمح للحاق بركب الحضارة الإنسانية المتقدمة، حيث بان بالكاشف ان زمن الإيديولوجيات مر وانتهى والحكم بالإيديولوجيات تُخلّف الصراعات والحروب ولا تبني للمستقبل، وما حكمت ايديولجيا إلا واقصت التي هي ضدها، فمن الصعوبة بمكان ان نتحدث عن التداول السلمي على السلطة في ظل الإديولوجيات المتحكمة، وان تداولوا فمشروعهم الأول هو هدم ما بنته الأديولوجية السابقة وبناء ركائز اديولوجياتهم الحاكمة، وهذا دوما يكون على حساب الشعب والمواطن والبنية التنموية، ونبقى ندور في هذه الحلقة التي لا تنتهي، هدم واعادة بناء على حسب من يمسك بالسلطة، ليبقى مفهوم السلطة هو تصدق من الحاكم على شعبه تفضل عليه بان يسمع لمشاغلهم ويلبي بعض طلباتهم.
ان هذه المنظومة الرقمية التواصلية تعطينا نوعا جديدا من ثقافة الحكم والتسيير، حيث تؤكد على الضمان قبل الإئتمان، أي تطلب ضمانا علميا محسوسا، فلا معنى لأن يؤتمن اي فرد على مصير البلاد تحت ضمانات معنوية من نوع القسم والثقة والنزاهة والنضالية، فليس هناك ما يمنع الحالف من الحنث، وليس هناك ما يمنع من تحول الثقة الي غدر، والنزاهة إلى خديعة، اذا كان الضامن معنويا.
ان المنظومة تسعى إلى ادخال رقابة شعبية واسعة وتحافظ على سلطة المواطن من موقعه كي يمارس ويسهم في الحكم ويقرر مصيره، ويفكر ويعمل بعيدا عن امثولات "لِمَ تفكر ونحن نفكر بدلا عنك"، وتحافظ على صوته وتحمي الناخب من انقلاب النائب عليه وتغيير المسار الذي من اجله انتخب، والمواطن بالتالي يسحب الثقة منه متى زاغ عن وعود التكليف، فالانتخابات دون الضمانات العلمية الملموسة والتطبيقية تجعل من صناديق الإقتراع منفذا لدكتاتورية شرعية، فان تمكن من الحكم لا يتزحزح، ويطلق يده دون اي قيد او شرط.
ان العقل الإنساني وكل المباحث الحديثة تسير نحو تنظير جديد لسيادة الشعب ممارسة وفكرا، فالمستقبل سيكون لفعل المواطن ومبادرتة واسهامه من موقعه أو داخل المجتمع المدني معتمدا على هذه التقنيات الإلكترونية الحديثة وارشيفها الواسع والمتاح على الدوام، وفي المقابل هناك تراجع للنمطية التقليدية الحزبية كوسلية للحكم والوصول إلى السلطة.
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: