احمد الحباسى - تونس
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 3923
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
هؤلاء الزواحف الذين يؤثثون مساء ايام التلفزيون التونسى بمحطاته الفضائية المختلفة ثم ينتقلون الى الاذاعات و ينتشرون على صفحات الجرائد بدعوى تحليل الاوضاع و قراءة كف تونس و التنبؤ بمستقبلها لا يعلمون أنهم يصنعون حالة من الاحباط و عدم التوازن الذهنى داخل المجتمع التونسى نتيجة ما يضخونه من معلومات محبطة و تقديرات سوداوية اضافة الى اعتماد اسلوب غير بيداغوجى فى تمرير المعلومة بما يؤكد انهم يتعلمون الحلاقة فى رؤوس اليتامى كما يقال، فهم ساخطون على كل شيء لا تخرج من ألسنتم إلا عبارات الاحباط بحيث لا يخرج المتابع لهم الا بحالة ضيق و عدم قدرة على التنفس و ربما تدفعه الشياطين الى الذهاب الى الحانات و دور الدعارة و تناول المخدرات ليفرج عن كربه و قد نرى مفعول هذا الخطاب بين الشباب فى كل هذه القوارب التى تنخر عباب البحر راحلة الى ايطاليا بحثا عن ثروة لن تتحقق و مجال رحب للتفكير سيتبدد بعد ان تحل رجال الجندرمة الايطالية و تخفر الجميع الى المطار فى اختزال للعبارة الشهيرة ‘ بضاعتكم ردت اليكم ‘ .
استمع معى الى كلام السيد نجيب الشابى ، حاول معى أن تضيع بعض الوقت فى سماع السيد حمة الهمامى، اغصب نفسك الاستماع الى كلام السيد محمد المنصف المرزوقى، توسم خيرا و أنت تشاهد محسن مرزوق، تشائل و أنت تنصت الى كلام السيد ياسين ابراهيم و قس على ذلك لتجد نفسك قد أضعت نفيسا من وقتك فى سماع هراء و جعجعة بلا طحين و حتى إذا أعدت الحصة فى اليوم الموالى من باب تفاءلوا بالخير تجدوه فانك ستفاجأ هذه المرة بأنك غبى ما بعده غبى و بأنه أبله ما بعده أبله بعد أن صدقت أن هذه الافواه و هذه العقول قادرة على تقديم فكرة ايجابية واحدة قابلة للتطبيق، فالوعاء القديم المثقوب لا يمكنه أن يحوى ماء يحول دون الظمأ و من خسر الانتخابات بالاصفار المتتالية لا يمكن أن تكون حصيلته الفكرية إلا مجموعة من الاصفار التى تعادل صفرا مكعبا بالطول و العرض، فهل من الذكاء أن نتفاءل بما يعرضه السيد نجيب الشابى اليوم بعد أن فتح دكانه السياسى الجديد معتمدا كما يقول فى ندوته الصحفية الفاترة على هؤلاء الذين كرهوا الاحزاب الحالية و يتأملون فى ولادة حزب جديد يحمل تباشير القضاء على البطالة و عودة الاستقرار .
نحن نعلم المقولة الشهيرة ‘ المدرب لا يغير فريقا يربح ‘ و لكن لحد الان لم نسمع عن مقولة مبتكرة تقول ‘ السياسة تمارس بوجوه فاشلة ‘ لان الفشل فى السياسة هو انكسار مرعب كما ان السياسى الفاشل لا يقود أمة ترنو الى المستقبل و لكن من الواضح أن السيد نجيب الشابى يريد أن يقنع المتابعين بكونه العصفور النادر الذى غدرت به السياسة لكن طموحه المتصابى يجعله يصر الحاحا على اعادة التجربة علها تصيب هذه المرة و يصبح من الكبار الذين يشار اليهم بالبنان فى متحف الذكريات و محطات ذاكرة التاريخ، هذا العبث السياسى بل لنقل هذه النزعة الشريرة فى استعمال حق المواطنة و المشاركة السياسية بإفراط لا مثيل له تؤكد مرة أخرى انعدام الاخلاق السياسية و فقدان الموهبة الخلاقة التى بإمكانها أن تقنع هذا ‘ المشارك ‘ الجديد بانعدام فرص النجاح تماما لان مصير الخيول المسنة هو الفناء المحتوم ، ثم لنتساءل بمنتهى العفوية لماذا يصر السيد حمة الهمامى أنه الزعيم الذى لا يشق له غبار و ان حزب الوحدة الشعبية سيزول من الخارطة السياسية لو رحل و غاب عن الانظار، فبنظرنا هناك حالة مرضية سياسية تدفع هؤلاء الزواحف الى التشبث بكرسى الصف الاول خوفا من النسيان .
لا يمكن للسيد محسن مرزوق أن ينجح فى تجميع المتفرقين الناقمين على النداء أو خلق حزب على غرار حزب الرئيس الباجى قائد السبسى فالتشابه فى السياسة مفقود و بالتالى فان الرجل سيواجه من الصعوبات الداخلية ما يستهلك وقته بالطول و العرض ليجد نفسه فى نهاية المطاف ببعض الاصفار الانتخابية و بكثير من مرارة الخيبة خاصة و أن من وعدوه بالإسناد داخليا و خارجيا لا يمكنهم أن يكسروا المعادلة الحاكمة ( نداء و نهضة ) . بطبيعة الحال يعول الرجل على خطاب النقد المتوازن الذى يوجهه الى حكومة السيد يوسف الشاهد من باب مسك العصا من النصف و عدم جلب سخط ساكن القصر الرئاسى الذى يعتبر التهجم و المس من نجله بمثابة المس من شخصه مباشرة و لكن اذا اجرينا عملية مقارنة بسيطة لحملات الانتقاد التى تخرج من افواه السيد مرزوق و بعض دكاكين المعارضة الاخرى للمطالبة بعدم التوريث و بنشر التمويل و تقديم البرامج الواضحة فإننا سنجد ذات الانتقادات من المفترض أن توجهها المعارضة لنفسها، فالفشل ليس فقط فشل النظام و أيضا فشل مركب كل الشخوص السياسية التى تؤثث مشهد المعارضة، إذا سلمنا إن المعارضة جميعها تناضل من أجل الديمقراطية و التحول الديمقراطي و إطلاق الحريات فانه كان من الاجدى أن تبين للمتابعين قبولها ببروز قيادات جديدة و تغيير في الاذهان التي تسيطر علي مجريات الأمور السياسية فى البلد و لكن ذلك غير متيسر فى هذه الاحزاب الكرتونية التى يصر باعثوها على شخصنة الرئاسة و تأليه الفرد و امساك كل قيود الحكم و التحكم فيها .
لقد خانت ‘ المعارضة ‘ نفسها و خانت مشروعها المعلن دون أن تدرى بعد ان عجزت عن تقديم قيادات شبابية جديدة، لها فكرا جديدا و برنامجا جديدا و تصورات جديدة لمحاولة فك شفرات المستقبل و القضاء على سياسة الايادى المرتعشة التى مارست الحكم طيلة سنوات ما بعد الثورة، فهي رفضت برنامج الحزب الحاكم برمته لأسباب يقر الجميع أنها كانت واهية و مجرد ذريعة حتى لا يكتشف الشعب محدودية امكانيات هؤلاء فى القيادة و ممارسة السياسة الواعية المتعقلة المتعاملة مع حقائق الوضع الاقتصادى و اكراهات صندوق النقد الدولى و هشاشة الاقتصاد القومى و تصاعد وتيرة التعطيل الممنهج لسكة العمل اضافة الى ضغوط الوضع الارهابى الذى يستنزف القدرات المادية و المالية القليلة و المتواضعة للدولة، لقد بات جليا ان قيادات المعارضة بحكم سنها لا تستطيع ان تقدم افضل مما قدمته فى تاريخها السياسى المصبوغ بكثير من محطات الفشل الذريع وعلامات الاستفهام المشبوهة بل لنقل ان بلوغ هذه القيادات من السن عتيا و اصرارها على التعامل مع الواقع المتحرك بوسائل الفكر الجامد المحنط يجعلها مجرد ديكور لهذه الحصص الاعلامية المكررة و يطرح أسئلة كثيرة عن مدى فرص نجاح المسار الانتقالى بمثل هذه الوجوه البالية .
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: