سفيان عبد الكافي - تونس
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 4128
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
إن اعتماد الانتخاب على القائمة في تكوين البرلمان يكرس التنظّم والعمل الجماعي بما يعكس قوة المجتمع المدني من خلال تعدد تنظيماته القانونية، ويدخل ثقافة التنافس المنظم عبر التشكل الحزبي او الجمعياتي وكل التنظيمات المستقلة المتعاضدة.
وهو ما يجعل من كل التنظيمات المشاركة في الحراك السياسي فضاءات تكوين ورسكلة وإعداد وانتظام للأفراد المنخرطين فيها، اي تكريس لمدنية الدولة.
عادة ما يوفر التنظيم دعما لوجستي ومعرفي للأفراد الممثلين له والناطقين باسمه، ويصبح العمل السياسي شاملا ومترابطا بين كل ممثلي الرقعة الترابية من نواب هذا التيار او ذاك، بما يخفف اثر التجاذبات السياسية عن الحكومات والعمل التنموي العام في قيادة البلاد بحكم الالتزام الجماعي بخطة عمل موضوعة سلفا، ويبقى دور النائب هو المحافظة والإشراف على تنفيذ هذه الخطة وإنجاحها.
نظام القوائم يخف الصراعات الجهوية ويخفيها، بحكم ان البرنامج الموضوع سلفا لكل جهة مسبق العلم ومعلن داخل البرنامج الانتخابي، لأن التنظيم في برامجه يتوجه الي عموم البلاد، ويقدم برنامجا عاما وشاملا لكل المناطق.
هذه الطريقة من الانتخاب تخرج النائب من المحاسبة الفردية الي المحاسبة الهيكلية العامة للحركة التي ترشح باسمها، فهو في هذه الحالة لا يقدم مشروعا خاصا به بقدر ما هو مطالب بتفعيل المشروع العام الذي تقدمت به الحركة وانتخب على أساسها، فالشخصية هنا تأتي في مرتبة ثانية، باعتبار ان صوت الناخب لم يرتكز على الشخصية الفردية بقدر ارتكازه على اسم التنظيم وبرنامجه العام.
لهذه الأسباب يكون تشكل المجلس البرلماني اعتمادا على القائمات افضل من تشكله اعتمادا على الأفراد، بحكم ان البرلمان يقر تشريعا عاما للبلاد والميزانية العامة وسيادة الدولة داخليا وخارجيا.
البرلمان مختلف عن المجالس المحلية باعتبار شمولية تشريعاته، والحكومة هي انعكاس للبرلمان عادة، وقوة سلطتها التنفيذية مرتبطة بدعم البرلمان، وبرنامجها التنموي يمس كل القطاعات وكل الجهات، والبرلمان يحتوي على ممثلي الجهات، فان لم يتفقوا ويتوافقوا على تقسيم الجهد التنموي بين الجهات التي يمثلونها يصعب حينها تفعيل العمل التنموي، والحصول على توافق بين الافراد اصعب من الحصول عليه بين التنظيمات، ولهذا يكون البرلمان مجديا اكثر عند تكونه عبر القائمات، لأن المواطن يفضل ان يرى برنامجا عاما ومضمون لمنطقته ولموقع بلاده العام من خلال الرؤية العامة والشاملة المقدمة في الحملة الإنتخابية من طرف التنظيمات على ان يراهن على فرد يتشيّع لجهته ببرنامج قد يأتي وقد لا يأتي، باعتبار ان التصويت هو الفيصل، خاصة وان التمثيل النيابي مرتبط بعدد السكان في الرقعة الترابية، وليس بجغرافية البلاد، بمعنى ان الثقل والتكتل النيابي اذا ما تكون البرلمان على الإنتخاب الفردي ستحكمه المصلحة المشتركة ما بين المناطق المتقاربة من بعضها اقتصاديا واجتماعيا وبشريا، وبما ان اغلبية السكان متموقعة على الشريط الساحلي فسيكون اغلب النواب من هذه الجهة، وسيكوّنون الثقل في التصويت ويصوتون لأنفسهم على حساب المناطق الداخلية، وتصبح النيابة الفردية تخدم التكتل الجغرافي للأغلبية المتقاربة جغرافيا ومصلحيا، فالنائب المترشح بصفة فردية يدافع فقط على منطقته ولا يهمه في المناطق الأخرى، اي اذا ما استوجب التقارب فانه يتوجه للتحالف مع المناطق القريبة من رقعته الجغرافية لأنها مكملة لمصالح جهته، ولا ينظر عادة للتنمية العامة للبلاد لأن محاسبته تكون من ابناء جهته.
ولهذه الأسباب يفضل ان يكون تشكيل البرلمان على برنامج عام يضبطه تنظيم سياسي يقدم خطة شاملة لكامل البلاد، يصاغ جماعيا ويراعي المناطق، وهذا لا يمكن ان يحصل لو شكل اللبرلمان على اساس الترشحات الفردية، لأن الصعيد العملي الفردي غير مدعوما لوجستيا، والنائب يعتمد فقط على ملكاته وثقافته الشخصية، بينما الاقتراع على منظومة عامة يضمن رؤية استراتجية وتنموية شاملة وعامة للبلاد.
تكوين البرلمان عبر انتخابات فردية خطير جدا لأنه سلطة تشريعية عامة للبلاد ويصادق على الميزانية ومختلف الصفقات، وهذا يسهل على اللوبي الفاسد الانتشار والسيطرة على الدولة بان يشتري هؤلاء النواب ويوجه تصويتهم، ويصبح البرلمان فرصة للثراء الخاص لدى النائب على حساب مقدرات الدولة ومصالحها وتظهر السياحة الحزبية وعدم استقرار الخارطة السياسية والإنقلاب السهل للنائب على منتخبه فليس هناك قيود عليه لأنه اخذ الشرعية على شخصه وليس على ارتباطه التنظيمي، وهذه الطريقة الفردية هي باب واسع للفساد ومخاطرها هذه وحدها كفيلة ان تمنعنا من اعتمادها حفاظا على البلاد وعلى الشفافية التي نريد تركيزها، ويكفي الصورة البشعة التي رأيناها في المجلس التأسيسي والتحولات من كتلة إلى كتلة، وما يعتريه من ريبة وغموض.
والأخطر من هذا ان تنتهي التنظيمات السياسية وانتشارها الشعبي ودورها التنظيمي والتكويني، فلن تعود في حاجة إلى تكوين وانتشار شعبي، فيكفي انها تشتري النواب بشكل معلن او خفي لتصبح في السلطة التنفيذية، أو قد ياتي اي لوبي وينتظر نهاية الانتخابات ليشتري نوابا ويكوّن قوة سياسية من لا شيء، لا تستند إلى ارضية شعبية ولا ارضية تكوينية، كيانات سياسية مسقطة تأتي فجأة لا يعرف مصدرها ولا كيانها لتحكم البلاد وتتحكم في الثروات والسياسات، وقد لامسنا امثلة في التأسيسي والحياة السياسية وبعض الاحزاب النكرة التي صارت لها كتل برلمانية لم تكن معروفة ولا تاريخ لها ولا شخصيات تقودها، انما هي سلط فساد ومال، علينا ان نستفيد من اخطائنا وتجاربنا، ونحصن هذه المؤسسة التي نود صنعها من كل زيغ وحيف.
الديمقراطية التشاركية المفتوحة تبحث عن الفاعلية والجدوى والشفافية، ولهذا ترى انه من الأجدى تكوين المجالس الترابية والمحلية والجهوية عبر الإنتخابات على الأفراد لأن اشرافهم واهتمامهم وتدخلهم محلي، لأن هذه المجالس لها سلطة اقتراحية تنموية وسلطة رقابية ميدانية، بينما يكون الإنتخاب في البرلمان على القوائم في لأن له سلطة شمولية حيث يقر القوانيين العامة للبلاد والتي تسري على كل المناطق، ويقر الموازنة المالية التي ستتوزع على كل المناطق كل حسب احتياجيه ويقرر سياسة عامة للدولة سياديا خارجيا او حتى داخليا والتي تنعكس تداعياتها على كل المناطق، ونفعل مدنية الدولة من خلال الممارسة المنظمة والمتطورة لمنظومة الحكم بعيدا عن العقلية التقليدية النمطية المتعارف عليها، ونحمي الحياة السياسية من البيع والشراء والفساد الظاهر والباطن ونحصن هذا البرلمان من كل امر يهدد قيم وجوده ونزاهة عمله.
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: