أحمد الحباسى - تونس
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 476
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
يبدو أن التشكيك بالتاريخ النضالي لعدد من رجالات تونس البررة قد أضحى رياضة فكرية محبذة لدى بعض سماسرة الكلام المغمورين و لعلّ آخر هذه الشخصيات التي أراد أحدهم "اغتيالها " و أن يعدم تاريخها بجرة قلم فاسقة كانت شخصية الزعيم الفذ المجاهد الأكبر الحبيب بورقيبة . يبدو أيضا أن هذا الشخص قد أنكر على الزعيم محبة الناس و لم يستوعب عقله أن الأراجيف لا تنطلي في عهد الانترانت و وسائل الاتصال الحديثة ليمر إلى التشكيك القبيح في محبة الرئيس للصفاقسية زاعما لا فضّ فوه أن تركيز الزعيم بورقيبة لبعض المنشآت دليل ساطع على صدق مزاعمه . عادة لا أتوقف عند مثل هذه الترّهات و لا أعطى قيمة لأصحابها لأني أنبذ حمالي الحطب و نباشي القبور و أصحاب مقالات الشطح و الردح و لكن لم أتمالك نفسي أمام هذا الجبل من الافتراء الصارخ و التجاوز المفضوح في حق شخصية لها ما لها و عليها ما عليها تمنع قدسية الموت أن نعبث بنضالها و تاريخها بملل هذا العبث الصبياني الذي يكشف المعدن " المصدّد " لبعض الأشخاص .
حقيقة و للأمانة لم أجد من داع لدى البعض أن يتجاسروا على الإرث النضالي للزعيم ببورقيبة فلئن كان من حقهم أن يسلطوا نقدهم على تلك المسيرة بما يمكن أن يروا فيها من سلبيات من وجهة نظرهم فإنه من العار و قلة الأمانة الأدبية أن يتم اختلاق وقائع مادية من العدم كل ذلك لإرضاء نفوسهم المريضة أو خدمة لمقاولات التصويب على كل ما هو ايجابي في مسيرة الزعيم . حقيقة لا أستطيع إلا أن أستغرب كيف يحذف البعض بجرة قلم و لسان تاريخا معروفا متواترا فقط لان عقلهم لم يستسغه كأنما التاريخ قد صار من العلوم الرياضية الصحيحة التي يمكن أن ينتهي فيها هؤلاء المفترون على التاريخ إلى اليقين بكل هذه الثقة الغريبة في النفس كلما استطاعوا كتابة سردية تبدو لهم ممكنة مع أن كل شيء يقول أنها مجرد كذبة عارية تثير الرثاء و الاستهزاء . إن الراحل الحبيب بورقيبة قد كان زعيما عظيما بكل المقاييس بشهادة كبار السياسيين فى العالم و غريب إذن أن يسعى بعض المتطرفين من أقلام ثقافة بول البعير إلى إنكاره أو التبرؤ من انجازاته التي شكلت اللبنة الأولى في بناء مؤسسات الدولة بما فيها المدارس و المعاهد التي تخرجوا منها و باتوا ينكرون عليه انجازها.
لقد هددنا أحدهم و حذرنا من مغبّة العودة إلى نقد ترهاته و أراجيفه و هذا النوع من التهديد ألفناه عند دواعش الفكر التكفيرى المقيت و المتطرف و يبدو أن الرجل ليس بعيدا عن فكر هؤلاء المتطرفين أو أنه لم يتفطن أن مثل هذا التهديد أقل ما يثيره في نفسي هو الاستهزاء ، و على فكرة ، فقد كان مثيرا للسخرية أن يتعمد الإيحاء بكونه من درّس أجيالا و تخرج من بين " أصابعه" دكاترة و مديرين و لم يبق إلا أن يزعم أنه من درّس رؤساء هذا البلد ، ألا يدرى صاحبنا أن الادعاء بتخرج شخص هو ادعاء كاذب لان الطالب يدرس لدى كثير من المدرسين حتى يتخرج و شخصه الكريم لا يمثل إلا صفر فاصل فى المسيرة الطلابية لأي متخرج و في عدد المدرسين الذين تداولوا تعليم هذا المتخرج . ربما خان الصديق التعبير و هو الحجة في اللغة العربية و كان عليه القول أنه أحد الذين ساهموا في التخرج هذا إذا سلمنا أن المتخرج لم يكن من الكارهين لحصص " الأستاذ"و لم يكن يوما من المواظبين عليها أصلا .بطبيعة الحال سنصدق رواية هذا الدعي مع رجاء أن يعتبر تخرج الطالب ملكا مشاعا لجميع الأساتذة و ليس ملكية حصرية لشخصه و ذلك أضعف الإيمان .
لماذا تصرّ بعض الأقلام على تبخيس انجازات المناضلين و المفكرين و المبدعين لمجرد الاختلاف في الرؤية أو الايدولوجيا و لماذا يستعمل البعض معاول الهدم و التشويه و الكذب بدل الالتجاء للنقد البناء و مواجهة الحجة بالحجة و الدليل بالدليل و الرأي بالرأي ؟ لا بورقيبة أدعى الكمال و لا نحن المنتسبون إلى فكره نرفض النقد فلماذا يصر البعض على استعمال العنف اللفظي و إنكار الحقائق كل ذلك حتى لا يعترفوا و لو بنزر قليل من انجازات الرجل مع أنهم لم يقدموا للأمة و للبلد و لهذا الشعب أي منتج أو انجاز يذكر ؟ نحن نرفض أن يكتب المنتصرون التاريخ مع أنه حقهم كما نرفض شهادات الزور و التزوير و لكن أليس من واجب كل ناقد أن يعتمد النزاهة و الحجة و البرهان لا الاكتفاء بما تردده إذاعة " قالولو " سيئة الصيت ؟ من حقك أن تكره الزعيم كره العمى و لن نطالبك بتبرير سلوكك لكن أليس من حقنا أن ننتفض و نرفع الأقلام في وجهك لمجرد أنك تأتى بغيّا و تضمر شرا و تفسق في صحن الحقيقة دون حمرة خجل ؟ لا أحد يملك الحقيقة و لكن لا أحد من حقه التبّول على التاريخ لمجرد أنه مريض و يعانى من سلس البول عافانا و عافاكم الله.
-------------
أحمد الحباسى
كاتب و ناشط سياسي
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: