سفيان عبد الكافي - تونس
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 5085
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
ان المفهوم السامي لتشاركية السلط ما بين الرئيس والحكومة والبرلمان في الدولة الديمقراطية لابد ان يكون تحت لواء القانون ودولة المؤسسات، ويكون الفعل التنفيذي مراعيا لمبدأ الشفافية والحوكمة التي نريد أن نرسيها في منظومة تسيير الدولة، المهام والصلاحيات واضحة وليس فيها تداخل أو تخاصم، وإذا ما ظهر نزاع او خلاف في صلاحية ما او قضية او مسلك او قانون، تدخل السلطة القضائية لتكون الفيصل في كل خلاف، اعتبار انه من المستحيل توقع كل القضايا الخلافية وحلها سلفا، فاننا لا نتغاضى على الجانب الإنساني في محدوديته.
اعتبارا ان رئيس الدولة مؤتمن على الدولة في عمومها، والبرلمان مجلس تمثيلي متسع يمثل الشعب ويطبق برنامجه التنموي الذي من اجله اخذ شرعية النيابة من خلال الحكومة المنبثقة من صلب رحمه، فالرئيس هنا لا يمارس سلطة مباشرة على الحكومة ولا يتدخل بالتالي في عملها التسييري الترتيبي التنموي، بل يخاطب البرلمان الذي هو مسئول الأول والأخير عن هذه الحكومة التي زكاها، ونركز حوار افقي في الحوار ما بين الشرعيات الشعبية.
لا يمكن للرئيس ان يحل الحكومة أو يعزل وزرائها إلا من تبعه منهما بحكم صلاحياته (وزراء الأمن)، ولكن يقدم طلبا إلى البرلمان في ذلك، والبرلمان يبحث ويسائل الحكومة ويقرر اما الإبقاء عليها او تعديلها او سحب الثقة منها وتشكيل حكومة اخرى على حسب الدواعي.
تمر هذه الأمور بسلاسة تامة خاصة في القضايا الخلافية البسيطة والتي يتدخل فيها السلطة القضائية، ولكن يطرح الإشكال في القضايا الحادة والتي لا يتنازل فيها اي طرف للآخر بما يهدد سير منظومة الحكم والتنمية ومؤسسات الدولة، إذ لابد من آلية تنظم هذا التصادم والخلاف حتى لا تصل الدولة إلى مرحلة من الفراغ السياسي في السلطة، وحتى في اقصى حالات عدم الوفاق الذي ينجر عنه حل الحكومة واقالة الرئيس وحل المجلس النيابي.
في هذا الجانب يمتلك البرلمان والرئيس ثلاث بطاقات توبيخ، تمثلان حق الإعتراض (الفيتو) وباستعمالهما يمرر المعترض حكم اعتراضه بحكم اسبقية اعتراضه، حتى ولو صدر حكم قضائي يفصل في القضية، وبطاقة التوبيخ هذه وحدها الكفيلة بوقف هذه الأحكام، يستعملها الرئيس ضد البرلمان سواء في رفض قانون اختلف فيه او لوم للحكومة ليفرض على المجلس النيابي الإستجابة لطلبه، وبهذه البطاقة يجبر البرلمان على حل الحكومة او تحويل وزاري في حدود مطلب الرئيس، ونفس الشيء بالنسبة للمجلس النيابي يستعمل هذه البطاقات ضد الرئيس اذا اعترض على قانون او تعينات تدخل في حقوق الرئيس وصلاحياته رفض الرئيس الإذعان لطلب البرلمان بالطرق العادية في الحوار وبالتالي بهذه البطاقة يلزم البرلمان الرئيس بتنفيذها.
على كل طرف يستعمل بطاقته ان يراعي فاصل زمني بسنة ما بين بطاقة واخرى، فإذا ما استعملت البطاقة الثالثة الخاصة به يكون حل المجلس والحكومة واقالة الرئيس، وتجرى انتخابات استثنائية، وتتحول الحكومة والبرلمان والرئيس إلى ادارة تصريف الأعمال، والذي يستعمل بطاقته الثالثة قبل الآخر يعاقب بعدم الترشح للإنتخابات الموالية نتيجة لإستهتاره بمنظومة الحكم، وكل من البرلمان والرئيس تحسب له دورة.
قد يأخذ على هذه الطريقة خطر تهديد الدولة بافراغ سلطها، وهذا غير صحيح، باعتبار ان السلط لم يتنحى اشخاصها بل تنحت امتداد البقاء، وتحولت إلى حكومة التصريف، ولا يكون هناك فراغ بحكم ان السلطة القانونية لم تقوض، وبقاء السلطة القضائية قائم هو صمام امان كل الدول والإدارات الحكومية، كما ان فترة التسيير لا تكون اكثر من شهرين.
ان السلط الأفقية المتبادلة تجعل من المسئولين يفكرون الف مرة قبل التلاعب باسقاط الحكومات واقالة الرئيس والمجالس النيابية، لأن الإقالة تشمل الجميع، المقال والمقيل، وهذه تعطي استقرارا اكثر للحكومة السياسية.
نسعى من خلال هذه المنظومة في الحكم والحوكمة إلى تقليل اثار الخلاف والإختلاف ما بين الفصائل المتنافسة على الحكم، وحتى نبقي الفعل التنموي قائما مهما كان عدم الوفاق، ونَحُول دون حل واسقاط عشوائي للسلطة ولا يتوقف الإنجاز التنموي حتى في الأزمات السياسية، ونجبر الجميع على احترام القانون والشفافية والحوكمة المفتوحة، حيث نجعل كل كل شيء تحت نظر الشعب وتقييمة.
إن اسقاط الحكومات او حل المجالس النيابية او سحب الثقة من الرئيس لا يكون إلا في الحدود القصوى التي تنعدم الحلول بعدها بعد ان نكون استكملنا تطبيق آليات المراجعة والتوافق.
الرئيس لا يرأس الحكومة ولا يتدخل في صلاحيتها الترتيبية، ويتشاور معها في القضايا ذات الإهتمام المشترك وخاصة القضايا الخارجية.
الحكومة لا تستطيع اقالة رئيس الدولة ولا حل البرلمان حتى ولو قدمت اسقالتها.
يتعين على رئيس الدولة تعيين ناطق رسمي باسم ديوان الرئاسة، وكل القرارات السياسية يعلن عنها من خلاله ، بمعنى ان الرئيس لو عبر عن رأي أو قضية فهذا يعبر عن رايه الشخصي ولا يُتخذ مرجعا ولا قانونا ولكن بصدوره عبر الناطق الرسمي يتخذ الصبغة الرسمية، وكل بيان له رقم ومرجع يلزم الرئاسة به قانونا ويحاسب عليه.
ويرفع رئيس الدولة التقرير لرئيس الحكومة ليتدارك الأمر وان لم يجد حلا مع الحكومة يحول الملف إلى البرلمان ليتخذ الإجراء المناسب في ذلك ويقر بالمسائلة.
يُحدث منصب نائب رئيس الجمهورية، ومن مهامه الإشراف الميداني على تطبيق ومراقبة القرارات والإجراءات والزيارات الفجائية ورفع تقارير حول التطور والتقاعس وكل الإشكالات التي تحول دون تنفيذ المشاريع والقرارات التي تعهدت بها الحكومة إلى الرئيس.
المنظومة التشاركية المفتوحة تفترض على الديوان الرئاسي ايجاد كيان كامل يكون متصلا على الدوام بالمواطن والمنشأت الإدارية والخدمية وكل منظمات المجتمع المدني، فيه مركز اتصالات هاتفية ومتعددة الوسائط تستقبل كل الطلبات وتسجل كل الملاحظات وتأخذ بعين الإعتبار كل البلاغات، ويفعّل دور المواطن الرقيب، وهي خطة يستخدم فيها المواطن العادي للرقابة على كل المؤسسات العامة والخاصة ليلامس من خلالها المكتب الرئاسي مدى فعالية تطبيق القوانين والأوامر وبرنامج الحكومة والإلتزام بها ومدى مردوديتها، ويكشف الفساد والتقاعس، ويثني على المحسن وتسند شهائد استحسان رئاسية وتطلب ترقية العاملين، وكذلك خطابات لوم وعتاب ليبقى المسئول دوما يشعر ان هناك عين ساهرة تراقبه.
فمنطق لا شكر على واجب لابد من التخلص منه، والواجب شيء لابد من شكر الناس عليه باي شكل من الاشكال، وكل مسئول لابد ان يشكر من يعملون معه باي شكل من الأشكال، وتسند لهم شهائد في هذا، لتكون لهم في ملفهم وسيرهم الذاتية وتدافع عنهم إذا ما اخطئوا يوما وتخفف عنهم العقوبات فلا أحد يرضى أن يعمل على احسن وجه طوال سنيين وفي اول خطأ يذهب تاريخه المهني ادراج الرياح.
ياتي هذا تحت مبدا الشفافية والمواطنة التشاركية والعدل وتقدير الجهد والتشجيع على الإنتاج والإبتكار.
ينوب نائب الرئيس الرئيس داخليا ويقوم بمهامه وفي ايام عطل الرئيس ويقوم بزيارات ميدانية تفقدية ولا يجوز له ان ينوب الرئيس خارجيا، والنيابة الخارجية تكون لرئيس الحكومة في حال تعذر على الرئيس الذهاب.
تفويض الرئيس لنائبه ليس مطلقا، بل في الإجراءات التطبيقية والرقابية المقررة، وليس له الحق في سن قوانيين وإجراءات، او التمتع بامتيازات الرئيس السياسية والقانونية، ولا يعوضه في القيادة العليا للجيش الوطنى والقوات الأمنية.
اذا مات الرئيس او تخلى عن منصبه (أو هرب)، يتولى رئيس مجلس النواب رئاسة مؤقتة وتقوم انتخابات رئاسية ويبقى نائب الرئيس في منصبه يمارس مهامه العادية المنوطة بعهدته حتى تتشكل السلطة الجديدة.
صورتها العامة، يجلس الرئيس حكما فيصلا ما بين الحكومة في سلطتها التنفيذية الترتيبية والبرلمان في سلطته التشريعية الرقابية التقييمية.
ولأن الحكومة تستمد سلطتها من البرلمان الذي هو مستمد من الشعب، ، ولكن يمارس سلطته الرقابية من خلال تحويل امرها إلى البرلمان ليطلب المسائلة والتعديل إذا راى اشياء تهدد الدولة،
إذا رفض الرئيس توقع قانون مصادق عليه واختلف فيه مع المجلس النيابي، لا يمر إلى استعمال حقوق البطاقات إلا بعد سلك سياسة الحوار ومحاولة التوصل إلى حلول ترضي جميع الأطراف، ولكن في ظل الإصرار وعدم التوافق، يدخل الطرف الهام في مثلث السلط وهو السلطة القضائية التي تفصل في ما اختلف فيه وتحكم، وهنا امام البرلمان والرئيس خيارين، إما قبلول الحكم وتنفيذه، أو الإعتراض عليه وايقافه باستعمال بطاقة التوبيخ.
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: