سفيان عبد الكافي - تونس
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 5581
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
يبنى التحدي في الدولة المدنية العلمية الحديثة ذات منظومة الحوكمة التشاركية على ايجاد فعالية في المجلس النيابي من جهة التمثيل والممارسة، فانتاج مجلس نيابي راقيا ينتتج حكومات فعّالة لها مصداقية وشفافية تحقق تنمية محسوسة.
ومن هنا يتجه بحثنا في الأسس العميقة التي نضعها لنصنع هذا المجلس النيابي الفعال، والذي يستجيب لكل القيم والمتطلبات، وهنا تطرح امامنا مباحث عدة، ونتناول في هذه الورقة اشكالية الإقتراع باعتماد القائمة او التمثيل الفردي.
ميزة الإعتماد على إنتخاب الأشخاص يعطي للناخب مجالا اوسع من الإختيار ولا يجعله مقيدا بالأسماء المفروضة من طرف الحزب، ولا يستطيع المترشح ان ينجح إلا في منطقته ويكون منها وممثلا لها ومقيما فيها، إذ يستطيع ان يبلغ حقيقة مشاغل الرقعة الترابية التي ترشح عنها باعتباره من متساكنيها وقاطنيها وعارفا لخباياها.
وبرغم هذه الميزات في هذه الطريقة إلا أنها تتنافى مع العمل الحزبي والعمل الجمعياتي، وتفقد العمل السياسي داخل التنظمي الحزبي معناه، اذ يؤسس لتنظيم سياسي غير مدني يقوم على نزعة متعارضة مع القيم المدنية التي رسخت في البلاد طوال النصف قرن الماضي ووقع القضاء عليها وتهدد حتى بتقسيم البلاد وتهدد مفهوم المواطنة، (العروشية، الجهوية، الأسرية، العقائدية، الدينية، والأقلية، والإنتمائية وغيرها..) وهذا يهدد الوحدة الوطنية والسلم الإجتماعي.
كما ان التصويت في الترشحات الفردية ستحركه النزعات المختلفة ولا ينظر في البرنامج الإنتخابي بقدر النظر إلى الإنتماء وعلاقة التقارب المختلفة، وينتج نائبا محدودا لا يمثل كل الشعب، خاصة وان الوعي الديمقراطي والإنتخابي مازال في خطواته الأولى في البلاد وليس الوعي الإنتخابي اذ لم نصل بعد الى مستوى من الرفاهية التنافسية خاصة ونحن مازلنا حديثي العهد بالتعددية والعمل السياسي بعد التصحر الذي ميز الحياة السياسية في العقود الأخيرة، وهذا يتطلب سنوات من التدرب وتطوير المنظومة التعليمية المتهرئة التي ارساها العهد النوفمبري.
فقد يكون الترشح الفردي مجديا للمجلس التاسيسي ولكن لا يكون مجديا للمجلس النيابي.
أما الاقتراع باعتماد القائمة يؤسس لمجتمع مدنى ويدخل ثقافة التنافس المنظم عبر التشكل الحزبي وارساء مجتمع المؤسسات والجمعيات، والأحزاب هي فضاءات تكوين وتعليم ورسكلة واعداد وتنظم، ولكن المشكلة في المنظومة الإنتخابية المعتمدة على القائمة انها تعتمد على الترتيب في اسناد المقاعد البرلمانية، والصاعد يكون دوما من يتراس القائمة ثم الذي يليه فالذي يليه على حسب المقاعد المتحصل عليها، وهذا هو نقطة ضعفها، حيث تتسلط على الناخب بفرض اسماء عليه، وتستهجن المترشحين في ذيل القائمة وتجعلهم مجرد صور لملأ الفراغ، وفي هذا اساءة كبيرة للعمل السياسي الحزبي وللمترشحين والناخبين على حد السواء.
إن كان العمل السياسي داخل يقوم على مبدأ الصعود لسدة الحكم والأمل في اخذ منصب او مقعد في الحكم، فما الذي سيدفع منخرط في العمل الحزبي ترشح في ذيل قائمة يعلم مسبقا انه لن يحصل على مقعد، اي يدخل في الصراع السياسي الإنتخابي وهو يعلم سلفا ان لا امل له، انه حقا انتهاك صارخ للمترشح ولقيمة العمل السياسي، خاصة وان توزيع المقاعد لن يكون باعتماد الأغلبية انما باعتماد النسبية وهذا محل إجماع.
اعتماد القائمات في الإنتخابات هو عمل مدني راق يكرس الوحدة الترابية والوطنية ويربط النائب بكامل التراب الوطني ويربطه بزميلة في الحزب ويعود السياسي على العمل المجموعاتي وقبول الأخر وتوحيد الجهود والتشارك في الأهدف، ولكن اعتماد الترتيب في اسناد المقاعد يمثل ورما الحقيقيا في العمل السياسي الحزبي ونقطة ضعف فادحة في الديمقراطية التي يكون فيها تداول سلمي على السلطة ، حيث يقفل الطريق على الشباب، ويحتكر الرموز تراس القوائم والمراتب الأولى على حسب مكانتهم واقدميتهم وانغراسهم في الحزب، ليصبحوا حجرة عثرة اما الشباب الصاعد خاصة ويفقد الحزب الحركية الشبابية وفعل التجديد والتشبيب فيه، ويبقى يحكمنا دوما شيبة القوم.
اذا اردنا ان نتحدث عن تداول للسلطة في الدولة فلابد ان يكون هناك تداولا في قيادات الأحزاب ومكاتبها السياسية التنفيذية لينتج لنا تداول في سلطة الدولة، وإذا اردنا ان نشبب قيادات الدولة فلابد كذلك ان توجد طريقة تفرض التشبيب على قيادات الأحزاب ومكاتبها السياسية، ولا تشبب هذه القيادات ولا يصنع الشباب مكانه إلا اذا كانت له نفس الفرص مع شيبة القيادات في ان يجد املا أو امكانية بان يحضي بمقعد في البرلمان او المجالس المنتخبة الأخرى في الدولة حتى ولو كان ذيل القائمة، والشيب لا تترك مقاعد قياداتها الحزبية إلا اذا فقدت مقاعدها القيادية في الدولة، ولن تفقد هذه المكانة طالما في كل انتخاب تتربع على رئس القائمة ولهذا لابد ان توجد طريقة تجعل من حظوظ مترئس القائمة كحظوظ متذيلها سواء في الصعود او الفشل، اي قد يصعد من هو متذيل القائمة ويسقط من يترأس القائمة.
إن الفكرة المبتكرة في المنظومة التشاركية التي ندعو لها تؤسس هذه العملية وتساوي بين كل المترشحين حيث تجمع ما بين مزايا الإنتخابات الفردية والإنتخاب عن طريق القائمة وتدمج كل المزايا مع بعض لتحقق الرضى للناخب والمترشح على حد السواء ويؤسس لشفافية وتكافئ الفرص حتى لدى المترشحين وداخل الحزب او القائمة الواحدة.
لا نستطيع ان نبني ديمقراطية ما لم نتخلص من عقلية ومعضلة الحكم مدى الحياة لدى القياديين والسياسيين، واول ما تكون في الأحزاب لتنعكس على الدولة، لابد من التخلص من ورم التصنيم والإلهاميات المرجعية للقادة.
ولا نستطيع ان نكوّن قادة جدد من الشباب، ان لم نعطيهم فرصتهم في الوصول لسدة الحكم والمناصب البرلمانية والمنافسة جنبا لجنب مع القدماء، لهم نفس حظوظ الوصول ونفس حظوظ الفشل والإقصاء من السباق.
ان اعتماد القائمات طريقة جميلة وفعالة وعادلة، ولكن للأسف سياسيونا يستغلونها بطريقة سيئة ويكرسون الجانب السلبي فيها اكثر من الجانب الجيد باعتماد توزيع المقاد عبر الترتيب في القائمة، ومثال ذلك ثم انه قد يكون هناك حالات من الأزمات تجبرنا على حل البرلمان واعادة الإنتخابات، وطبيعي جدا ان تعيد الأحزاب تشكيل قوائمها وعادة ما تكون بنفس المقايس وهو ما يجعلها حاملة في جلها لنفس العناصر الأساسية خاصة في راس القائمة مع تغيير ذيول القائمة لتظهر تغيير غير حقيقي، وبحكم ان الأحزاب عندنا تحافظ على نفس مستواياتها ونسبها عادة فمن الطبيعي ان يعاد اسنتساخ نفس البرلمان تقريبا، فما التغيير الذي سيحصل في البرلمان والحكومة المنبثقة عليه، اذ تكاد تكون نفسها وإن لم تكن بنفس العناصر فبنفس السياق والتوجهات، فليس هناك إلا خسران الأموال ومضيعة وقت ولم ننتج برلمان مغايرا وسياسة اخرى.
إن منظومة الديمقراطية التشاركية تبني دولة مدنية وتسعى إلى ايجاد برلمان فعال وحقيقي ليس حكرا على اشخاص أو احزاب لكل فيه نصيب وله فرصة متساوية للوصول إلى كرسي البرلمان، والسياق المدني يحتم الإعتماد على التنظم الحزبي والجمعياتي تسعي لتعزيز مدنية الدولة ولا نفتح مجالا لتهدد به السلم الإجتماعي، ولهذا نرى ضرورة بقاء المنافسة الحزبية داخل القائمة ولكن بخذف الترتيب واجبارية ان يكون الناخب من المنطقة التي يمثلها، وبالتالي نأخذ مزايا التمثيل الفردي وندمجه في مزايا التمثيل بالقائمة ونُطعّم هذا بالتمثيل المستقل.
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: