أحمد الحباسى - تونس
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 915
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
قديما ، يعنى قبل الثورة ، كان هناك السيد الرقيب و كانت هناك تعليمات واضحة لكل صاحب رأى أن يمتنع عن الكتابة من باب ابتعد عن الشر و غنّى له و في كل الحالات أن لا يتجاوز ما يسمى بالخطوط الحمراء التي بقيت مجرد عبارة حمّالة لكل المشاكل و ربما يتسبب مقال لا راح و لا جاء فى أن يقضى كاتبه ما تبقى له من سنوات وراء الشمس . في حالتنا الراهنة لا يزال هناك رقيب و حسيب و ربما تغيّر المناخ العام و لكن و بمجرد أن يعنّ لك بكتابة مقال تنتقد فيه حزبا أو مسئولا فستجد نفسك تتلقى رسائل العتاب " الحارة " و ألفاظ الشتيمة و تطييح القدر و ربما يتطور الأمر كما يحدث مع منتسبى حزب ديني معروف إلى تهديد مباشر و صريح بإزالتك من الوجود . ربما سيقول الإنسان فى نفسه و من باب النرجسية الزائدة أن ما يحصل هو ضريبة الشهرة لكن سرعان ما تشعر بوخز ينبهك إلى أنك لست محمد حسنين هيكل أو أحمد أمين أو عماد الدين أديب و لست إلا مجرد كاتب من الهواة لا يلتفت إلى كتابتك إلا هؤلاء المهووسون بالشتيمة .
أيوه ، قواعد النشر !!! و ما أدراك ما قواعد النشر ، لربما لم يفهم الأخ المتابع لماذا أتحدث عن قواعد النشر أصلا و الحقيقة أن هناك مشكلة مع مقام " قواعد النشر " خاصة أن الكتابة في هذه الفترات الحالكة التي عانق فيها سعر القرع و الفلفل و غيرها من الخضر التي تحمل مواد مسرطنة عنان السماء و انعدمت فيه أغلب المواد التموينية و فشلت فيه حكومة تصريف الأعمال بقيادة الرئيس قيس سعيد قد أصبحت مهمة صعبة و مستحيلة دون أن يخرج صاحب الرأي أو المقال عن قواعد النشر بما تفرضه من ضوابط و قيود . بطبيعة الحال و كما تقول سيدة الغناء العربي الستّ أم كلثوم للصبر حدود و لبرودة الدم حدود و للرصانة حدود و مهما حاول الكاتب أن يلتزم فلا بد أن تحرجه الوقائع التي يعيشها و يشاركه فيه الملايين من هؤلاء الذين أصبحنا نراهم منحنين الظهر في أكوام الزبالة و القمامة كمن يبحث عن شيء مجهول دون أن يهتم أحد بحالهم البائس .
مشكلة الكتابة أنها لايف و ليست برنامجا تلفزيونيا مسجلا يمكن أن يتدخل فيه مقص رقيب مخرج العمل أو منشط الحصة و يضع " تيييييت " أمام كل خروج عن النص و الآداب و ما يسمى في عرف الكتابة الصحفية بقواعد النشر . مشكلة الكتابة أنها انغماس حاد و عميق في واقع مؤلم وصل حدّ قاع القاع و لم يعد يحتمل حتى لو تناول الشخص كمية كافية من أقراص التنويم . لا يمكن لأحدنا أن يشاهد ما يحصل من سلبية حكومية وصلت حد الجريمة المكتملة الأركان و من جشع المحتكرين الذي استأسدوا على هيبة الدولة الآيلة للسقوط و يظل " عاقلا" صامتا محتسبا . لم يعد هناك مجال للصمت لان الصمت في حدّ ذاته جريمة و لم يعد مقبولا أن نحبس أنفسنا بين بعض العبارات التي فشلت في إيقاظ الضمائر و لكن ما العمل و قواعد النشر منتصبة أمام كل قلم كأبي الهول و السيد فيسبوك يهدد و يرعد و يزبد لمجرد عبارة غير لائقة .
--------------
أحمد الحباسى كاتب و ناشط سياسي
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: